منوعات

بكر أبوبكر: ثقافة الاستماع تكرّس الثقة

بكر أبوبكر 2023-04-12ثقافة الاستماع تكرّس الثقة

تحدثنا عن الاهتمام كأول نقطة في اكتساب القائد لثقة الجماعة أو التنظيم، وعرضنا النقطة الثانية حيث التعاطف مع الآخرين، ومشاعرهم، ثم الاشادة بالأعضاء وشكرهم أو مدحهم علنًا. وناقشنا فكرة ذكر وتقديم من يستحقون بالاسم، ونسب الفضل لأصحابه وعدم سرقته، ثم تعرضنا لضرورة مصداقية العضو والقائد، والاعتمادية، وهنا نتحدث عن حُسن الاتصال والاستماع

حُسن الاتصال، والاستماع ومراقبة الاستجابة:

يصف عالم الأعصاب “ماثيو ليبرمان” الاتصال البشري بأنه قوة عظمى.

حيث تفيدُ قوةُ الاتصال المؤسسةَ من خلال تحسين مشاركة الأعضاء والمواءمة الاستراتيجية وجودة القرارات والابتكار وخفّة الحركة والقدرة على التكيف. وتعزز الأداء والميزة التنافسية.

يذكر الكاتب “مايكل لي ستالارد” عن الاتصال والتوتر والضغوطات وعن كتابه بهذا الشأن قائلًا: “نحن نعلم أن التواصل الاجتماعي الأكبر يجعلنا أكثر مرونة في التعامل مع التوتر.

ونعلم أيضًا أن عجز الاتصال يؤثر سلبًا على صحتنا وسعادتنا. وعلى صحة المنظمات وصحة المجتمع. لقد لاحظت كيف تهدّد وتيرة الحياة المتزايدة والمتسارعة وضغوط الحياة على تضييق الوقت على العلاقات للحصول على الدعم. والآن لدينا عوامل متقاربة – الإجهاد العالي ، وباء الوحدة الحالي ، وزيادة العزلة الاجتماعية عن جائحة COVID-19 – تجعل تعزيز الاتصال مسألة أكثر إلحاحًا.”

ويضيف “ستالارد” قائلًا: “هناك أسباب للاعتقاد بأن هذه الظروف قد تستمر لبعض الوقت، وللأسف، قد تزداد سوءًا قبل أن تتحسن. لكني ما زلت متفائلاً بأننا نستطيع أن نكافح ونتغلب على العديد منها. من خلال إظهار الناس للحاجة إلى أن يكونوا في ثقافات التواصل، وكيف يمكنهم تنمية الاتصال في دوائر التأثير أو القيادة ، سيساعدهم هذا الكتاب (كتابه المعنون: ثقافة التواصل)على التعامل بشكل جيد مع التوتر، وحماية صحتهم العاطفية والجسدية ، وإعدادهم لتقديم أفضل ما لديهم الأداء في عملهم حتى يتمكنوا من اجتياز الصعوبات ويكونوا في وضع جيد يسمح لهم بالازدهار لفترة طويلة من الزمن”.

كلنا يعلم أن الاتصال حالة تبادلية انعكاسية بين طرفين مشاركين ينقل أحدهما الفكرة أو الشعور أو غيره للآخرأو الآخرين، عبر وسيط ناقل سواء كان الهواء باللقاء المباشرالوجاهي، أو بالشكل المكتوب أوالمرئي أو المسموع، أو عبر لغة الجسد مع الكلام أو بدونه، بقصد الحصول على استجابة ما، وتعتبر حالة الاستماع والاستجابة أو ما يسمونها إرجاع الأثر من أبرز المكونات في العملية البشرية هذه أي الاتصال التي تستغرق أكثر من 90% من وقتنا.

تظهر البحوث أن القادة يقضون أكثر من 75% من وقتهم في التواصل، والقادة المتميزين يبتكرون مهارات اتصال فريدة من نوعها كجزء من الممارسات القيادية الشخصية للارتقاء بالعمل.

وعن الاتصال يقفز دوما فن الحديث مع الآخرين أو أمام الآخرين الذي ألّفنا به كتابًا خاصًا تحت عنوان:فن الحديث، في الخطاب المؤثر والأسلوب الجذاب، وقال فيه الكاتب محمد قاروط أبورحمه أنه “كتاب مرجعي، وكتاب تثقيفي، فهو مليء بالحكم والأمثال والتجارب. و كتاب تعليمي تدريبي في موضوعه، فهوغني بالأساليب المتنوعة للتحدث والخطابة، ويقدم تمارين في الصوت ولغة الجسد، وكيفية تحضير ما تريد التحدث به.”

لكن سنركز هنا على الإصغاء أو حُسن الاستماع لأن الاستماع الفعال عامل مهم جدًا في جودة التواصل وبناء العلاقات لا سيما أن الدراسات تقول أن الانسان العادي يقضي بالاستماع 3 أمثال ما يستغرقه بالقراءة.

وعليه فنحن حين ننظرالتعريفات اللغوية، للاستماع، والإنصات، والإصغاء، كما يقول الكاتب محمد أبورحمه فأن: “الاستماع هو إدراك ما يقولـه المتحدث بحاسة السمع، وهي الأذن. أما الإنصات فهو السكوت للاستماع للمتحدث، وورد في سورة الأعراف الآية 7 “وإذا قرأ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا “.

ويلاحظ أن الإنصات يتطلب من المُنصِت تركيزاً أكثرعلى ما يُقال، حيث أن الفرد يمكنه الاستماع لأكثر من مُتحدّث، ويمكنه الاستماع وهو يتحدث أو شارد الذهن، أوأن يكون فكره مشغولاً بأمورغير تلك التي يسمعها.

ويشترك الاستماع والإنصات بإمكانية تحقيقهما دون مشاهدة المتحدث. فيمكن أن نستمع إلى المذياع (الراديو)، وننصت له أو أن نستمع إلى متحدث في غرفة مجاورة.

ويضيف أبورحمه قائلاً: “أما الإصغاء فهو الاستماع (للمتحدث) وله، أي استمع له وإليه، فالاستماع له بحاسة الأذن، أما الاستماع إليه فهو في حاسة العين لأن العين تنقل للمصغي التعبيرات التي يرغب المتحدث بالإدلاء بها عن طريق حركاته التعبيرية، بالوجه أوالأطراف الخ”.

دعنا نقول إن حُسن الاستماع أوالاصغاء خصيصة أساسية في القائد الموقّر والمؤثر. إنه حين يتلهي بالحديث مع آخر وأنت تتحدث معه، أو حين يعبث بالاوراق أو يتكلم بالهاتف فكيف بالله عليك تستطيع أن ترى منه اهتمامًا لتضع ثقتك به. أو حين لا يرمقك ولو بنظرة، أو إشارة وإنما يغمغم بالكلام غير المفهوم.

إن القائد الجيد هو قائدٌ حَسَن التواصل مع الآخرين.

والشخص أو الكادر أو القائد حَسَن الاستماع والاصغاء يضع كل نظرِهِ ويركّز أسماعه فيما يقوله الآخر (وفي ذلك مهارة قابلة للتعلم).

إنه يحترم ليُحترم.

فلا يتلهى بالأوراق المكدسة أمامه، أو بالنظر الى ساعته أو الى السقف، كما لا يتلهى بالحديث بالهاتف، أو مشاهدته متجاهلًا إياك، أو بالكلام بعيدًا عنك، ولا ينجرف بالأدوات ولا بأفكاره الداخلية فتزوغ عيناه.

حضرت اجتماعًا مع أحد القادة المتسلطين والمغترّين بأنفسهم كثيرًا فبدأ بعرض بطولاته السياسية، ثم طلب الحديث فما كان من المتملقين إلا الإشادة بالرجل دون ذكر مبرر ذلك؟! الى أن جاء دور أحد أصحاب الرأي فتحدث، فما كان من المغترّبذاته الا أن صرخ بوجهه لماذا ترفع صوتك؟ وهو لم يكن كذلك؟

فقال له أنني أتحدث هكذا وهذا صوتي ولست أرفعه بوجهك فما كان منه الا أن قال له هازئًا بوضوح: تفضل، وماذا أصلًا ستأتي بأفضل مما قلته أنا.

هذا القائد المتكبر والمتسلط والمستقبح لرأي غيره مسبقًا آثر الهجوم على غيره بلا أي رغبة للاستماع له!؟ وكيف يستمع له وسيل المدائح تحفّ به من كل جانب!؟

يقول “ديل كارنيجي” في كتابه الشهير: “كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس”، في الفصل الرابع الذي عنوانه: “لكي تصبحَ محدِّثاً بارعاً”: “إذا أردتَ أن يحبَّك الناس: كنْ مستمعاً جيّداً، وشجِّع محدّثك على الكلام عن نفسه”.

القائد يتواصل ويستمع بمعنى الإصغاء جيدًا، ويحاور ويطلب الرأي والاستجابة ورد الفعل من الآخرين ومن هنا تبنى الثقة وتكبُر.

يقول الشاعر ابن الرومي:

مَنْ لي بإنسانٍ إذا خاصمتُه /وجهلت كان الحِلمُ ردَّ جوابِهِ

وإذا صبوتُ إلى المُدام شربتُ مِن/أخلاقِه، وسكرتُ من آدابهِ

وتَراه يُصغي للحديث بسمْعِه / وبقلبِه، ولعلَّه أدرى به!!

 

هامش:

Connection Culture: The Competitive Advantage of Shared Identity, Empathy, and Understanding at Work, Second Edition مايكل لي ستالارد هو صاحب كتاب. ثقافة الاتصال: الميزة التنافسية للهوية المشتركة والتعاطف والتفاهم في العمل ، الإصدار الثاني (مطبعة ATD سبتمبر 2020) ، يقدم بعض النصائح حول كيفية تطوير القادة لعادات السلوك واللغة والسلوك التي تعزز ثقافة الاتصال في حياتهم. المنظمات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى