أقلام وأراء

إميل أمين: بيان الرياض مسار المصداقية للدولة الفلسطينية

إميل أمين 5-5-2024: بيان الرياض مسار المصداقية للدولة الفلسطينية

رغم النجاحات الكبيرة التي حفل بها الاجتماع الخاص للمنتدى الاقتصادي العالمي بالرياض، قبل أيام، على صعيد القضايا الآنية التي تتماس مع أوضاع العالم المالية وشؤونه وشجونه الحياتية، فإننا لا نغالي إن قلنا إن القضية الفلسطينية، كانت الفائز الأكبر من خلال الدعم الدبلوماسي الذي قدمته المملكة العربية السعودية، والذي أعاد تسليط الضوء عليها، ووضعها في سويداء قلب الإنسانية المعذبة، من جرّاء مشاهد الموت والدمار في غزة منذ نحو سبعة أشهر بنوع خاص.

في لقائه مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، كان ولي العهد الأمير محمد بن سلمان يؤكد ومن جديد، على أن المملكة لا تألو جهداً في سبيل التواصل مع جميع الأطراف الدولية والإقليمية، لوقف أعمال التصعيد الجارية ومنعها من الاتساع في المنطقة، وكذا رفضها القاطع دعوات التهجير القسري للشعب الفلسطيني.

جدّدت المملكة في بيان الرياض وقوفها الدائم إلى جانب الشعب الفلسطيني، ذاك الذي توارثته الأجيال من عند الأب المؤسس الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، وأظهرت مرة أخرى نبلها العروبي والإسلامي، من خلال ثبات مواقف تأخذ قبل أي أمر آخر الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، في حياة كريمة اليوم، وطموحات في السلام العادل والدائم غداً، وعلى ترابه الوطني، ومن غير مؤامرات التهجير القسرية، أو تحايل مشروعات التسفير الطوعية.

بدا المنتدى الأخير، وكأنه تحول في لحظة بعينها، مؤتمراً دولياً أممياً عربياً، إسلامياً، أميركياً، أوروبياً، لنصرة القضية في وقت تجتاح فيه الأنواء أهل غزة بعامة، ونحو مليونين من سكان مدينة رفح بنوع خاص.

ظهر واضحاً الدور المتقدم، الفاعل والناجز لدبلوماسية سعودية، تعرف جيداً ما الذي تريده، ما ظهر وبجلاء تام في تصريحات وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان، وفي إشارته للمأزق الفلسطيني الراهن، في الضفة الغربية وفي غزة، ومن هنا كانت الدعوة إلى ضرورة إيجاد «مسار ذي مصداقية، لا رجعة فيه أو عنه، لإنشاء الدولة الفلسطينية»، وإنهاء أزمنة «التيه الفلسطيني» التي طالت عن «تيه برية سيناء».

بيان الرياض جاء قابضاً على جمر الحقائق، لا يخشى في الحق لومة لائم، من عند إدانة الصمت الدولي على واقع المجاعة التي يعيشها الشعب الفلسطيني في غزة، مروراً بالجرائم المرتكبة ضد الإنسانية، كما الحال في المقابر الجماعية المكتشفة في مجمع ناصر الطبي بالقطاع، حيث نفذت إسرائيل عملية عسكرية واسعة النطاق، والتي تنمّ عن استهتار بأبسط المعايير الإنسانية، وصولاً إلى الكارثة المحتملة في رفح، والتي تفتح لها تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أبواب المهالك الواسعة، بإصراره على القيام بعمل عسكري هناك، سواء تم التوصل إلى اتفاق بشأن الأسرى الإسرائيليين لدى «حماس» أم من دونه، كما يقول وقت كتابة هذه السطور.

ولعله من نافلة القول أن أصدق ما جاء في بيان الرياض، الإشارة الصادقة إلى أن الأعمال العسكرية التي ترتكن عليها إسرائيل، لا تخدم العيش الإنساني المشترك، ولا تتيح قنوات لإيجاد سلام بين الشعوب والأمم، بل تعمّق الكراهيات وتجذّر الخصومات، وهو ما لا يستفيد منه إلا أصحاب رايات التطرف، وأصحاب القناعات الأصولية، وكلاهما يدور في حلقة مفرغة من الموت والنار والدمار.

تصرح حكومة نتنياهو علناً بأنها لا تريد حل الدولتين، وترفض القرارات الدولية، في حين التوجهات الاستيطانية، بل الاستعمارية، تغلق الباب فعلياً أمام حل الدولتين، من خلال اقتطاع المزيد من القليل الذي تبقّى من أرض فلسطين التاريخية.

وضع بيان الرياض الحقائق أمام العالم سواء من خلال اجتماع اللجنة السداسية العربية مع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، حيث جرت مناقشة آليات رفع جميع القيود التي تعرقل دخول المساعدات الإنسانية إلى مناطق القطاع كافة بما يضمن عدم تفاقم الأزمة الإنسانية، أو عبر الاجتماع العربي – الإسلامي – الأوروبي، الذي ناقش دعم حل الدولتين، ومسألة الاعتراف بالدولة الفلسطينية وبما يحقق تطلعات الشعب المنكوب صاحب الحقوق التاريخية.

تخطئ حكومة نتنياهو إن قدر لها أن تعتقد أنها سوف تمضي مرة وإلى الأبد، على اعتماد «القوة الخشنة»، حيث لا دلالة تاريخية لها على القوة الناعمة والسلام الدائم. وتجانب حكومة الحرب في تل أبيب الصواب، إن غضت النظر عن رؤية التحولات الجذرية في الرأي العام الأميركي حكومة وشعباً، ولدى المجتمع الأوروبي بدوره.

في البيت الأبيض، والخارجية الأميركية، أصوات تعلو يوماً تلو الآخر، تنادي بضرورة قيام الدولة الفلسطينية، وفي الشارع الأميركي يجري حراك متسارع طلابياً وإعلامياً ينادي بالعدالة للمظلومين والمأسورين عبر عقود خلت من الفلسطينيين.

أوروبياً، كان جوزيب بوريل، الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، يشير إلى أنه من المتوقع أن تعترف دول عدة أعضاء في التكتل بدولة فلسطين بحلول نهاية مايو (أيار) الحالي.

تبغي الدبلوماسية السعودية نوعاً من العدالة والسلم للطرفين الإسرائيلي والفلسطيني، وما جرى في المنتدى الأخير، هو دعوة للظالم بردّه عن ظلمه، وللمظلوم بالدفاع عن حقوقه؛ إذ تؤمن الرياض أنه من مصلحة الطرفين، والمنطقة والأسرة الدولية، إيجاد حل للقضية الفلسطينية وتفادي المزيد من المعاناة التاريخية لمنطقة أصبح الموت فيها عادة.

الخسارة التي حلّت بمنطقة الشرق الأوسط بعامة، وبإسرائيل خاصة، هي من جراء التنكر لمبادرة السلام العربية قبل اثنتين وعشرين سنة، تلك التي طرحتها المملكة العربية السعودية في مؤتمر القمة العربية في بيروت عام 2002.

بيان الرياض جرس إنذار أخير يدعو إلى اليقظة والانتباه، ويدعو إلى فتح مساقات للحياة ومسارات للسلام… أتكون لهم آذان ويسمعون هذه المرة؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى