أقلام وأراء

محمد ياغي يكتب – إصلاح منظمة التحرير لا يعني سيطرة «حماس» عليها

محمد ياغي *- 25/6/2021

تابعتُ ما كُتب من مقالات بشأن منظمة التحرير، ويمكن القول إن هنالك شبه إجماع بين كُتاب الأعمدة والمحللين السياسيين والمهتمين عموماً بالشأن السياسي الفلسطيني أن منظمة التحرير بوضعها الحالي عاجزة عن خدمة القضية الفلسطينية لسببين:

أولاً، أن هنالك فصائل وازنة ولها حضور شعبي وسياسي وكفاحي غير حاضرة في مؤسساتها.

وثانياً، أن المنظمة بوضعها الحالي هي مجرد مؤسسة من مؤسسات السلطة الفلسطينية العديدة بلا دور واضح لها، وهي بالتالي عاجزة عن تأدية الدور المطلوب منها وهو تمثيل الشعب الفلسطيني أينما وجد، وتنظيمه للدفاع عن قضيته وصولاً لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، والعودة وحق تقرير المصير.

هذا بالضرورة يعطي الانطباع بأن منظمة التحرير لم تعد الإطار الجامع للشعب الفلسطيني ويؤدي الى تآكل شرعيتها كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني.

على أن الراغبين بإصلاح المنظمة أو إحيائها كما يقول البعض، لا يتفقون على معنى “الإصلاح أو الإحياء.” ويمكن هنا تقسيم المطالبين بتجديد منظمة التحرير وتفعيلها لثلاث فئات:

الفئة الأولى ترى أن إصلاح المنظمة هو ضرورة لكنها لا يجب أن تمكن الاسلام السياسي (حماس والجهاد الإسلامي) من السيطرة عليها، وهم لذلك يقترحون آليات للتمثيل داخل المنظمة تؤدي الى احتواء “حماس” و”الجهاد” دون تمكينهما من السيطرة على المنظمة.

هؤلاء يقترحون اعتماد برنامج سياسي قائم على حل الدولتين يمكن في تقديرهم تحقيقه بالجمع بين وسائل النضال كافة في إطار منظمة التحرير.

الفئة الثانية راغبة أيضا في الإصلاح لكن شريطة أن يؤدي هذا الإصلاح الى القبول ببرنامج السلطة التفاوضي، وهي لهذا ترى أن عملية الإصلاح يجب أن تبدأ بقبول “حماس” و”الجهاد” بالبرنامج السياسي القائم بما فيه القبول بقرارات الرباعية الدولية تحت مسمى أن ذلك يمكن “شعبنا” و”قيادته” من التعامل مع المجتمع الدولي لإنهاء الاحتلال.

الفئة الثالثة ترى أن قرار الحرب والسلم بعد معركة “سيف القدس” أصبح بيد المقاومة، ولهذا يجب إفساح الطريق للمقاومة للسيطرة على منظمة التحرير وقيادة المشروع الوطني، وهي لذلك تطرح أن تدخل “حماس” و”الجهاد” منظمة التحرير بناء على توازن القوى الحالي في الشارع الفلسطيني في الضفة وغزة وأراضي العام ١٩٤٨ والشتات.

لا أعتقد بان أيٍ من الفئات الثلاث محقة في طرحها.

من يخشى الإسلام السياسي (التنظيمات الإسلامية التي تمارس العمل السياسي بقصد الوصول للسلطة ولا تمارس الإرهاب) هو أنظمة لا ترغب بالتداول السلمي للسلطة عبر صناديق الاقتراع التي يمكنها احضار الإسلاميين للحكم ويمكنها في نفس الوقت إخراجهم منه.

في فلسطين لا توجد دولة للصراع على من يحكمها، والصراع يجب أن يكون فقط مع الاحتلال.

إذا تجاوزنا نقطة “الإسلام السياسي”، يصبح الخلاف بين الفئات الثلاث على البرنامج السياسي وليس على التمثيل داخل المنظمة.

ولأنه كذلك، فإن نقطة البداية لا يجب أن تكون في نقاش “خرائط التمثيل السياسي” لكل فصيل داخل المنظمة، ولا في اقتراح قيادة مؤقتة لإدارة منظمة التحرير الى حين الاتفاق على شكل التمثيل السياسي فيها ولكن على برنامجها السياسي وعلى آليات تحقيقه.

إذا تم الاتفاق على ذلك تصبح الطريق مفتوحة للاتفاق على آليات التمثيل في المنظمة.

الاتفاق على البرنامج السياسي وعلى آليات تحقيقه يتطلب إجراء حوار وطني عريض تكون حاضرة فيه التنظيمات السياسية الفلسطينية الى جانب قوى المجتمع المدني والأكاديميين والناشطين السياسيين، ويتم فيه مناقشة خيارات الشعب الفلسطيني والاتفاق عليها.

ليس صحيحاً أن حل الدولتين لا يزال ممكناً بسبب الاجماع الدولي الحالي على هذا الموضوع.

هذا الاجماع يجب قراءته بطريقة صحيحة: هو إجماع يعطي الانطباع للفلسطينيين بأن طريق المفاوضات ما زالت مفتوحة لتحقيق حل الدولتين، لكن الحقيقة أن “المجتمع الدولي” والمقصود به هنا هو الولايات المتحدة وحلفائها، أعطوا بصمتهم (وهو صمت لا يزال مستمراً منذ عقود) إسرائيل الوقت الكافي للقضاء على هذا الحل.

كيف يمكن لدولة فلسطينية أن تولد الى جانب إسرائيل عندما تكون الضفة الغربية مقسمة الى ١٨٦ كانتوناً تحاصرها المستوطنات من كل الجهات؟ كيف تكون هنالك فرصة لدولة بوجود جدار بطول 700 كيلومتر يصادر من الضفة الغربية أكثر من 20 في المائة من مساحتها؟ أو بوجود حكومات إسرائيلية يقودها قادة المستوطنين؟

ربما على الفلسطينيين مثلاً البدء في النضال للمطالبة بالحقوق السياسية والاجتماعية والقومية المتساوية مع الإسرائيليين والتخلي عن مطلب الدولة المستقلة.

لكن حتى لو اختار الفلسطينيون الإبقاء على حل الدولتين كبرنامج سياسي لهم، فإن الاتفاق على كيفية إنجاز ذلك هو ضرورة وطنية تفرضها علينا على الأقل فشل الطريق الذي تم انتهاجه الى يومنا هذا لإنجاز ذلك.

هذه هي القضايا التي يجب أن تناقَش أولاً ويتم الاتفاق عليها قبل بحث مسألة آليات التمثيل، وحتى يتم الاتفاق على ذلك هنالك ضرورة لعقد مؤتمرات فلسطينية في كل مكان لمناقشة هذه المسألة.

الاتفاق على البرنامج السياسي ينهي الصراع على نسبة التمثيل وعلى آليات تحقيق هذا البرنامج.

لا يهمني، كفلسطيني بعدها، إن كانت “فتح” أو “حماس” من يقود المنظمة طالما كان برنامجها وآليات عملها لتحقيق هذا البرنامج محل اتفاق وطني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى