منوعات

جهاد مشاقي: المجتمع بين القيم الاخلاقية والنّقال (الجوال)

جهاد مشاقي 13-8-2023: المجتمع بين القيم الاخلاقية والنّقال (الجوال)

المجتمع مصطلح يُطلق على مجموعة من الناس يشتركون في مجموعة من العادات والتقاليد والقيم تُحدد شكل العلاقات فيما بينهم وتنظم حياتهم ، فتخلق بينهم اواصر الترابط والانتماء والحفاظ على بعضهم ، مما يساهم في قوتهم ،، ومجموعة هذه القيم والعادات والتقاليد هي التي تحدد السلوك العام للفرد داخل هذا المجتمع ، فكلما كان سلوكه متجانس كلما كان مقبولا في هذا المجتمع ،،،

وكل الشعوب والامم التي نشأت على هذه البسيطة كانت لها هويتها المجتمعية العامة التي حافظت على استمرارها فسادت ، ولكنها بادت عندما تساهلت وتراخت وتغاضت عن السلوكيات الفردية الشاذة واهملتها حتى انتشرت وشكلت ظاهرة،،

ومجتمعات اليوم الحية هي تشبه مجتمعات الامس التي بادت ، لأن مكونها الانسان ، والانسان صفاته ونوازعه ثابته وغير متغيرة بتغير الازمان ، فهو يعيش صراع الضمير ونزاع الخير والشر الذي بداخله ،

ولكن سلوكياته يحكمها هذا المجتمع الذي يعيشه فيتأدب بأدبها ويحارب من اجل الحفاظ عليها ليحافظ على عضويته بالمجتمع من جهة ويؤمن لنفسه الحماية من قبل هذا المجتمع ،،،،،

ولو حاولنا تطبيق هذه النظرية على مجتمعنا الفلسطيني العام والذي يحوي مجتمعات فرعية سواء كانت حزبية او قبلية او رجال اعمال او وظيفية لوجدنا العجب ، وسنعجز عن تحديد صفات عامة تشكل مرجعية لسلوكياته.

فتحت شعارات الحرية الشخصية ، وقوة الشخصية ، وحرية الرأي ، والحق بالتعبير ، والافكار التحررية ،نرى العجب العجاب

فبعض الكلمات عربية جوهرها أعجمي اقرب للرقص حول شعلة النار الساسانية ،، او شعائر عبادة بالتصفيق حول وثنٍ متقن الصناعة من تمور العراق ، يُأكل مجرد ما جاعت المعده.

ما يهمني هنا هو هذا المجتمع الفتحاوي الذي خلا من الفحص المجهري للداخلين عليه ،، فنحن حركة او مجتمع وضعنا القيم الاخلاقية المنسجمة مع مجتمعنا الفلسطيني الكلي لتحكمنا ونحكم بها دولتنا ، وخروج عناصرنا عن هذه القيم والتساهل معهم، وغض الطرف عنهم ، هو تهديد لوجودنا واستمرارنا ، فالقلاع تهدم من الداخل وليس من الاعداء او الخصوم (من الخارج) ،،

وعلى الانسان الاختيار بالبقاء داخل هذه الحركة بمحدداتها وقيمها واسسها وادبياتها بالسر والعلن داخل غرفها او خارجها ، او الخروج الآمن منها.

النقد حق لكل انسان ، ولكن له ضوابطه ، والحرية الشخصية حق مقدس ولكن في حدود تقاليد وعادات المجتمع وقوة الشخصية هي صفة قيادية وليست دربا من الوقاحة وقلة الادب وفحش الكلام وبذاءة اللسان والطعن بالناس والتشكيك بهم ،. فالانسان السوي ليس بمنافق ، يلبس ثوب الحكمة امام الحكماء ، وملك النزوات امام السفهاء ،

بالقدم غير البعيد كان الانسان يأخذ من صفات الحيوان ، الحقد من الجمل ، والغدر من الثعلب ، والغباء من النعامة التي تدس انفها بالتراب ،، والفِسقُ من نجاسة الفأر ، والوفاء من الكلب ، وتحمل الخطوب من التيس ، والجهل من الحمار الذي يحمل اسفاراً ، والجرأة من الاسد ، والعفة من الذئب ، والسرعة من الفهد ، والتلون من الحرباء ، واللسع من العقرب ، ونعومة الكلام من ملمس الافعى والموت في سُمها الزآم والنظام والادارة من النحل والنمل ، وحدة البصر من الصقر ، والشموخ من النسر ، والنعيق بالخراب من البومه ، والشؤم من الغراب ، واخيرا من الخيل : الجود والخير والسرعة والوفاء والاصرار والابكار والطيبة والعفة والعزة والأنفة .

وهذه كلها مخلوقات حيه ، واليوم اصبح البعض يأخذ صفاته من النّقّال ( الجوال ) فأصبح ناقلاً لكل سفاسف الامور ، وتفاهات الشعوب ، واكاذيب الكذابين ، وناشراً للفتنة والاشاعات ، ومستدرجاً للهفوات ، وفاشياً للاسرار ، وخائناً للمجالس ، ومتتبعاً للعيوب

يسكنه الفضول ، فلا تعرف له حدود ، ولا تُقيدّه قيود ، يريد ان يعرف كل الخبايا ليسعى بها مثل الحيايا ينسج في خياله الحَكايا ،، ، سلوكه مثل الشيطان ، لا يتورع من ملاحقتك الى كل مكان ، بالبستان او حتى الحمّام.

هذا الجهاز البريء الذي افقدنا التشبه ببعض فضائل الحيوان ، اصبح يهدد نسيجنا المجتمعي ويُخرجنا من عاداتنا وقيمنا وتقاليدنا ، ويهدم قلاعنا ، فهو نعمة لمن هو بصيرا ، ونقمة لمن هو أعمى البصيرة

قوتنا في مجتمعنا ، ومجتمعنا هو حركتنا ، فلنعيد مجهر الفحص من جديد ، ونعاين على عدسته الكلام حتى نعيش بأمان،

بغض النظر عن الرضا او عدم الرضا لاداء بعض المسؤولين ، هناك اخلاق وادب بالكلام ، والانتقاد ، سوء الكلام بذاءة وفحش انحطاط ،،

حتى عندما تنتقد خصومك ، انظر لنفسك ماذا تكتب

وانت تدافع عن نفسك احفظ لسانك وانتبه لكلماتك وسترى كم ابتذلت واسأت وقللت من قيمة نفسك

ولا تقول ( علي وعلى اعدائي لا شلّتْ )

الدائرة عليك لوحدك وسينجوا من تعتبرهم اعدائك ، مع انهم فقط في خيالك ، او انت بنيت لنفسك في كل كلمة عدو او خصم ، بدل ان تبني لنفسك في كل بلد معبد

عليك ان تحمل الجوّال ، ولا تكن جوال يحملك الجوال.

 

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى