ترجمات أجنبية

ستراتفور – الانتعاش الاقتصادي في الصين يضرب سور الصين

مركز «ستراتفور» للدراسات الإستراتيجية والأمنية الأمريكي –  7/1/2022

اقتصاد الصين يواجه عقبات كبيرة في عام 2022، تشمل التفشي المتكرر لكوفيد-19، وضعف الطلب المحلي، والقيود المفروضة على نموذج الاستثمار الذي تقوده الدولة؛ وهذا من شأنه أن يجبر بكين على توفير الحوافز من خلال زيادة الاستثمار في البنية التحتية الحكومية والشركات المملوكة للدولة، وتخفيف حملتها لتقليل المديونية المالية والتدخل في سوق الصرف الأجنبي، وهو ما قد يؤدي إلى تباطؤ الإصلاحات الاقتصادية، وتراجع الناتج المحتمل في الأمد البعيد.

وبينما يبدأ الرئيس الصيني، شي جين بينج، ولايته الثالثة بوصفه أمينًا عامًّا للحزب الشيوعي الصيني ورئيسًا للدولة، فإن الاستقرار السياسي سيعتمد على تحقيق الحكومة للنمو المستمر، وقد يكون أحد نتائج تباطؤ النمو في الصين هو احتمالية تحدي العقد الاجتماعي الذي يوفر فيه الحزب الشيوعي الصيني الرخاء الاقتصادي للمواطنين الصينيين في مقابل الشرعية السياسية.

الصين ربما حققت هدف النمو المتمثل في زيادة الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تتجاوز 6% في عام 2021، ولكنها ربما ضحَّت بالنمو الطويل الأجل من خلال الاعتماد على المحركات التقليدية للتصنيع الموجَّه من الدولة من أجل التصدير والاستثمار في البنية التحتية.

 وتباطأ النمو كثيرًا بدءًا من الربع الثالث من عام 2020 بعد انتعاشه في الربع الثاني من انخفاض بنسبة 6.8% (على أساس سنوي) في الربع، بيد أن الزيادة الفصلية التي بلغت 10% أفسحت المجال أمام ما يبدو نموًّا سنويًّا مثيرًا للإعجاب، ولكن في واقع الأمر، كانت نتائج ربع سنوية ضعيفة، مع نمو في الربع الثالث بنسبة 0.2% فقط.

وبناء على ذلك، أعلنت الحكومة الصينية عن خطة مدينة مزدوجة بقيمة 314 مليار دولار لتمويل 160 مشروعًا في منطقة تشنجدو وتشونجتشينج الاقتصادية في 15 ديسمبر (كانون الأول)، مما يشير إلى أن الصين لا تزال تعتمد على الاستثمار في البنية التحتية الموجَّه من الدولة، والذي كان يمثل حافزًا كبيرًا للنمو عقودًا، وكان صافي الصادرات هو المحرك الأقوى للنمو مع ارتفاع الطلب في الخارج، حتى في مواجهة قيود العرض.

وربما يكون الاقتصاد الصيني قد تباطأ أكثر في الربع الرابع، وقد كان صافي الصادرات هو النقطة المشرقة في فئات إنفاق الناتج المحلي الإجمالي، إذ ارتفعت قيمة الصادرات بنسبة 21.4% (على أساس سنوي) في نوفمبر (تشرين الثاني)، مسجلًا نموًّا مزدوج الرقم للشهر الرابع عشر على التوالي، ولكنه أيضًا سجل تباطؤًا من نمو 27.1% في أكتوبر (تشرين الأول). 

العقبات الاقتصادية تشمل عدم تسامح بكين مطلقًا مع تفشي كوفيد-19، والذي أدَّى إلى عمليات إغلاق محلية وخفض الاستهلاك، وكذلك القيود المفروضة على الإقراض لشركات التنمية الخاصة، وهو ما يؤخر الاستثمار الخاص ويؤدي إلى انخفاض عائدات الأقاليم، ومواجهة الحكومات الإقليمية والمحلية لمصاعب زيادة الإيرادات، والحملات التنظيمية على عديد من قطاعات الاقتصاد الصيني، التي أدَّت إلى زيادة حالة عدم اليقين؛ مما قلل من طلب القطاع الخاص واستثماراته.

لقد طال تأخر تقليص المديونية في الاستثمار والبناء العقاري، بيد أنه لا يزال القطاع يمثل ما بين 25 و30% من الناتج المحلي الإجمالي للصين. وانخفض الاستثمار العقاري بنسبة 5.4% (على أساس سنوي) في أكتوبر، وكذلك انخفضت مبيعات الأراضي بنسبة 13.1% (على أساس سنوي) في أكتوبر وانخفضت بنسبة 11.2% (على أساس شهري) من سبتمبر، مما أثر في الاستثمار في الأصول الثابتة.

وفي حين تسبَّبت السياسة المتَّبعة في كثير من الانكماش الاقتصادي، تؤكد القيادة الصينية الآن التوسُّع الاقتصادي على حساب احتمال ارتفاع التضخم. ويمكن أن يؤدي تطبيق إستراتيجيات «الرخاء المشترك» و«التداول المزدوج»، التي تؤكد قدرًا أكبرًا من الاعتماد على الذات، إلى أهداف متضاربة لصانعي السياسة في الصين، في ظل اقتصاد اشتراكي موجَّه رسميًّا وتقوده الدولة في الأساس، مما يؤدي إلى استبعاد الابتكارات والتنمية الخاصة بالقطاع الخاص.

وقد شدَّد اجتماع مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي السنوي الذي انتهى في 10 ديسمبر على «ضمان استقرار» الاقتصاد الصيني في عام 2022 وسط تهديد ثلاثي يتمثل في «انكماش الطلب وصدمات العرض وضعف التوقعات» إلى جانب بيئة دولية صعبة.

الصين، وعلى النقيض من سياسات التحفيز الشرسة في فترات الانكماش الاقتصادي السابقة، ستتبنَّى هذه المرة نهجًا أكثر حذرًا، وتختار التيسير المستهدف للسياسة الاقتصادية بدلًا من فتح أبواب الائتمان لدفع الاستثمار الذي يغذيه الديون. وسيصبح تسامح القيادة مع تباطؤ الاقتصاد واضحًا تمامًا خلال جلسة المؤتمر الشعبي الوطني في مارس، إذ يُتوقع أن يعلن المشرعون الصينيون هدف نمو لعام 2022 بنسبة 5-6%.

ويُعتقد أن عجز القطاع العام المتزايد في الصين، والذي يشمل الإنفاق الإقليمي، قد انخفض قليلًا في عام 2021؛ مما يشير إلى أن بكين تحاول أن تكون أكثر تمييزًا في اختيار المشروعات والسيطرة على الاقتراض الإقليمي، وفي الوقت نفسه، تمدد الحكومة المواعيد النهائية لدفع الضرائب من الشركات الصغيرة، والتي تمثل 60% من الناتج المحلي الإجمالي و80% من العمالة، كما تشجع بكين البنوك على تقديم ائتمان أرخص. 

وتضمنت السياسة النقدية تخفيف القيود على قروض الرهن العقاري، وكذلك أضاف بنك الصين الشعبي سيولة إلى النظام المالي من خلال عمليات السوق المفتوحة، إلى جانب تخفيضَيْن في نسبة الاحتياطي المطلوبة للبنوك بمقدار 50 نقطة أساس لكل منهما وخفض طفيف في سعر الفائدة الأساسي للقرض لمدة عام واحد بمقدار 5 نقاط أساس.

ويضع بنك الشعب الصيني الإصلاح اليومي لسعر الصرف عند مستويات أقل باستمرار مما تتوقعه الأسواق بناءً على التحركات في السلة الأساسية التي تقدر عملة الصين على أساسها، من بين خطوات أخرى لإبطاء ارتفاع القيمة الذي يحدث على الرغم من التباطؤ الاقتصادي، مع استمرار التدفقات القوية لرأس المال إلى الصين من فائض الحساب الجاري في ميزان المدفوعات وارتفاع قيمة الأسهم الصينية.

مخاطر النظام المالي

ويتوقع أن تشمل المخاطر الرئيسة التي تواجه الاقتصاد الصيني في الأشهر المقبلة النظام المالي الذي لا يزال معرضًا لتخلف مجموعة التطوير العقاري العملاقة «إيفرجراند جروب» عن السداد، وفقاعات الأصول التي قد تنفجر، والاعتماد الكبير على تشييد البنية التحتية والصادرات من أجل النمو. 

وأدَّى تخلف مجموعة «إيفرجراند جروب» البطيء عن السداد، مع ديون بقيمة 300 مليار دولار، إلى تأخر السداد أو إصدار سندات دين لشركات صغيرة، وبالنظر إلى أن شبكة المجموعة المعقدة من التمويل والالتزامات الطارئة لا تزال غير معروفة، فلا تزال هناك إمكانية لتدخل الدولة لإنقاذ النظام المالي.

تضخم أسعار المنتجين لم ينعكس بالكامل على أسعار المستهلك (على الأرجح بسبب ضعف طلب المستهلك)، مما يؤثر في هوامش الربح التي يمكن أن تظهر في تباطؤ التوظيف والاستثمار. ولم يستبعد التقرير إمكانية تضخم أسعار العقارات والأصول المالية المرتفعة أكثر، الأمر الذي من شأنه أن ينال من الأهداف الطويلة الأجل المتمثلة في خفض الديون وتطهير الاقتصاد من سلوك المضاربة. 

الاعتماد على تشييد البنية التحتية بوصفها مصدرًا للنمو النوعي، خاصة إذا كانت ممولة بالديون، قد يكون وصل إلى حده الأقصى مع تناقص العائد على هذه الاستثمارات، ولم تحسن الصين كفاءتها الرأسمالية منذ أكثر من عقد، مع انخفاض إجمالي إنتاجية عوامل الإنتاج مع زيادة كبيرة في حجم الاستثمار المطلوب لإنتاج القدر نفسه من الناتج المحلي الإجمالي (نسبة رأس المال التراكمي إلى الإنتاج)، وهذا وحده يقلل من إنتاج الصين المحتمل.

مصدر آخر للمخاطر يتمثل في تركيز الصين المتجدد على الشركات المملوكة للدولة بدرجة أكبر من تركيزها على شركات القطاع الخاص، بما في ذلك في الإقراض المصرفي، وهذا يخاطر بتحويل النمو من الشركات الأكثر ديناميكية إلى الشركات الأكثر صرامة والموجَّهة من الدولة في الأجزاء التقليدية من الاقتصاد. 

وقدرت دراسة لصندوق النقد الدولي صدرت عام 2021 أن الشركات الصينية التي يمتلك المستثمرون الحكوميون فيها حصة أغلبية كانت أقل كفاءة بنسبة 30% من نظرائها من شركات القطاع الخاص، وأن العائد على أصول الشركات المملوكة للدولة كان ثلث عائد الشركات الخاصة.

إن الاعتماد على الصادرات بوصفها مصدرًا أساسيًّا للنمو ليس مستدامًا، ذلك أن الصين تواجه منافسة اقتصادية أكبر من الخارج، وأزالت عمليات الإغلاق في دول جنوب شرق آسيا أثناء الجائحة البدائل للصادرات الصينية، ولكن مع ارتفاع قيمة العملة الصينية مقابل الدولار الأمريكي، فإن إعادة فتح هذه البلدان المجاورة ستجعل السلع الصينية أقل تنافسية، وفي غياب تغيير في الأساسيات الاقتصادية، بما في ذلك التجارة الأصغر وفوائض الحساب الجاري، ستستمر الصين في جذب رأس المال الأجنبي، مما سيزيد من ارتفاع سعر الصرف.

  ChinaEconomic Recovery Hits a Great Wall 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى