منوعات

بكر أبو بكر: القوة من المجتمع الى التنظيم السياسي

بكر أبو بكر 10-8-2023: القوة من المجتمع الى التنظيم السياسي

في مفهوم القوة تتعدد المفاهيم والطروحات والتعريفات فهناك من يعتبر القوة بامتلاك السلطة تحديدًا، أو أن القوة كامنة بالموقع والمركز والمنصب أو هي بالعلاقات وحجم النفوذ داخل المؤسسة، وهناك من يعتبر القوة  مفهومًا يمثل القدرة على الإرغام والفرض وإجبار الآخرين لفعل ما يريده الشخص، وهناك من ينظر للمال باعتباره القوة الأساس.

 كما أن هناك نظرة آخرى للقوة بأنها القوة العسكرية المادية، المقترنة بقوة الجبر والإكراه والقسر أو التهديد بها، وهكذا تجد العديد من المفاهيم التي تخلط بين مفهوم القوة وعواملها أوأشكالها. 

ولكن في جميع الأحوال فإن القوة كمصطلح –بعيدا عن علم الفيزياء- يمكننا تعريفها حسب القاموس بأنها: القدرة على التصرف وإحداث التأثيربالآخرين، وتعرف بأنها حيازة السلطة أوالسيطرة والتحكم. وهي أيضًا فرض إرادتك على الآخرين. وهي قدرتك على الفوز بصراعك الداخلي. 

ومفهوم القوة اجتماعي لأنه مرتبط بالأشخاص وطبيعة العلاقات بينهم، والقوة ليست مطلقة بمعنى أنها تتغير بتغير الظروف الداخلية والخارجية، وفي ذات الوقت فإن التأثير للقوى قد يكون متبادل أي أن كل طرف يمكنه أن يؤثر في الطرف الآخر، كما أن كل طرف يمكن أن يساعد أو يعيق الطرف الآخر، وتستخدم القوة غالبًا للدفاع عن المصالح.

 في الدولة والمجتمعات عامة هناك القوة الاقتصادية، والقوة العسكرية، وقوة التقانة (التكنولوجيا) وقوة العلم والصناعة والزراعة، والقوة المجتمعية بالوحدة الوطنية والتآلف والحوار وسيادة القانون والديمقراطية، والقوة السياسية بالتشريع والقانون والقضاء وتوازن المؤسسات، وقوة النفوذ أو التمدد أو السيطرة على الدول الاخرى، وقوة الموارد والامكانيات بما فيها البشرية والصناعية والتقانية والقدرة الإدارية للموارد وقوة الرؤية واستشراف المستقبل، وبناء العلاقات الداخلية والخارجية …

وفي العلوم الاجتماعية والنفسية وأيضًا بالعلوم السياسة والتنظيمية، تعتبر القوة هي الإنتاج الاجتماعي لتأثيرما يحدد قدرات الفاعلين أو أفعالهم أو معتقداتهم أو سلوكهم. 

وفي الحقيقة فإن القوة ليست خارجية دومًا أي خارج ذات الانسان، فهناك القوة الذاتية في شخص الفرد وهي هامة جدًا، وهناك القوة الخارجية القادمة من عامل خارجي (ظروف خارجية) كدولة أو حكومة أومؤسسة او تنظيم او شخصية قيادية أو شخصية عامة (اجتماعية، رياضية، سياسية، فنية…الخ)

وللأفراد قواهم الداخلية (العقلية والنفسية والروحية) ما يجب استثمارها بالشخص كحافز ودافع أساس مقابل القوة الخارجية.

في الأثر الحضاري الإسلامي يقول عليه السلام “المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز” حيث تظهر القوة الذاتية مرتبطة بالاستعانة بالله سبحانه وتعالى والإرادة المقابلة للعجز، كما تظهر قوة الدولة والمجتمع والأمة ضمن الآية الكريمة (وأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ) والتي تحتمل كل أشكال القوة وأنواعها مما ذكرنا، بدلالة التخصيص اللاحق بالآية باعتباره أحد الأشكال أي (ومن رباط الخيل).

وفي إطلالة على أنواع القوة في التنظيم السياسي وفي داخل المجتمع تخصيصًا يمكننا النظر بالآتي

القوة الشرعية في التنظيم: نجد في السياسة والمجتمع وفي التنظيم القوة الشرعية: وهي سلطة  الشخص (القائد أو المسؤول في موقعه) بسبب الموقع/المركز/المنصب النسبي وواجبات صاحب المنصب داخل المنظمة/التنظيم. وهذه السلطة الشرعية هي السلطة الرسمية المفوضة إلى صاحب المنصب حسب النظام/القانون. كقوة اللجنة المركزية لحركة “فتح” أو المكتب السياسي “للجبهة الشعبية” التي يمتلكها الأعضاء كمجموع أو أفراد استنادًا لصلاحياتهم حسب قانون/النظام الداخلي للتنظيم وهكذا في الأطر الأدنى.

قوة المرجعية والنموذج: نجد أيضًا في التنظيم السياسي قوة القدوة والنموذج، أو قوة المرجعية، أو قوة التأثير والجاذبية (الكاريزما) الشخصية اللامعة المرتبطة بميزات وقدرات واخلاقيات ومهارات ذاتية، أي ما يعتبرها الشخص المتأثر بها نموذجه الذي يسير خلفه كقدوة ومثل أعلى، وهو هنا أي المتأثر قد يسير تحت تأثير القوة التأثيرية والجاذبة للشخصية بوعي، أو كتابع بلا وعي حيث الانبهار والالتحاق، ما يرغبّه أن يتماهى ويقلّد هذه الشخصية ويدين لها بالولاء.

وهذه القوة قد تمكّن الشخص من تشكيل حالة أو تيارفكري أو سياسي، أو ولاءات قوية للمنظمة، أو حول شخصه هو وما يطرحه في سعي لزيادة تأثيره ونفوذه كما كان في مساحات التيارات سابقًا في حركة فتح من جماعات بين يسار ويمين أو قوة ما سمي في مرحلة من المراحل الأبوات (جمع أب) أو ظاهرة الاستزلام التي يقابها اليوم الشللية.

قوة الخبير:  نجد في التنظيم السياسي قوة الخبير أو المجرب المرتبطة لدى العرب بالمثل الشهير (إسأل مجرب ولا تسأل طبيب) كمثال. و هي قوة الفرد المستمدة من مهارات أو خبرة الشخص واحتياجات المنظمة لتلك المهارات والخبرات. وللخبراء احترام ونفوذ على الأعضاء بالتنظيم سواء أكانوا خبراء بالفكر والتنظير، أو الخبراء بفن الحديث والخطاب والاقناع، أو الخبراء بإدارة الإطار أو إدارة الاجتماعات والمؤتمرات، أو الخبراء بالعمل التنظيمي الميداني او التعامل مع الناس.  

ومن أشكال قوة الخبرة تلك المهارات الصلبة (التخصص)، والمهارات الناعمة (إدارية ذاتية عقلية…) المتوجب الإطلالة عليها وتعلمها وتنميتها في ذات ومسار عمل كل فرد داخل التنظيم السياسي.

في حركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح” على سبيل المثال اتسمت قوة خالد الحسن وماجد أبوشرار وكمال عدوان وهاني الحسن وصخر حبش وعباس زكي… بصورة أساسية بالفكر والثقافة والعلاقات، بينما كانت بأبي جهاد-خليل الوزير بحراكيته وانسانيته وعمله الدؤوب وبصلاح خلف-أبوإياد بتأثيره الطاغي المستمد من شخصيته الحاضنة، وبخطابه المعارض القوي الجهوري، وفي ياسر عرفات بالكثير الذي منه أنه كان يسبق الجميع دومًا ليس بخطوة واحدة وإنما بخطوات وهكذا. (القسم الثاني يتبع)

 

مركز الناطور للدراسات والابحاثFacebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى