منوعات

مي الطيب: الأنانية وحب الذات

مي نوري الطيب 5-10-2023

يُعَدُّ حب الذات مفهوماً توسعياً، يفتتح في داخلنا وعياً عن هذا الحب، ويجعله مع مرور الوقت يطفو على السطح، وبالتدريج يجعله يفيض ومن ثم ينسكب على مَن حوله من الناس؛ لأنَّ الإنسان يحب ذاته، فهذا يجعله يفكر أربعاً وعشرين ساعة في اليوم كيف يخدم الناس، وكيف يقدم لهم الفائدة؛ إذ إنَّه وصل إلى مرحلة من حب الذات جعلته يجتاز مرحلة إشباع حاجاته الفردية، إلى التطلع نحو الطريقة التي يقدر من خلالها أن يحول نفسه إلى مشروع جماعي.
سنتعرف في هذا المقال إلى المفهوم الحقيقي لحب الذات بصرف النظر عن الكلام المغلوط حوله، وما ينطوي عليه هذا المفهوم الواسع، وما يمكن أن نحققه من خلال تطبيقه في حياتنا.
ماذا يعني حب الذات وفق المفهوم الإيجابي
حب الذات بالمفهوم الإيجابي الذي نقصده نحن في مقالنا هذا يتناقض تماماً مع ما هو شائع في أذهان عامة الناس من تكبُّر أو غرور؛ بل هو وسيلة للقضاء على هذا الغرور وتحجيمه، تمهيداً لاجتثاثه كاملاً من أعماق النفس؛ إذ إنَّ حب الذات يقتضي إشباع حاجاتها التي لا تتقاطع مع إيذاء الآخر أو حتى إيذاء النفس أو الإخلال بالأنظمة والقوانين التي تنظم حياة الناس؛ وذلك من أجل بناء اللبنة الأساسية للسلام الداخلي؛ لأنَّ الحاجات التي لا تُشبَع، تبقى مثل الثيران الهائجة والمتناحرة.
بالتأكيد لا يمكن لأي إنسان أن ينجز عمله أو يحب غيره أو يتصرف بطريقة سليمة بوجود هذه الثيران، وما يفعله الإنسان في هذه الحالة أن يُسكِت هذه الثيران بطريقة لا تؤذي أحداً، ومن بعدها يعم الهدوء والسلام في الأجواء، ومن ثمَّ يستطيع التفرغ لعمله ويصب كل طاقاته ضمنه أو يهتم بمن هم حوله ويرعاهم، ويقدم لهم كل ما يحتاجون إليه من مادة أو عاطفة.
هل ينطوي حب الذات على حب الذات بأجزائها الإيجابية فقط؟
الإنسان المحب لذاته، هو إنسان محب لكل مكوناتها، لا يستثني منها شيئاً، فإذا أراد أن يحب الأجزاء الجميلة، فإنَّه يتصرف كالأم التي لا تحب أحد أولادها لأنَّه لا يستمع لكلامها أو لا يتصرف كما تريد، وهذا التصرف بالطبع لا تقوم به الأم؛ إذ إنَّها تحب كل أطفالها بنسب متساوية، وكذلك نحن، يجب علينا أن نحب كل عناصر ذاتنا السلبية منها قبل الإيجابية، وأن نتقبلها مثلما تفعل الأم تماماً، فلا يوجد إنسان كامل، وكلنا مليئون بالعناصر السلبية والإيجابية.
كيف يساعدنا حب الذات بكل مكوناتها على تقبل جميع أنواع الناس؟
عندما نحب ذاتنا بكل مكوناتها – وخاصةً السلبية منها – فإنَّنا نتقبل سلبيات الآخرين؛ وذلك لأنَّها موجودة لدينا بشكل أو بآخر، وهذا يساعدنا على مساعدتهم، لا أن نرفضهم لأنَّهم يحملون عيباً محدداً؛ إذ إنَّ أكثر ما يمكن أن يهدم العلاقات الإنسانية هو التعامل بمبدأ “إما أبيض أو أسود”، بما معناه أن ننظر إلى أي شخص على أنَّه سيئ أو جيد، والحقيقة أنَّ هذين اللونين غير موجودين في العلاقات الإنسانية، فنحن البشر مكوَّنون من تدرُّجات هذه الألوان.
لذا عندما ترى شخصاً يصب جام غضبه على شخص آخر، أو على صفة معينة في هذا الشخص، فاعلم أنَّ الشخص الأول يحمل في ذاته تلك الصفة التي يلعنها أو يرفضها، وهذا هو سبب غضبه منها بشكل أو بآخر؛ أي إنَّه لم يتقبل هذه الصفة، مع أنَّها جزء من ذاته، وهو لا يستطيع أن يتخلص منها، لكن حين يحب ذاته بكل مكوناتها، ويحب هذه الصفة ويحتضنها، فإنَّه سيتقبل بشكل أو بآخر وجودها عند بقية الناس، ولن ينفعل أو يغضب أو يشعر بالاستفزاز عندما تتجسد له في طباع الناس.
ما هو سبب الهجوم الشرس الذي يشنه بعض الناس على مفهوم “حب الذات”؟
عندما تتكلم على مفهوم حب الذات، ستجد الكثير من الأصوات التي تنتقدك انتقاداً سلبياً، وتقول لك: حب الذات أنانية”، و”حب” الذات هو تكبر، ومن ثمَّ هو معصية”، وغيرها الكثير من الجمل والعبارات التي تشيطن مفهوم حب الذات، وهل سألنا أنفسنا ما هو السبب الكامن وراء هذا الهجوم الشرس ؟ إنَّ مَن يهاجم مفهوم حب الذات يظن – في أغلب الحالات عن حسن نية – أنَّ حالة حب الإنسان لنفسه وذاته تعني شذوذه عن تقديم رسالته في الحياة، أو عزوفه عن خدمة غيره من الناس، واكتفاءه بخدمة ذاته فقط، والتفرغ الكامل لإشباع حاجاته الشخصية والتكبر على مَن هم ،دونه وعلى من لا يلبون له طلباته. وهذا المفهوم خاطئ؛ إذ أثبتت لنا الحياة أن فاقد الشيء لا يعطيه، فكيف يمكن لإنسان لم يعط ذاته الحد الكافي من الحب والرعاية، أن يعطي هذه المكنونات لأشخاص آخرين.
في الختام:
لا بدَّ لنا أن نسعى إلى نشر ثقافة حب الذات، وقبل ذلك يجب علينا تصحيح التفسير المغلوط لهذا المفهوم الرائع؛ وذلك لأنَّنا من خلاله نستطيع أن نرتقي بالفرد والمجتمع إلى مكان أفضل يعمه الأمن والسلام والنماء والتطور.

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook مي نوري الطيب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى