#شؤون مكافحة الاٍرهاب

رابحة سيف علام: مؤشر الإرهاب العالمي 2024: إرهاب أقل انتشاراً وأعمق أثراً

رابحة سيف علام * 25-3-2024: مؤشر الإرهاب العالمي 2024: إرهاب أقل انتشاراً وأعمق أثراً

رابحة سيف علام

صدر حديثاً عن معهد الاقتصاد والسلام التقرير السنوي لمؤشر الإرهاب العالمي الذي يتتبع سنوياً تطورات وانتشار وتأثير العمليات الإرهابية حول العالم منذ عام 2012[1]. جاء تقرير هذا العام حاملاً لعدد من التطورات اللافتة التي سيطرت على مشهد الإرهاب العالمي، كما كشف بشكل واضح عن عوار تصنيف هذا المؤشر للتنظيمات الإرهابية بما أثر على النتائج الرئيسية التي احتلت صدارة التقرير. ولعل أهم ما يباغت القاريء لهذا التقرير أنه يتبنى التصنيف الغربي وخاصة الأمريكي للتنظيمات الإرهابية، وبالتالي فإن الحدث الأهم الذي تم رصده في عام 2023 كان هجمات 7 أكتوبر. إذ أدرج المؤشر حركة حماس في المرتبة الثانية ضمن التنظيمات الإرهابية الفاعلة، وأدرج إسرائيل في المرتبة الثانية ضمن البلدان العشرة الأكثر تأثراً بالإرهاب خلال العام الماضي.

أبرز نتائج مؤشر الإرهاب العالمي خلال عام 2023

رصد التقرير هذا العام زيادة ملحوظة في تأثير العمليات الإرهابية حول العالم، حيث زاد عدد ضحايا الإرهاب بمعدل يصل إلى 22% ليكون العدد الإجمالي للضحايا 8352 ضحية، رغم أن عدد العمليات الإرهابية الإجمالية قد انخفض بنحو 23% ليكون 3350 هجوماً إرهابياً خلال عام 2023. وبالنظر إلى ارتفاع أعداد الضحايا مع انخفاض عدد العمليات الإرهابية، فإن هذا يشير إلى أن العمليات الإرهابية أصبحت أخطر وأكثر تركيزاً بحيث تنتج عدداً أكبر من الضحايا في عدد أقل من الاعتداءات. ولكن بصفة عامة، فإن نشاط العمليات الإرهابية حول العالم آخذ في الانخفاض بعد الذروة الكبيرة التي شهدتها سنوات 2015 إلى 2019 التي كانت الأعنف على الإطلاق. بينما شهد العام الأخير (2023) ملمح تركز العمليات الإرهابية في عدد أقل من الاعتداءات تسببت بعدد أكبر من الضحايا في مناطق مركزة من العالم على عكس الانتشار الكبير الذي شهدته سنوات الذروة.

ويعكس ذلك تكتيك التنظيمات الإرهابية في تركيز نشاطها بشكل فعال في مناطق بعينها بدلاً من تشتيت قدراتها على رقعة جغرافية واسعة. كما أن عدد التنظيمات الإرهابية الناشطة حول العالم قد انخفض بشكل ملحوظ إلى نحو 66 تنظيماً فقط بعد أن كان مثلاً في عام 2009 نحو 141 تنظيماً.

من جهة ثانية، انحسرت الاعتداءات الإرهابية بشكل ملحوظ في الدول الغربية، حيث نفذت نحو 23 عملية إرهابية فقط في الغرب بانخفاض يعادل نحو 55% خلال العام الأخير. بينما تركزت الاعتداءات الإرهابية بشكل ملحوظ في أقاليم بعينها وأبرزها: أفريقيا جنوب الصحراء، شمال أفريقيا والشرق الأوسط، بالإضافة إلى جنوب آسيا، حيث سقط في هذه الأقاليم 94% من ضحايا الاعتداءات الإرهابية التي وقعت خلال العام الأخير.

إذ استحوذت أفريقيا جنوب الصحراء وحدها على 59% من عدد ضحايا هذه الاعتداءات وخاصة بوركينافاسو ومالي والنيجر التي تواجه تحديات تعدد الانقلابات وضعف سلطة الدولة، ولذا أصبحت مسرحاً رئيسياً للاعتداءات الإرهابية بعد أن كان الشرق الأوسط مستحوذاً على هذا اللقب لسنوات طويلة.

شهدت الساحة العالمية للإرهاب خلال العام الماضي تلازماً وتعاوناً شديد الوضوح بين الإرهاب والجريمة المنظمة بما أدى إلى عبور حاجز الأيديولوجيا الإرهابية بهدف توليد الدخل للتنظيمات الإرهابية عبر بوابة الجريمة المنظمة. ومن ذلك مثلاً تعدد الهجمات الإرهابية على مناجم الذهب وتنفيذ عمليات الخطف مقابل الفدية وفرض الضرائب والإتاوات على طرق التجارة الشرعية وغير الشرعية وأيضاً توفير الحماية والنقل لعمليات تهريب السلع المختلفة مقابل إتاوات.

بينما أكد التقرير أن الهجمات الإرهابية ليست هي العامل الأكثر تسبباً بالقتل حول العالم، حيث تفوقه الصراعات المسلحة بنحو 9 أضعاف عدد القتلى وتتسبب جرائم القتل بنحو 45 ضعف عدد القتلي من العمليات الإرهابية، ويتسبب الانتحار بمقتل 75 ضعف ما تسببه الهجمات الإرهابية. ولكن مع ذلك يبقى للقتل عبر الهجمات الإرهابية أهميته الخاصة لما يتسبب به من تداعيات جيوسياسية واجتماعية ونفسية متعددة في محيط المجتمعات المتأثرة به.

التنظيمات الإرهابية الأنشط خلال عام

تناول المؤشر العالمي للإرهاب التنظيمات الإرهابية الأنشط حول العالم، وصنفها بحسب فعاليتها، بحيث احتل تنظيم “داعش” بفروعه المختلفة المرتبة الأولى مع الإشارة لأهمية فروعه في غرب أفريقيا وخراسان وسوريا والعراق. ثم جاءت حركة “حماس” التي صنفها المؤشر كحركة إرهابية في المرتبة الثانية، رغم أن المؤشر قد شرح بشكل من التفصيل طبيعة الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين وكيف تسبب عنف المستوطنين في وقوع عدد من القتلى هذا العام وخلال الأعوام الماضية، ولكنه لم يصفه بالعنف الإرهابي ولم يضع هجمات “حماس” في سياق مقاومة الاحتلال. وجاءت في المركز الثالث “جبهة نصرة الإسلام والمسلمين” العاملة في غرب أفريقيا وهي تحالف من عدة تنظيمات تتبع فكر تنظيم “القاعدة”، بينما احتلت حركة “الشباب” الصومالية المركز الرابع.

اعتبر التقرير أن تنظيم “داعش” مسئول عن 14% من كل الهجمات الإرهابية التي وقعت خلال العام الماضي، مرجحاً أن يكون العدد أكبر بكثير خاصة أن عدد العمليات التي لم يتم إعلان المسئولية عنها كبير وتقع في مناطق نشاط تنظيم “داعش”. ووفق هذه النسبة المئوية (14%) اعتبر التقرير أن نشاط تنظيم “داعش” قد انخفض بمعدل يصل إلى 35% وهو في أدنى مستويات نشاطه منذ الذورة التي كان قد وصل لها عام 2018. وفي ذلك توصيفات مرتبكة ومتناقضة من حيث رصد نسبة مئوية منخفضة بُنيت بالأساس على الإعلان الطوعي للمسئولية عن الهجمات الذي يفصح عنه تنظيم “داعش” ثم التشكيك في هذه النسبة وترجيح أنها أكبر كثيراً ثم الانتقال لوصف النشاط الإرهابي لـ”داعش” بأنه في طور الانحسار.

وفي كل الأحوال، كان تنظيم “داعش” مؤثراً خلال العام الماضي في سوريا بالأخص بنحو 224 هجوماً كان أبرزهم الهجوم على الكلية الحربية بحمص بطائرات مسيرة والذي أوقع نحو 89 من القتلى وأصاب المئات. بالإضافة إلى نشاط تنظيم “داعش” في بوركينافاسو، حيث كان الهجوم الأكثر دموية قد استهدف قواعد عسكرية في فبراير 2023 وأسفر عن مقتل 71 عسكرياً. كما ذكر التقرير الهجوم الانتحاري المزدوج الذي نفذه تنظيم “داعش” في إيران بمنطقة مرقد قاسم سليماني وأسفر عن مقتل 89 وإصابة المئات ولكنه كان قد وقع في يناير 2024 أي خارج الإطار الزمني الذي يرصده التقرير.

أفرد التقرير رصداً للاعتداء الأكثر دموية هذا العام وفق تصنيفه وهو هجمات 7 أكتوبر التي نفذتها “حماس”، حيث رصد أنه قد تسبب في مقتل 1209 في ضربة واحدة واعتبره “الاعتداء الإرهابي الأكثر دموية منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001”. تبنى التقرير بشكل مطلق الرواية الإسرائيلية لتفاصيل أحداث يوم 7 أكتوبر، معتبراً أن “حماس” مسئولة بالكامل عن مقتل هذا العدد الكبير من الضحايا دون أن يشير من قريب أو بعيد لما كشفت عنه الصحافة الإسرائيلية لاحقاً من تصريحات لقادة عسكريين أصدروا أوامر بقصف منازل داخل مستوطنات غلاف غزة لإنهاء أزمة اختطاف عناصر من حماس لعدد من الإسرائيليين بها[2]. بالإضافة إلى تقارير أخرى أشارت إلى أن أوامر القصف قد طالت قواعد عسكرية إسرائيلية ومنازل داخل المستوطنات يوم 7 أكتوبر والأيام التالية لإنهاء سيطرة حماس على هذه النقاط بقتل كل من فيها سواء كانوا من عناصر حماس أو عسكريين ومدنيين إسرائيليين[3]. ومن ثم فإن تجاهل هذه التقارير التي تم نشرها تباعاً منذ نهاية أكتوبر وحتى نهاية العام في الصحافة الإسرائيلية والعالمية قد أغفل فرضية أن قسماً كبيراً من هؤلاء القتلى قد سقطوا بقذائف إسرائيلية.

من جهة ثانية، أضاف التقرير في تعريف “حماس” أنها رغم كونها مصنفة كمنظمة إرهابية من جهات غربية كالولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي ولكنها لم تكن فاعلة كمنظمة إرهابية منذ 5 سنوات تقريباً ولم يذكر شيئاً عن كونها تتولى المهام الحكومية في قطاع غزة وفي ذلك مغالطة في التصنيف، خاصة أن التقرير قد استبعد “طالبان” من التنظيمات الإرهابية فور توليها الحكم في أفغانستان كما سنبين لاحقاً.

أما تنظيم “جبهة نصرة الإسلام والمسلمين” في منطقة الساحل جنوب الصحراء، فقد أشار التقرير إلى كونه مسئولاً للمرة الأولى عن سقوط أكثر من ألف ضحية منذ بداية نشاطه وتأسيسه عام 2017 من تنظيمات سلفية جهادية أبرزها “جماعة أنصار الدين” و”المرابطين” و”القاعدة في المغرب الإسلامي”. ينشط التنظيم في عدة دول مثل بوركينافاسو والنيجر ومالي وتشاد وموريتانيا، ولكنه يتمتع بحضور خاص في بوركينافاسو، حيث يقدر التقرير بأن نحو 40% من مساحة البلاد غير الخاضعة لسلطة الحكومة تقع على الأرجح تحت سلطة هذا التنظيم. وبالمثل فإن نحو 50% من هجمات هذا التنظيم وقعت في بوركينافاسو بينما وقعت 25% منها في مالي، بما يوحي بأن التنظيم يخطط لتوسيع نشاطه في دول الجوار في الفترة القادمة.

التنظيم الرابع الذي رصده التقرير هو تنظيم “الشباب” الصومالي الذي ينشط في شرق أفريقيا وينطلق بالأساس من مقديشيو منذ عام 2006. ويقدر التقرير قوام هذا التنظيم بنحو 7 إلى 9 آلاف مقاتل ويستهدف بالأساس قوات الاتحاد الأفريقي العاملة في حفظ السلام في هذه المنطقة، وقد شهدت عملياته طفرة ملحوظة مع استعداد قوات حفظ السلام للانسحاب قريباً، مما حدا بالصومال للتقدم بطلب للأمم المتحدة بمد فترة خدمة قوات حفظ السلام تحسباً لتدهور الوضع الأمني عقب انسحابها وملء هذا الفراغ من جانب “الشباب”. إلى جانب الصومال، ينفذ تنظيم “الشباب” هجمات إرهابية في كينيا ضد القوات الحكومية خاصة في المنطقة الحدودية مع الصومال بالإضافة للأهداف المدنية، وتتمثل بشكل أساسي بهجمات بالأسلحة النارية والمتفجرات.

قائمة الدول الأكثر تأثراً بالإرهاب

رصد المؤشر العالمي للإرهاب الدول العشرة الأكثر تأثراً بالهجمات الإرهابية حول العالم بحسب مقياس يزاوج بين عدد القتلى والمصابين وعدد العمليات ومرتبة الدولة في هذا المقياس خلال السنوات الخمس السابقة. وبالتالي وفق هذا المقياس خَلُص المؤشر العالمي إلى ترتيب ضم عشر دول كانت هي الأكثر تأثراً بالإرهاب خلال العام الماضي كالتالي:

1- بوركينافاسو، 2- إسرائيل، 3- مالي، 4- باكستان، 5- سوريا، 6- أفغانستان، 7- الصومال، 8- نيجيريا، 9- ميانمار، 10-النيجر.

يستعرض التقرير ظروف إدراج كل دولة من هذه الدول في المرتبة التي احتلتها من قائمة الدول العشر الأكثر تأثراً بالإرهاب، ويقدم نظرة سريعة على تطور هذا الترتيب منذ عام 2011. جاءت بوركينافاسو في المركز الأول بعد أن حافظت على مرتبة متقدمة في هذا التصنيف خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة. ويعزو التقرير ذلك إلى تأثرها بعاملين معاً، الصراع المسلح والإرهاب وليس عامل الإرهاب وحده، فالبلاد تشهد صراعاً بين القوات الحكومية والإرهابيين، وهؤلاء ينقسمون فيما بينهم بين موالين لتنظيم “جبهة نصرة الإسلام والمسلمين” وبين تنظيم “داعش”. كما أن سلطة القوات الحكومة المتراخية قد أدت إلى تغلغل النشاط الإرهابي خاصة في الأقاليم الحدودية المحاذية لمالي والنيجر، بما ينذر بالمزيد من التصعيد والانتشار في النشاط الإرهابي فيها وفي دول الجوار، مما جعل مالي تحتل الترتيب الثالث والنيجر في الترتيب العاشر لهذه القائمة. ويبدو تقدم مالي للمركز الثالث هذا العام بعد أن كانت في المركز الرابع العام السابق منطقياً، كما احتفظت النيجر بالمركز العاشر للعام الثاني على التوالي. ويعتبر التقرير أن انتشار الإرهاب في مالي منشأه الأساسي عدم استقرار الحكم المدني وتكرار الانقلابات ورحيل القوات الفرنسية والأممية العاملة فيها لمكافحة الإرهاب، وكان العداء لهذه القوات الوقود الأساسي للتجنيد من جانب التنظيمات الإرهابية وخاصة “جبهة نصرة الإسلام والمسلمين”.

بينما يرصد التقرير إسرائيل في المرتبة الثانية للدول الأكثر تضرراً من الإرهاب استناداً على هجمات “حماس” يوم 7 أكتوبر 2023، رغم أن إسرائيل نفسها كانت في المركز السادس والعشرين العام الماضي وتراوح مركزها بين 31 و35 خلال الأعوام الخمس الأخيرة، مما يطرح إشكالية كبيرة حول تصنيف هجوم “حماس” ورصده خارج سياق الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين، خاصة أنه كان قد تم تنفيذه بالتسيق مع تنظيمات مسلحة فلسطينية أخرى بخلاف “حماس” و”الجهاد الإسلامي”. ووصف التقرير الهجوم بالتفصيل وما أسفر عنه من مقتل نحو 1200 وخطف 250 من الرهائن الإسرائيليين وما استتبعه ذلك من حرب إسرائيلية موسعة على غزة أدت إلى حصارها ومنع دخول الماء والغذاء والوقود إليها وصولاً إلى قتل نحو 25 ألفاً بينهم 16 ألفاً على الأقل من النساء والأطفال – حتى يناير 2024 بحسب ما رصد التقرير. واللافت أن التقرير قد رصد نحو 3000 حادثة عنف بين المستوطنين الاسرائيليين والفلسطينيين في عام 2022، بينما رصد مقتل نحو 40 ضحية بسبب عنف المستوطنين خلال 2023 قبل وقوع هجمات 7 أكتوبر. وأشار التقرير أيضاً إلى المطالبات الدولية بوقف إطلاق النار في غزة لما ترتب على الحرب الإسرائيلية من ضحايا بالآلاف والوصول لعتبة المجاعة بين السكان المدنيين. بينما حذر من إمكانية إتساع الصراع خاصة بدخول فاعلين آخرين كـ”حزب الله” في لبنان و”الحوثيين” في اليمن، فضلاً عن انتشار الهجمات الإرهابية ضد مصالح الدول التي تدعم إسرائيل في هذه الحرب.

جاءت باكستان في المركز الرابع بعد أن كانت في المركز السابع العام الماضي، ويعزو التقرير تقدم باكستان في ترتيب هذا المؤشر إلى تصاعد الهجمات الإرهابية وخاصة في أقاليمها الحدودية مثل بلوشستان وخيبر منذ صعود “طالبان” إلى حكم أفغانستان. إذ تسبب تنظيم “طالبان باكستان” بمقتل نحو 42% من ضحايا الهجمات الإرهابية في البلاد خلال عام 2023. ورغم ذلك، فإن أفغانستان نفسها تأتي في المركز السادس في ترتيب هذا المؤشر بعد أن كانت تحتل المرتبة الأولى على مدار السنوات الأربعة السابقة وقبلها كانت إما الثانية أو الثالثة أو الرابعة خلال السنوات الثمانية الأسبق. وقد جاء هذا التراجع الكبير في الترتيب ليس بسبب انخفاض عدد الهجمات على أراضيها ولكن بسبب تحول صفة تنظيم “طالبان أفغانستان” من تنظيم إرهابي يمكن رصد هجماته ضمن هذا المؤشر إلى جهة حاكمة لها صفة رسمية وبالتالي فإن الاعتداءات التي ترتكبها تصنف كأعمال قمعية رسمية وليست كاعتداءات إرهابية.

وهنا، يبدو عوار هذا المؤشر في تصنيف الاعتداءات بحسب من يرتكبها وإن كان جهة رسمية حكومية أم لا، في حين أن إسرائيل قد قفزت للمرتبة الثانية في قائمة الدول الأكثر تأثراً بالإرهاب بسبب هجمات “حماس” دون أن تتم الإشارة إلى كون “حماس” تعتبر جهة حكومية رسمية في قطاع غزة. بينما رصد التقرير مقتل نحو 1200 من الإسرائيليين كضحايا لهجمات إرهابية ولكن عندما ذكر ضحايا الحرب الإسرائيلية على غزة (وكانوا حينها نحو 25 ألفاً فقط) فإنه اعتبرهم ضحايا قُتلوا نتيجة للهجوم الإسرائيلي المضاد على غزة بهدف تفكيك “حماس” والقضاء على قدراتها العسكرية والحكومية. ولم يضع التقرير لهؤلاء الضحايا أي توصيف كالإبادة الجماعية أو غيرها من المسميات، حيث أغفل بالكامل مسألة اتهام إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بارتكاب إبادة جماعية في غزة.

احتفظت سوريا بالمركز الخامس هذا العام أيضاً بعد كانت في الأعوام الأربعة الماضية إما في الخامس أو السادس وفق هذا المؤشر، إذ تصاعدت هجمات تنظيم “داعش” على أراضيها. بينما خرجت العراق للمرة الأولى من قائمة الدول العشر الأكثر تأثراً بالإرهاب بعد أن كانت دائماً ضمن هذه القائمة منذ بداية صدور المؤشر في 2012، حيث انخفض فيها عدد قتلى الإرهاب بنحو 65% خلال عام 2023. وقد ارتفعت وتيرة العمليات الإرهابية بسوريا بنحو 22% وتسبب تنظيم “داعش” في 70% من هذه الهجمات إذ وقع معظمها في الأقاليم المحاذية للعراق خاصة حمص ودير الزور.

بينما جاءت الصومال في المركز السابع بعد تراجع النشاط الإرهابي فيها على نحو ملحوظ خاصة أنها كانت تحتل المرتبة الثالثة خلال الأعوام الست السابقة على عام 2023، حيث انخفضت الهجمات الإرهابية فيها خلال العام الأخير بنحو 43%. ويعزو التقرير هذا الانخفاض إلى تضافر جهود الحكومة الصومالية والأمم المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية في دعم القوات الأفريقية لحفظ السلام والتي نجحت في استعادة عدد من الأقاليم التي كانت واقعة تحت سلطة تنظيم “الشباب” لعدة عقود. بينما طلبت الحكومة الصومالية تأخير موعد انسحاب القوات الإفريقية لتدعيم الوضع الأمني ومنع تدهوره بعد انسحابها.

بينما جاءت نيجيريا في المركز الثامن بارتفاع عدد ضحايا العمليات الإرهابية بنحو 34% خلال عام. وتأتي هذه الزيادة بسبب احتدام الصراع بين تنظيم “داعش” في غرب إفريقيا وتنظيم “بوكو حرام” وهو الأقدم في النشاط في البلاد منذ سنوات. ورغم ذلك، فإن تنظيم “داعش” وحده مسئول عن 53% من عدد ضحايا العمليات الإرهابية في نيجيريا لهذا العام، ولذا فهو التنظيم الأقوى ولكنه لايزال يجد منافسة شرسة من “بوكو حرام” الذي شهد في 2023 نشاطاً كبيراً بعد انحسار نشاطه لفترة عقب مقتل قائده في 2021.

وقد احتفظت ميانمار بالمركز التاسع في ترتيب المؤشر رغم انخفاض حدة الهجمات الإرهابية فيها بنحو 50% لهذا العام، وكانت في 2021 في المركز العاشر وقبلهما في مراكز متأخرة مثل 24. ويذكر التقرير أن الهجمات الإرهابية في ميانمار تستهدف القوات والشخصيات الحكومية وتأتي في إطار صراع سياسي مسلح على السلطة ولكن الاعتداءات المضادة التي تمارسها حكومة ميانمار لا تذكر ضمن الهجمات التي يرصدها هذا المؤشر لأنها تقع من جانب جهة حكومية.

ختاماً، لاشك أن مؤشر الإرهاب العالمي هو المؤشر الأكثر مصداقية حول النشاط الإرهابي العالمي وقد أثبت جدارة وموضوعية خلال أكثر من عشر سنوات في تكوين قاعدة بيانات شاملة ورصد تطورات الإرهاب حول العالم. ولكن تصنيف الإرهاب يخضع كغيره من التعريفات المختلفة لهذا المفهوم لاعتبارات سياسية لا يمكن إنكارها، مما جعل تقرير هذا العام ينحاز بالكامل للرواية الإسرائيلية التي شبّهت هجمات 7 أكتوبر بهجمات 11 سبتمبر. ولكن هذه الرواية تغفل بشكل ملحوظ السياق العام للصراع بين إسرائيل والفلسطينيين طوال العقود الماضية، كما تغفل أيضاً حق الفلسطينيين في المقاومة المسلحة ضد الاحتلال وحقهم في تقرير مصيرهم وإعلان دولتهم فضلاً عن حق مدنييهم في الحماية أثناء الصراع المسلح، مما يضيف الكثير من الوجاهة للمقولة الشهيرة “المقاتل من أجل الحرية في نظر البعض هو إرهابي في نظر البعض الآخر”.

[1] يمكنكم الإطلاع على التقرير كاملاً على الرابط التالي: https://www.economicsandpeace.org/wp-content/uploads/2024/02/GTI-2024-web-290224.pdf

[2] Michael Bachner, “IDF recounts ordering tank fire on Be’eri home during hostage standoff on October 7”, Times of Israel, 23 December 2023, https://www.timesofisrael.com/liveblog_entry/idf-officer-recounts-ordering-tank-fire-on-beeri-home-during-hostage-standoff-on-oct-7/

[3] “New Evidence that IDF shelled Israeli citizens on Oct. 7 killing over a hundred”, Middle East Observer, 29 October 2023, https://middleeastobserver.org/2023/10/29/new-evidence-that-idf-shelled-israeli-citizens-on-oct-7-killing-over-a-hundred/

 

*خبيرة – مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى