أقلام وأراء

إبراهيم نوار: المقاومة تصنع المستقبل الفلسطيني

إبراهيم نوار 2-5-2024: المقاومة تصنع المستقبل الفلسطيني

أمام المقاومة الفلسطينية مهمة كبرى لتعظيم المكاسب الكبرى التي حققها صمود الشعب الفلسطيني، وهي المكاسب التي جعلت قضيتها هي القضية السياسية الأولى على جدول أعمال العالم، حكومات وشعوبا ومؤسسات دولية، ووضعت إسرائيل في ركن ضيق داخليا وخارجيا، تدهورت فيه مكانتها السياسية والعسكرية، وجعلتها موضع اتهام وهجوم من الرأي العام العالمي، وأدت الى تشققات داخلية في بنيتها العسكرية والسياسية والأيديولوجية. تعظيم المكاسب يتطلب إعادة ترتيب البيت الفلسطيني من الداخل بالحوار، ليصبح جبهة واحدة صلبة، بلا ثغرة ينفذ منها العدو. كما يتطلب رؤية واضحة للمستقبل نحو إقامة دولة فلسطينية مستقلة آمنة، وعلاقات صحية مع دول الجوار، ومع العالم. ورغم استمرار قسوة المعاناة الإنسانية في غزة والضفة والقدس الشرقية، فإن ملامح التضاريس السياسية المتقلبة، تبدو حاليا أكثر ملاءمة لشن هجوم دبلوماسي على حكومة إسرائيل، التي تبدو في أضعف حالاتها منذ بداية حرب غزة. المقاومة الفلسطينية تستمد قوة متزايدة من تأييد الرأي العام العالمي، خصوصا مع تصاعد احتجاجات الطلبة في أكثر من 40 جامعة كبرى، على رأسها جامعات مثل كولومبيا وهارفارد وبنسلفانيا وييل. كما أن المحكمة الجنائية الدولية تقترب من إصدار قرار بشأن التحقيقات في جرائم الإبادة الجماعية في الأرض الفلسطينية المحتلة.

ضعف الحكومة الإسرائيلية يتضمن أيضا استمرار الخلاف بين تل أبيب وواشنطن بشأن عملية برية واسعة النطاق في مدينة رفح، تتحدث عنها إسرائيل منذ عدة أشهر. وعلى المستوى الداخلي تواجه حكومة نتنياهو حركة احتجاجات شعبية لا تهدأ مطالبة باستعادة المحتجزين في غزة، أمدتها حماس بوقود كاف لزيادة لهيبها، وذلك بنشر رسائل مرئية (فيديو) لاثنين من المحتجزين، يتهمان فيها الحكومة بعرقلة مفاوضات تبادل المحتجزين والأسرى، وتطالب بإدانة هذا الموقف والعمل على تغيير الحكومة قبل فوات الأوان.

المسودة الأخيرة للصفقة تنص على التزام حماس بإعادة 20 محتجزا من الذين تنطبق عليهم شروط العودة «لأسباب إنسانية»، من النساء والرجال فوق سن الخمسين، والمرضى المحتاجين إلى رعاية طبية، بما في ذلك بعض العسكريين، على دفعات تستغرق حوالي ثلاثة أسابيع، يتم خلالها وقف إطلاق النار. وكانت المسودة السابقة تشير إلى طلب إسرائيل استعادة 33 من المحتجزين الأحياء الذين تنطبق عليهم هذه الشروط، لكن حماس قالت إن العدد الذي تنطبق عليه هذه الشروط لديها لا يزيد عن 20 محتجزا، بينما باقي المحتجزين داخل تلك الفئات هم لدى جماعات أخرى. وفي المقابل تلتزم إسرائيل بإطلاق سراح حوالي 500 من الأسرى الفلسطينيين الموجودين لديها في السجون، منهم عدد من قدامى الأسرى والشخصيات القيادية. وإضافة لذلك تتضمن الصفقة السماح بعودة 300 ألف نازح فلسطيني إلى منازلهم في شمال غزة، كانوا قد تم تهجيرهم إلى الجنوب، طبقا لتقرير نشرته «وول ستريت جورنال». وحتى وقت كتابة هذه السطور فإن الصفقة تتم مناقشتها في القاهرة بوساطة مصرية. وتشير التسريبات إلى وجود مناخ إيجابي يحيط بالمفاوضات، ما يرفع فرص النجاح في تنفيذها، بينما كان وزراء خارجية الولايات المتحدة والسعودية ومصر وقطر والإمارات والأردن يعقدون اجتماعات في الرياض لمناقشة قضايا أخرى إلى جانب الصفقة، تتضمن الوضع في غزة بعد الحرب، بما في ذلك ثلاث قضايا أساسية تتعلق بمسؤوليات الأمن والإدارة وإعادة البناء. كما تضمنت أيضا قضايا إقليمية أهمها، دفع فكرة تأسيس نظام دفاعي إقليمي، وترسيخ التطبيع بين الدول العربية وإسرائيل، وإقامة التطبيع بين السعودية وإسرائيل، وقضايا دفاعية ثنائية بين الولايات المتحدة والسعودية.

الانقسام داخل حكومة نتنياهو

ومع أن إسرائيل هي الحاضر الغائب في اجتماع الرياض تحت المظلة الأمريكية، فإن حضورها يتم داخل نطاق ما تسمح به واشنطن، وليس ما تريده حكومة نتنياهو، نظرا لعوامل الضعف الكثيرة التي تعاني منها؛ ذلك أن الحكومة الإسرائيلية تواجه انقساما بين من يهددون بالانسحاب إذا وضعت استمرار الحرب فوق استعادة المحتجزين، ومنهم غانتس وأيزنكوت، ومن يهددون بالانسحاب منها إذا وضعت استعادة المحتجزين فوق استمرار الحرب، سموتريتش وبن غفير، وعلى الصعيد الخارجي تواجه تهديد تداعيات الخلاف مع الولايات المتحدة ومصر حول خطتها لاقتحام رفح بريا. وحتى الآن تعترض الإدارة الأمريكية على الهجوم البري الشامل على رفح، لأن خطة حماية المدنيين غير عملية، وأنها ليست في مصلحة إسرائيل ولا الولايات المتحدة، كذلك فإن رسالة مصر في هذا الخصوص صريحة وشديدة الوضوح، نظرا لأن الخطة تتضمن السيطرة على ممر فيلادلفيا على الحدود بين مصر وغزة، وهو ما يخالف نص الملحق الإضافي لمعاهدة السلام، الذي تم توقيعه عام 2005، كما أنه ينطوي على خطورة شديدة بسبب ارتفاع احتمالات لجوء الفلسطينيين إلى اقتحام معبر رفح إلى سيناء. وتسعى واشنطن والقاهرة وأبوظبي إلى إقناع إسرائيل بأن الأمن الذي تسعى إليه بالحرب يمكن تحقيقه بغيرها.

تهديد دولي لشرعية الحكومة

عوامل ضعف حكومة اليمين الديني الصهيوني المتطرف بقيادة نتنياهو، تعكس أيضا تهديدا دوليا جديا يتحدى شرعيتها وشرعية حربها على غزة، واعتداءاتها المتكررة على الفلسطينيين وأراضيهم وممتلكاتهم في الضفة الغربية والقدس الشرقية. ويتعاظم هذا التهديد مع زيادة احتمال أن تصدر المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال دولية بحق رئيس الوزراء ووزير الدفاع ورئيس أركان القوات المسلحة. هذا من شأنه أن يوجه ضربة قاصمة للحكومة، ما يمهد الطريق عمليا للدعوة إلى انتخابات عامة جديدة، خصوصا اذا نجحت صفقة تبادل الأسرى والمحتجزين. هكذا فإن حرب غزة كشفت كيف أن إسرائيل لا تستطيع الحياة دون غطاء أمريكي عسكري وسياسي ودبلوماسي. وللمرة الثالثة خلال شهر واحد يتجسد ضعف تل أبيب، من دون عون واشنطن: في المرة الأولى فشلت إسرائيل في تنظيم الدفاع عن نفسها ضد الهجوم الإيراني في الأول من أبريل، من دون معونة عسكرية نظمتها الولايات المتحدة مع عدد من دول المنطقة. وبعدها تدخلت الولايات المتحدة لحمايتها من قرار دولي للاعتراف بدولة فلسطينية كاملة العضوية في الأمم المتحدة، والآن تجد الحكومة نفسها في مواجهة اختبار أشد في حال إصدار مذكرة اعتقال دولية بحق نتنياهو وغالانت وهاليفي. وهناك إجماع داخل الحكومة على أن الطريق الوحيد لتجنب صدور المذكرة يتوقف على الولايات المتحدة، رغم أنها لم توقع اتفاقية إنشاء المحكمة ولم تنضم إليها.

تصنيع المستقبل

الصمود الفلسطيني في حرب غزة يصنع تاريخا جديدا في المنطقة والعالم، ويثبت يوما بعد يوم أن التاريخ يصنعه البشر في تفاعلهم مع الوقائع السابقة، وأن تلك الوقائع السابقة ليست هي التي تقرر المستقبل. نحن نشهد الآن للمرة الأولى منذ نهاية الحرب العالمية الثانية انقلابا هائلا في الرأي العام العالمي ضد العقيدة السياسية الصهيونية، التي اعتبرها البعض عقيدة خلاص اليهود وتحررهم من الاضطهاد. أهمية هذا الانقلاب الهائل إنه يمثل الآن تيارا عالميا تقوده أهم قوى التغيير والثورة من أجل السلام والديمقراطية، وعلى رأسها طلبة الجامعات الأمريكية، وهي القوة التي أعادت صياغة تاريخ الولايات المتحدة خلال حرب فيتنام، وأسهمت بالتضامن مع المقاومة الفيتنامية في إنهاء الحرب، وإسقاط نظام الحكم السابق في سايغون المدعوم من واشنطن، وتوحيد فيتنام لتصبح ما هي عليه حاليا. الآن تستمد ثورة الطلبة والشباب في الولايات المتحدة قوة عظيمة من الصمود الفلسطيني، حيث اكتشفت أن تحالف الجامعات مع شركات تتربح من الحرب، والتعاون بين الجامعات ومؤسسات مملوكة للوبي الصهيوني، من أهم عوامل فساد التعليم والديمقراطية، وأن الشعوب لا تتقدم بالحرب وإنما بالسلام، وأن الصهيونية التي تصور إسرائيل على أنها ضحية، يجب أن تعيش داخل حصن عسكري يؤهلها دائما لإخضاع جيرانها، هي عقيدة سياسية غير إنسانية، لا تسعى إلى تحرير اليهود وضمان أمنهم، بقدر ما تسعى إلى إبادة الفلسطينيين واغتصاب أرضهم. ما يجب أن يلفت انتباه المقاومة الفلسطينية في انقلاب الرأي العام العالمي ضد العقيدة الصهيونية هو أن شخصيات وقيادات يهودية هي التي تتصدر قيادة هذا الانقلاب بجرأة نادرة ووعي شديد بالقيم الإنسانية التي لا تقبل التجزئة أو التفريط فيها، مثل ناعومي كلاين وجوناثان غليزر. هذه الحقيقة تدعونا إلى تأمل ما فعلته المقاومة الفلسطينية بالعالم، وأن وحدة القيم الإنسانية لا تقبل التمييز بسبب الدين أو الجنس أو القومية أو اللغة أو الطبقة أو الانتماء السياسي، وأن التمييز في حد ذاته مرض يستوجب وحدة قوى الكفاح من أجل التحرر والسلام والديمقراطية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى