أقلام وأراءغير مصنف

جميل مطر: قضايا جديرة بالاهتمام

جميل مطر 5-10-2023: قضايا جديرة بالاهتمام

نعيش زمناً تكاثرت فيه، وتكالبت علينا أزمات، أكثرها خانق. ففي أغلبية دول الشمال، كما في جميع دول الجنوب، شعوب تعاني عواقب سوء إدارة، وصعوبات مالية، واختناقات سلعية وغذائية، وظلماً شديداً في توزيع الموارد، وتضخماً في الأسعار، وفساداً سياسياً واجتماعياً متفاقماً. ويزداد الشعور بالقلق، ولا أقول اليأس، كلما انسد طريق خلاص بعد آخر، وتعددت مظاهر العنف، أو التهديد به، وصارت الفوضى كابوساً ضاغطاً يهدد ما تبقى، وهو قليل، من مدخرات، الأفراد والدول، على حد سواء. ويزداد أيضاً القلق بين خاصة الناس، ومن بيدهم الأمل في التغيير، بسبب إدراكهم المتجدد أن قضايا دولية استجدت، أو تدهورت، حتى صارت تشكل في مجموعها، أو منفردة، مصدر تهديد لكل أمل متجدد في خلاص قريب. واخترت في السطور التالية بعضاً ما أعرفه عن قضيتين تستدعيان الاهتمام بهما:

*أولاً: أوروبا المهددة بالتفكيك: كنت شخصياً منذ بداية عملية التكامل ثم الاندماج الأوروبي من أكثر المتفائلين بهذه الظاهرة الطارئة على السياسة الدولية. تعلّمنا في معاهد العلم العليا الكثير عن ماضي أوروبا. حروب متواصلة، من بينها حربان عالميتان أهلكتا ملايين البشر. مصدر الأمل لدينا كان الحال التي خرجت عليها شعوب أوروبا من حرب أشعلها حكامها، والدعوات الخجولة، ولكن الملحّة من بعض قادة الفكر لإقامة تجمعات اقتصادية بأهداف تكاملية تجمع بين دول متفاوتة الأحجام والثروات في غرب القارة. وكبرت الفكرة، ونضجت من جماعة حديد وصلب، إلى سوق اقتصادية أوروبية مشتركة، إلى اتحاد أوروبي.

عاشت أوروبا مرحلة غير مسبوقة من السلم الإقليمي، كان الظن أو الأمل أن تستمر. ولكن حدث ما يدفع الكثيرين في داخلها، وبخاصة في خارجها، إلى الشك في أن تستمر. حدث أن تعرضت أوروبا لموجات متتالية من الهجرات الآسيوية والإفريقية، بدأت ضرورية وانتهت كارثية.. وحدث أيضا أن العضو الأكبر في حلف الأطلسي تورط في خطأ جيواستراتيجي كبير، استدعى الخروج منه الاستعانة كعادة الولايات المتحدة، بتغطية غير محدودة بالوقت، أو المال، أو السلاح، من جانب الدول الحليفة حتى صارت أوروبا طرفاً في أجواء حرب كانت تظن أنها ربما نأت بعيداً عنها إلى الأبد.

*ثانياً: عالم ناشئ في الجنوب: من بين مفاهيم كثيرة طرحتها التطورات الأخيرة في السياسة الدولية لفت نظري بصفة خاصة مفهوم «الجنوب العالمي»، أو «عالم الجنوب». وصرت، مع بعض التأمل، أعتقد أنه يعبّر عن حالة عالمية جديدة تختلف عن أي حالة سابقة كان للجنوب دور مشهود فيها. لم يكن قصد باندونغ الإعلان عن نشأة «الجنوب»، فالجنوب في ذلك الحين كان مشاركاً في قيادة تيار «متعدد الجغرافيا والألوان». بل إن التكوينات المتعاقبة لدول ما سمي بالعالم النامي والعالم الثالث ومجموعة السبعة وسبعين، وغيرها، تعمدت فيما يبدو، الابتعاد عن تسميات تحمل صفة الجنوب.

لم يعد الجنوب العالمي، أو عالم الجنوب مجرد مفهوم نظري أو جغرافي. حدث في السنوات الأخيرة أن تحركت هذه الكتلة الضخمة في اتجاهات تستحق منا الاهتمام والمتابعة. وأقصد بالكتلة الضخمة التحرك العسكري في جانب من القارة الإفريقية، واستعدادات ملموسة على مستوى القارة اللاتينية تنذر بسلوك مماثل في الجوهر، وإن ليس في الشكل. أقصد أيضاً «مجموعة البريكس»، وما حققت من شعبية سياسية في أوساط «الجنوب»، وفي الوقت نفسه، لا أنكر فضل المغزى الذي تتضمنه.

تأسست وفي عضويتها دولتان من الجنوب بينهما صراع على الحدود، كامن حيناً، وساخن حيناً آخر. اللافت أن الدولتين رغم هذا الصراع الناشب بينهما ورغم المحاولات الأمريكية المتواصلة للإيقاع بالهند وجذبها بعيداً عن المجموعة نحو أحلاف سريعة التجهيز تحت المظلة الأمريكية، رغم هذا وذاك، يظل العداء للغرب، وبالذات لذكرى الرجل الأبيض خلال المرحلة الاستعمارية، تشكل العمود الفقري والأساس في عقيدة السياسة والحكم في كلتا الدولتين، الهند والصين. يبقى واضحاً وملحّاً الدور النشيط الذي يلعبه، ولعب جزءاً منه في مرحلة نشأة «البريكس» الرئيس لولا دا سيلفا.

وأعرف، كما يعرف كل متابع ومدقق لقضية دولية بعينها، أن الطبقة الحاكمة في فرنسا لم، ولن تغفر للجيوش الحاكمة في إفريقيا توليها الحكم ضد رغبة باريس، وبمعنى أدق، من دون مباركتها. وفي النهاية أشعر بالغبن الذي لا شك شعر به أمين معلوف. هذا الرجل كان يستحق أن يحصل من فرنسا على التكريم الذي أنعم به عليه الرئيس ماكرون، لو أنه جاء في ظروف طبيعية وليس في ظروف نكبة سياسية وثقافية، نكبة الموقف الفرنسي من الثورة الإفريقية الناشبة ضد الاستعمار الفرنسي، وردّ الفعل البارد، أو الساكت من جانب علماء وأكاديميي فرنسا.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى