شؤون مكافحة الاٍرهاب

منير أديب: الإرهاب على هامش الكوارث الطبيعية

منير أديب 16-09-2023
تنمو جماعات العنف والتطرّف في ظلّ الكوارث الطبيعية، سواء من حيث إعادة ترتيب صفوفها، أو حتى في الانتشار والتمدّد، معتقدة أنّ سلطات الأمن في كل دولة تضربها كارثة طبيعية، تكون مشغولة في لملمة جراحها وتقديم الخدمات المطلوبة للمنكوبين في هذه الكارثة.
وبالتالي، تكون الكوارث الطبيعية فرصة ذهبية تستغلها الجماعات المتطرّفة في ممارسة نشاطاتها أو في استعادة هذا النشاط على الأقل، فهناك تنظيمات دينية تُحاول أن تُعيد إنتاج نفسها من خلال تقديم بعض الخدمات الإغاثية في ظلّ هذه الكوارث من باب غسل السمعة، ثم تعود إلى سيرتها الأولى، إما في ممارسة الإرهاب أو في دعم التنظيمات الأكثر تطرّفاً.
التنظيمات الإسلاموية تكون حاضرة في كل الكوارث الطبيعية، كمحاولة لاستغلال الإضطرابات الناتجة من هذه الكوارث وهو أمر متوقع، وبالتالي توظيف ذلك لصالحها، أو تقديم مساعدات إنسانية، حتى تبدو بوجهها الإنساني والخيري، وهنا ينكمش الوجه الجهادي أو العنيف لهذه التنظيمات حول الوجه الدعوي، وتروّج لنفسها على أنّها جماعات وطنية، تُساعد مؤسسات الحكومة ووزاراتها في تقديم الخدمات للمتضرّرين من الكارثة.
ما نرصده في هذا المقال، هو قراءة لسلوك هذه التنظيمات إزاء الكوارث الطبيعية، ومحاولة توظيف الواقع بكل ما فيه، من أجل ترسيخ الوجود الفعلي لها، وعدم لفت الانتباه لتحركاتها أو فهمها؛ فما تريده هو مزيد من الوجود والتجذّر داخل المجتمعات التي تتواجد فيها، وهنا تبدو الرؤية الاستشرافية لضرورة التعامل مع سلوك هذه التنظيمات المتوقع في كلا الدولتين المنكوبتين على الأقل في الوقت الحالي، المغرب وليبيا.
ثمة خصوصية تتمتع بها ليبيا وبخاصة مدينة درنة التي تعرّضت لإعصار دانيال، والذي أودى بحياة عدد ضخم من القتلى، ولا تزال الأعداد مرشحة بحسب التقديرات للارتفاع، وقد تصل إلى 20 ألف ضحية؛ فهذه المدينة واجهت الإرهاب على مدار أكثر من 6 سنوات كاملة، حتى نجحت بمساعدة الجيش الوطني الليبي في القضاء على تنظيمي “القاعدة” و”داعش” بداخلها، والتي أطلق عليها البعض اسم مدينة الصحابة، لأنّ بعض الصحابة دُفنوا فيها، منهم رويقع بن ثابت الأنصاري، فالفتح الإسلامي لليبيا تمّ في وقت مبكر في القرن الثالث الهجري.
عانت هذه المدينة المنكوبة من ظاهرة الإرهاب في تسعينات القرن الماضي، وقد واجه الزعيم الليبي السابق معمر القذافي، هذه الظاهرة حتى تمّ تطهير المدينة بأكملها، فعادت إليها مرّة ثانية على خلفية الفوضى التي أعقبت سقوط القذافي، واستغلتها هذه التنظيمات فنجحت في احتلال المدينة قرابة 6 سنوات كاملة.
استمرت المجموعات الإرهابية المتمركزة في المدينة تُهدّد أمن الليبيين والمصريين على حدّ سواء، فعشرات العمليات الإرهابية التي ضربت مصر كان مرتكزها جماعة “المرابطون” وزعيمها المصري هشام العشماوي، الضابط المفصول من القوات المسلحة، وما كان يلقاه من دعم من مجلس شورى مجاهدي درنة، والمقاتلين الذين توطنوا في هذه المدينة.
نكبة درنة في الماضي والحاضر، ويبدو أنّ أهلها كُتب عليهم البلاء، فهم الذين واجهوا هذه التنظيمات وعانوا من سطوة وجودها لسنوات، وضحّى الليبيون بالكثير من الشهداء في معارك تحرير مدينة الصحابة، وها هم يُقتلون في إعصار دانيال، ولا يزال البحر يقذف بجثث البعض منهم.
هذه المشاهد لم تكن بعيدة من عيون خلايا تنظيمي “القاعدة” و”داعش” والمجموعات التابعة لكل منهما، فهما لا يزالان يبحثان عن عودة تحمل بشارة النصر بعد هزيمة وانكسار، ولذلك الخطر الذي تمرّ فيه ليبيا الآن لا يقتصر فقط على الإعصار المدمّر ولكن على الإرهاب المتوحش، فضحايا الأخير أكبر بكثير من ضحايا أي إعصار مهما كانت شدّته؛ وهذه التنظيمات تبحث عن عودة جديدة إلى المدينة التي تبدو جديدة أو قديمة جداً بفعل الإعصار الذي ضربها.
وسط غيوم الكارثة الطبيعية لا تستطيع أن تستطلع تحرّكات بعينها حتى يكون الحكم، ولكن دائماً الروئ الاستشرافية، يحكمها الإدراك الحكيم والقراءة الدقيقة للواقع، وبالتالي تستطيع أن تتوقع المستقبل قبل أن تراه، بل دورك هو أن ترى هذا المستقبل رأي العين، تراه من خلال الاستشراف، وبالتالي تستعد له.
وهنا تبدو مهمّة ليبيا بأجهزتها الأمنية والسياسية، لا بدّ من أن تكون على قدر مواجهة الكارثة وتبعاتها، وعلى قدر قراءة المستقبل، قراءة دقيقة، ولا بدّ من أن تأخذ كل ما يُكتب في سياقه الطبيعي، وألاّ تهوّن من الواقع الذي تعيشه، كما فعلت مع كل التنبؤات الفلكية بخصوص إعصار دانيال، حتى تسبب في قتل الآلاف لمجرد أنّها قلّلت من حجم الحدث المتوقع.
يبدو أنّ الطبيعة تغضب أيضاً، ولعلّ غضبها ضرب دولة المغرب في زلزال راح ضحيته حتى كتابة هذه السطور قرابة ثلاثة آلاف مواطن تحت ركام الأبنية المتهالكة، هذه الكارثة لمدينة مغربية حيث كان مركز الزلازل في القرى الجبلية جنوبي مدينة مراكش القديمة، وهي المناطق النائية ذاتها التي كانت تسكنها بعض المجموعات الإرهابية أو تختبئ بين وديانها.
هذا المقال تضامني مع ضحايا الكارثتين، ويدعو إلى تسريع تقديم المساعدات للمتضرّرين، ولكنه في الوقت ذاته يُحذّر من ضحايا آخرين قد يكونون في المستقبل بفعل استثمار الخلايا الخاملة أو النشطة للمجموعات المتطرّفة، سواء في المدينة الليبية المنكوبة، درنة، أو في الطرق الجبلية الوعرة في مراكش القديمة في دولة المغرب.
وهنا لا بدّ من أن يكون هناك عمل دؤوب على مستويين، المستوى العاجل في تقديم المساعدات للمنكوبين ومحاولة البحث عن ناجين أو عالقين، وتقديم الخدمات العينية السريعة للمتضرّرين والخدمة الصحية للمصابين بطبيعة الحال، لكن في الوقت نفسه، لا بدّ من أن نتحرّك على مستوى آخر أمني، حتى لا تستخدم المجموعات المتطرّفة هذه الكوارث الطبيعية لصالحها، كما فعلت إزاء كل الكوارث الطبيعية التي ضربت المنطقة العربية في فترات سابقة.
وجود التنظيمات المتطرّفة في المنطقة العربية كارثي، فهي لتخليق الفوضى وصناعة الكارثة حتى تمارس نشاطها، أما وأنّ الكارثة حطّت وبشكل طبيعي، فهي تُحاول أن تستخدمها وتستثمرها لصالحها، وهذا ما نُحذّر منه أو على الأقل ندقّ ناقوس الخطر إزاءه، فالوضع في المغرب وليبيا لا يتحمّل مآسي جديدة، بخلاف الزلزال والإعصار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى