منوعات

بكر أبو بكر: المتنمّرون وسِهام الاتهام

بكر أبو بكر 8-7-2023: المتنمّرون وسِهام الاتهام

عندما كتب زميلنا في مجلس إدارة أكاديمية فتح الفكرية محمد قاروط أبورحمه، والأستاذة أنسام طه حول التنمّر، ما لم نكن نعرفه سابقًا بهذا الاسم، ومع انتشار المصطلح فإنهما قد فتحا الباب لنا لنستدل على المفهوم من دهاليز خبرتنا السياسية والتنظيمية والفكرية سواء في مراحل عيشنا بالكويت أو في تونس أو في فلسطين. وهي المراحل الأطول ما بين التنقلات بين دول أخرى كزيارات عمل، وعليه فلقد أشعل فتيل الاستدلال على مواضِع الإساءة أوالإيذاء والعدوانية التي صادفناها أو عايشناها هنا أو هناك ما سأعرض بعضها في هذه العجالة.

في المقدمة من المهم الإشارة الى أن عقيدة الحُب والاحتضان للجماهير، وحُسن التواصل والاتصال مع الجميع هي عقيدة المؤمن أينما تواجد “وقولوا للناس حُسنا” أو كما تسميها “فتح” قانون المحبة، واحترام الجماهير والتعلم منها.

لذا فإن سوء الاتصال والتواصل قد يتخذ أوضاعًا كثيرة من السلوك العدواني أوالإيذاء مثل الاهانات اللفظية، والتوبيخ أمام الغير، والنقد المسيء والتشهيروالمضايقة، والتخويف والإذلال والتحرش، والصراخ المؤذي، والتجاهل المتعمد، وافتعال الشجار والاشتباك. وحين يتم تكرار أفعال الإيذاء بالأشكال المذكورة أو غيرها هنا يصبح الفعل تنمرًا.

القائد النزق

اختلفت يومًا مع أحد القادة في إقليم الكويت عندما كنت رئيسًا لاتحاد الطلاب هناك وقدم الأخ أبوعمار لاحتضان المشكلة وحلّها، وحضرت اللقاء بصفتي وأدليت بدلوي أمام القائد العام الذي استمع بإنصات عميق كعادته ثم خرج. فما كان من أحد القادة الحضور إلا أن وجّه لي سهام الاتهام مع سيل من الشتائم التي لم أفهم سببها في الحين، فصمتُ ولم أردّ عليه! فلم أكن مطلقًا وأنا الفتى العشريني حينها أتوقع ثورة وإساءة وإزدراء من هذا القائد وبهذا الشكل ما أحرجني وأشعرني بالقهر، بل وباغتني فلم أكن ولو للحظة أشعر أنه من المتوجب عليّ الرد عليه بل تملكني العجب والحزن الشديد، فخُرت بلا أي كلمة.

علمت بعد فترة أن القائد المذكور كان قد لقي تعنيفا مسبقًا من القائد العام فوجد ضالته بالتنفيس في شخصي، وفي رغبة منه ألا يتدخل أحد في الموضوع، فما بالك وهو يأتي من شاب صغير؟

أخذته العزة بالإثم!

في الجامعة كنت جالسًا في المطعم (كافتريا) أتحاور مع طالب قيادي من “الاخوان المسلمين” الفلسطينيين قبولًا أو رفضًا وحجة مقابل حجة، فما كان من الشخص المجاور له، والذي كان يداعب لحيته الطويلة مدة حواري مع الشخص، إلا ونطق بكلمة ثقيلة على الأذن! سمعتها (فهي خرمت أذني) فلم استطع تجاهلها أوتجاهل صاحبها، رغم أنني صبرتُ على كلام الشخص المواجه لي حتى أكمله باحترام للحوار. رمقتُ مداعب لحيته بنظرة اشمئزاز.

وقلت لمحاوري:أنني لم أسمع مما قلته شيئًا يا أخ فلان؟

فتعجب وهو يعلم بي حُسن الانصات بل وحُسن الرد المخالف أيضًا، فقال لماذا؟

فقلت: له لأن هذا الشخص المريض السقيم الجالس جوارك قد قال عني ولم يسمع ردّي بعد: “أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ”؟ وأنت تعرف معنى الآية الكريمة، وما يسبقها ويتلوها (الآية كاملة تقول: وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ ۚ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ ۚ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ-البقرة 206)، فهذا اللعين وأشرت له بأصبعي غاضبًا قد كفّرني لمجرد رأيي المعارض وحتى قبل أن أعرض حُججي إزاءك.

عمومًا فإن هذا الشخص الصفيق لم أعرفه حينها ولم أعرفه حتى اليوم، أما محاوري رغم انشقاقه وتأسيس إطار إسلاموي طلابي موازي للاتحاد العام لطلبة فلسطين في الكويت فمازال صديقي المختلف حتى اليوم.

عضو لجنة إقليم متنمّر

في واقعة حديثة في فلسطين عقدنا كلجنة تدريب دورة لأحد الأطُر القيادية الميدانية فما كان من أحد الأعضاء في الإطار القيادي الخاضع للتدريب إلا أن يمارس تنمره على أحد زملائه طوال محاضرتي!

نبهته بنظرة صامتة

ثم بنظرة غاضبة

ثم بجسد غاضب فلم يرتدع.

فواجهته وطلبت منه عدم إيذاء زميله بالتعليقات الساخرة، فقال ضاحكًا: أنه أهلٌ لذلك؟

تركته، فما كان له إلا أن تمادى فطردته.

وبذلك أكون قد تدرجت بالرد على التنمّر أو الإيذاء الحاصل، وقبل أن أطرده أسمعته كلامًا يليق به فخرج وما لبث أن عاد معتذرًا، ليكمل الدورة دون أن ينبس ببنت شفة.

في واقعة أخرى في أحد الدورات في فلسطين أيضًا أشار أحد الحضور لمحاضرنا بالدورة بالاستهتار من قدراته وامكانياته بتعليقات خارجة عن الأدب وحُسن التواصل، ولكن لحسن الحظ أن صديقنا المدرب قد ابتلع الإهانة ليثبت كذب ظن الزميل المشارك بالدورة عبر العمل، وهذا نموذج فذّ حقًا. ونظر لي ألا اتخذ أي إجراء كمدير للدورة، فصمتّ بناء على طلب عينيه وحركة من يده عنت: أن أتركني أعالج الأمر وهذا ما كان.

لقد أدى مدربنا محاضرته بأقصى درجة من الاحترافية ما أذهل الجميع، ومنهم المتنمر الذي راجع نفسه، ومدّ يده لمصافحة المحاضر لولا أنه لم يقل أي كلمة شكر ولو فعلها لاكتملت عناصر الاعتذار.

أسكته بالمنطق فشتمني!

لم احتمل التقليل الذي حصل من أحد القادة (عضو لجنة مركزية في “فتح”) لقدراتي وطبيعة عملي أمام حشد من كوادر التنظيم فواجهته بقوة.

لقد انزعجت كثيرًا فأسكته الى الدرجة التي قام فيها بشتمي، فخسر المعركة وكسبت!

ولم أكن مستعدًا لشتم قائد رغم رعونته، فخرجت غاضبًا حتى أعادني أحد الأخوة للاجتماع الذي تابعته صامتًا والقائد يرمقني بعينيه بغضب.

مرّت الأيام والسنوات حتى كان لهذا الرجل من حاجة له معي فاضطر للاستماع لي حتى الرمق الأخير، وأيضًا في حشد كبير آخر كان قد استقدمه ليستقوي به عليّ، فما كان من الحشد إلا الاستسلام للموقف وتركه لوحده في مواجهتي التي كان لي فيها الغلبة، حيث مارست ضبط النفس وفضيلة الصبر والهدوء المكتسب بعد طول تجربة من الصخب ومتسلحًا بعشرات الحجج والبراهين المقنعة تلك التي ألجمت الحضور، فبدا القائد عاريًا أمامهم وأمامي ما اضطره لتقبل الأمر.

متعة الإيذاء! والاعتراف بالخطأ

عرفتُ مديرًا مؤذيًا ومستفزًا وساخرًا من غيره الى درجة مرعبة، ولا أملّ ذكره بصفة مدير وهو كذلك بحكم موقعه بأحد الوزارات في السلطة الوطنية الفلسطينية وليس قائدًا مطلقًا، فما له أن يكون قائدًا وهمّه الأول والأخيرالإساءة الى الناس باحترافية، ومتعة طاغية!

المهم أن هذا الرجل في أحد أبرز تجلياته المهينة للآخرين كان قد طلب من أحد الموظفين تحت مسؤوليته طلبًا-خارج صلاحيات وظيفته- ونفّذه الموظف بأمانة ولاتقاء شره ربما، فما كان من الرجل الصفيق الا وعهّر بالموظف في كل مكان رغم ذلك لأنه لم يكن يتوقع تلبية طلبه الصعب فوجد فيه كما يعتقد ثغرة، لا قيمة لها بالحقيقة، لكنه جعلها شغله الشاغل متناسيا ال99% من تنفيذ الطلبات ضمن الصلاحيات وخارجها، ومازال على نفس المنوال.

لست منزهًا ولست أدعي الحكمة وما أنا الا إنسان أخطيء وأصيب ففي أحد الاجتماعات التي ترأستها يبدو أنني قسوت على أحد الحضور بطريقة حديّة وشديدة، وفي الحقيقة لم انتبه لذلك فيما فهمه الآخر تنمّرًا وشدة كبيرة أو تقليل من قيمته كما توضح لاحقًا، ولما رأيت امتناعه عن الحديث سألته، فلم يجب؟ فسألت المجاور لي فأشارالى أنني ربما قسوت على الشخص الآخر! فما كان مني إلا أن اعتذرت للشخص على رؤوس الأشهاد، وكرّرت ذلك في الاجتماع اللاحق.
وأصبحت هذه عادتي أنني عندما أخطيْ أو على الأقل يرى الآخرون أنني قسوت عليهم، أوسببت لهم الأذية النفسية، رغم عدم انتباهي لذلك، الا وكنت أول المبادرين للاعتذار، وعدم التكرار للفعل، بل وأيضًا تقديم الآخرين بذكرهم وأفضالهم وحُسن فعالهم ومدحهم حتى لو كانوا هم من المسيئين لي أو حتى الطاعنين.

التجاهل والتغافل عن إساءة أو تنمر الآخرين أصبح من طبعي مقرونا بتقديم الخير والإيجابية والثناء ما تحملت حتى وصلت لهذه المرحلة الكثير من المعاناة والصبر والتقبل، وما زال الأمر صعبًا جدًا خاصة مع المرضى من الحمقى، ومن الصفقاء والحقراء والمسيئين عن عمد وتقصد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى