ترجمات أجنبية

اورينت 21: فلسطين إسرائيل: خطّ مستقيم من الاحتلال إلى الفصل العنصري

اورينت 21، بقلم  ألان غريش 3-5-2023: فلسطين إسرائيل: خطّ مستقيم من الاحتلال إلى الفصل العنصري

فصل عنصري؟ كيف تجرؤون؟ حتى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أدان “إساءة استخدام المصطلحات المشحونة تاريخيًا والمشينة لوصف دولة إسرائيل”. من جهته، لم يتمتّع البرلمان الإسرائيلي بحياء بعض المسؤولين الفرنسيين عندما أيّد علنًا الفصل العنصري بتبنّيه قانونًا أساسيًّا ذا قيمة دستورية في 19 يوليو/تموز 2018، بعنوان “إسرائيل باعتبارها دولة قومية للشعب اليهودي”، والذي تنص المادة الأولى منه بوضوح وجرأة على أن “ممارسة حق تقرير المصير القومي في دولة إسرائيل تقتصر على الشعب اليهودي”، وهو حق يُحرم منه الفلسطينيون الذين يعيشون على نفس الأرض، لكنه متاح ليهود يعيشون في الأرجنتين أو أوكرانيا. كما ينص برنامج حكومة بنيامين نتنياهو على أن الشعب اليهودي “له حق ثابت وحصري في كل شبر من أرض إسرائيل”، وأنه سيطوّر الاستيطان في “الجليل والنقب، والجولان، ويهودا والسامرة”.

إذا كان قبول واقع وجود فصل عنصري في إسرائيل، والذي تدينه العديد من منظمات حقوق الإنسان، أمرًا مربِكًا بالنسبة للبعض، فذلك لأنه يتحدى العديد من الأساطير حول الصهيونية ودولة إسرائيل التي يرى فيها أصحاب النوايا الحسنة نوعًا من “المعجزة” أو من “الميلاد الجديد للشعب اليهودي على أرض أسلافه”، وتعويضًا عادلاً عن الهولوكوست. كل هذه الخطابات ساهمت في تجريد الحركة الصهيونية من خطيئتها الأصلية، وهي بُعدها الاستعماري.

“أرضٌ خاوية”

 

منذ عصر “الاكتشافات الجغرافية الكبرى” في القرن الخامس عشر، نشأت حركة غزو كبيرة بقيادة أوروبا للقارات الأخرى، عُرِفت في التاريخ باسم “الاستعمار”. في كتابه Terra nullius (2017)، عرّف الصحفي السويدي سفين لينكفيست “الأراضي الخاوية” التي كانت قابلة للغزو بأنها “تلك الأراضي التي لم تكن تنتمي إلى أي حاكم مسيحي في العصور الوسطى. بعد ذلك، صارت الأراضي التي لم يطالب بها بعد أي بلد أوروبي، والتي تصبح من حق أول بلد أوروبي سيغزوها. إنها أراض مقفرة، أراض مهجورة”.

اتخذ الاستعمار شكلين: في معظم الحالات، كان يدير البلدان التي تم احتلالها بضعةُ آلاف من الإداريين والجنود القادمين من البلد المستعمِر. من ناحيةٍ أخرى، كان “الاستعمار الاستيطاني” مصحوبًا بهجرة أعداد هائلة من الأوروبيين – كما حدث في أمريكا الشمالية وإفريقيا الجنوبية والجزائر ونيوزيلندا وأستراليا، وأخيرًا في فلسطين (ولكن في سياق مختلف تمامًا، إذ كان ذلك في القرن العشرين وتزامن مع بداية الحركات الكبرى المناهضة للاستعمار) – وبتحوُّل ديمغرافي.

ولعلّ ما سهّل تلك الهجرة مشاعر التفوُّق التي سيطرت على المستعمرين، كما ذكر المستشرق ماكسيم رودنسون في نصٍّ شهير نُشِر عام 1967 بعنوان “إسرائيل، فعلٌ استعماري؟”1، والذي قال فيه:

غرس التفوُّق الأوروبي، حتى في وعي الأشخاص الأكثر حرمانًا من بين من شاركوا في المشروع الاستعماري، فكرة أن أي أرض خارج أوروبا قابلة للاحتلال من عنصر أوروبي. (…) ما كان عليهم سوى إيجاد أرضٍ خاوية، لم يكن الأمر يتعلّق بالضرورة بخوائها من السكان، لكنه كان نوعًا من الخواء الثقافي، خارج حدود الحضارات.

ذلك الاستعلاء، حتى ولو لم يؤدِّ إلى مجازر (وهو ما كان أمراً نادر الحدوث)، كان مبرِّرًا لكل أشكال التمييز التي مورست ضد السكان المحليين ورسّخت، في الحياة كما في القوانين، للـ“فصل” بين الوافدين الجدد و“السكان الأصليين”، وهيمنة الأولين على الآخرين، أي فصلًا عنصريًا فعليّاً حتى قبل شيوع ذلك المصطلح. كان النظام بأكمله يقوم على التمييز في الحقوق الفردية والجماعية بين المستعمرين و“السكان الأصليين”، الذين تم تقسيمهم إلى فئات وفقًا لمجموعة من القوانين إلى “متطوّر” وهجين ومختلط الدماء، إلخ.

حركة نشأت في أوروبا

 

ينفي المدافعون عن الصهيونية أن يكون لها أي علاقة بالمشروع الاستعماري. فالصهيونية التي نشأت في القرن التاسع عشر قدّمت نفسها كحركة تحرُّر مماثلة لحركات الشعوب المقموعة التي عاشت في ظل الإمبراطوريات الكبرى متعددة الجنسيات، كالإمبراطوريات العثمانية والقيصرية والنمساوية المجرية، من الصرب إلى السلوفاكيين، ومن البولنديين إلى الكروات. فقد كان اليهود يطالبون مثلهم بدولةٍ خاصة بهم، ولكن، على عكسهم، لم يكن هدفهم تأسيسها حيث كان يعيش غالبية اليهود، ولكن على أرض فلسطين2، حيث كان عددهم محدودًا. وتحجّجت الصهيونية بالروابط التاريخية والدينية التي تربط اليهود بتلك الأرض بموجب الكتاب المقدّس، أي بنص ديني يعود تاريخه إلى آلاف السنين كان من المفترض أن يشكّل نوعًا من سند الملكية. ومن المفارقة التاريخية أن غالبية مؤسّسي الحركة كانوا ملحدين.

هل يمكن الاستناد إلى نصوص أسطورية للمطالبة بأرض؟ أيمكن لنصٍّ كالكتاب المقدس قد ثبت أنه ذو صلة ضئيلة بأحداثٍ حقيقية – رغم أنه يُدرَّس ساعة يوميًّا في حصص التاريخ (وأعني التاريخ) في كافة المدارس الإسرائيلية – أن يكون سند ملكية؟

بالرغم من ذلك، يقبل العديد من الغربيين الذين يدّعون العلمانية ويرفضون أي أوامر باسم النصوص الإلهية أو الحقوق البالغة في القدم، تلك الحجج. مؤخّراً، أشادت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين “بالشعب اليهودي الذي تمكن أخيرًا من بناء وطنه في أرض الميعاد”. ميعاد مع الله؟ لو طبّقنا هذه المبادئ في بلدٍ آخر، لكانت النتيجة ألف عام من الحروب، كما يتّضح من إعلان موسكو أن أوكرانيا ليست سوى “روسيا الصغرى”، أو إعلان صربيا أن كوسوفو مهد شعبها. ولمَ لا تطالب فرنسا إذًا بمدينة “إكس لاشابيل” (واسمها اليوم “آخن” وتقع في ألمانيا)، التي كانت عاصمة إمبراطورية شارلمان “ملك الفرنجة”؟ لسنا هنا بصدد إنكار الروابط الدينية التي تربط اليهود بالأراضي المقدّسة، فعلى مدار قرون من حكم الدولة العثمانية، وما لم تكن هناك أسباب تتعلق بالحروب، كان بإمكان اليهود أن يؤدّوا شعائر الحج وأن يُدفَنوا في القدس على أمل أن يكونوا أوّل من يشهد القيامة بقدوم المسيح المخلِّص. لم يكن ليخطر ببال أحد أن يمتدِح استقرار “الحجّاج الأوائل” في أمريكا باسم حقهم في إقامة “مدينة الرب”، ولا غزو الأوروبيين (الأفريكان) لأفريقيا الجنوبية بحجة أنهم “الشعب المختار”.

اشتراكية الغزو

 

لتنفي عن نفسها تهمة الاستعمار، طرحت الحركة الصهيونية ثلاث حجج أخرى، حتى وإن عفا على بعضها الزمن، ألا وهي: طابعها الاشتراكي، وبعدها المناهض للإمبريالية، وغياب بلد استعماري أتى منه المستوطنون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى