ترجمات عبرية

يديعوت: ماذا وراء العودة مجدداً للحديث عن تطوير الغاز في غزة؟

يديعوت 2023-07-03، بقلم: د. بيني شباينر د. عيلي راتيج*: ماذا وراء العودة مجدداً للحديث عن تطوير الغاز في غزة؟

في مطلع الأسبوع الماضي، صدر بيان عن ديوان رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، جاء فيه: “في إطار الخطوات التي تجري بين دولة إسرائيل ومصر والسلطة الفلسطينية، ومع التشديد على تطوير الاقتصاد الفلسطيني والمحافظة على الاستقرار الأمني في المنطقة، تقرر الدفع قدماً بتطوير حقل الغاز مقابل شواطئ غزة”. وشدد البيان على أن الخطوات تضمن المحافظة على المصالح الأمنية والسياسية لإسرائيل. وعلى الرغم من أن محاولة جرت لاحقاً لتقديم ما يحدث على أنه تحرك بين السلطة ومصر فقط، لكن إسرائيل ستتدخل فيما يجري بشأن كل ما له علاقة بتطوير المجال البحري في غزة وكذلك “حماس”.

يكشف البيان تغيراً سياسياً مهماً ليس بديهياً. تم اكتشاف حقل الغاز الغربي في غزة في سنة 1999، وهو مخزون صغير نسبياً، وبحسب الخبراء يحتوي على قرابة 30 مليار متر مكعب، ما يساوي عشرات مليارات الدولارات. والمقصود هو عُشر كمية الغاز الطبيعي الموجودة في حقل “تمار” (قرابة 280 مليار متر مكعب). ومع مرور السنوات تبين أن المنطقة تحتوي مخزونات محتملة أُخرى لم تُفحص بعد.

وفقاً لقواعد القانون الدولي فإن وثيقة المياه والاتفاقات السياسية التي وقعتها إسرائيل مع السلطة الفلسطينية في التسعينيات تضمن للسلطة الفلسطينية السيادة على كل ما يتعلق بالتنقيب وبتطوير المخزونات الطبيعية الموجودة في البحر في قطاع غزة. لكن إسرائيل هي التي تسيطر عملياً على المجال البحري، حيث يوجد المخزون وأي أعمال فيه تتطلب موافقتها.

حاول جميع رؤساء الحكومات الإسرائيلية في العقدين الأخيرين الدفع قدماً بتطوير حقل الغاز وتنظيم طريقة استخدام الأرباح المتوقعة كي لا تُستخدم في “الإرهاب”، وإنما في تأمين رفاهية السكان. لكن جميع هذه المحاولات باءت بالفشل أمام الواقع الأمني وتزعزع العلاقات بين إسرائيل والفلسطينيين، وأيضا في ظل عدم اليقين الاقتصادي فيما يتعلق بالقطاع الخاص وحماسته لتطوير حقل صغير نسبياً في بيئة سياسية غير مستقرة. كما أن سيطرة “حماس” على غزة في سنة 2007 وجولات القتال مع إسرائيل جعلا تطوير المخزون أكثر تعقيداً، وبقي الغاز في بطن البحر.

هناك فرضيات متعددة بشأن السبب الذي دفع إسرائيل إلى القيام بهذه الانعطافة وعلى ماذا حصلت في المقابل. تتأرجح هذه التقديرات بين محاولة التخفيف من الغضب الأميركي المتوقع بعد قرار الحكومة الدفع قدماً بالبناء في المستوطنات، ومساعدة مصر على صوغ خطة هدنة بين مختلف الفصائل الفلسطينية في غزة، والدفع قدماً بالمفاوضات في موضوع الأسرى والمفقودين، واتفاق التطبيع مع السعودية، وتشجيع مشروع إقليمي لإقامة بنى تحتية جديدة للغاز مع تركيا. وهناك افتراض آخر هو أن مصر، التي ستستفيد من الغاز الطبيعي مقابل غزة، سترعى الاتفاق الجاري بلورته، لأنه من الناحية الاقتصادية لا مبرر لتطوير الحقل إذا جرى توجيه الغاز إلى أسواق السلطة وقطاع غزة فقط.

من دون تجاهل الفرضيات السابقة، يخيل إلينا أن أحد العوامل التي سمحت بهذه الانعطافة هو اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع لبنان الموقع في تشرين الأول 2022 بوساطة أميركية. إذ على الرغم من الانتقادات القاسية التي وجهها أعضاء الحكومة الحالية للاتفاق، فإن سلسلة التفاهمات التي جرى التوصل إليها مع لبنان و”حزب الله” شكلت سابقة قانونية ودبلوماسية أيضا حيال غزة.

هناك ثلاث نقاط مهمة متشابهة بين الحالتين. أولاً، في الحالتين المقصود سكان بحاجة ماسة إلى مصادر كبيرة للدخل من أجل تحسين مستوى الحياة، وتعتقد إسرائيل أن هذا الأمر يساعد أيضاً في تحقيق الهدوء الأمني. ثانياً، في الحالتين يوجد مخزونات غاز محتملة أُخرى غير تلك التي شملها الاتفاق، والتقدير أن اتفاقاً سياسياً يشجع شركات الطاقة الأجنبية على استثمار مبالغ مالية كبيرة مطلوبة. ثالثاً، السابقة الأكثر أهمية أنه سواء في لبنان أو في قطاع غزة فإن السيطرة الفعلية هي في يدي تنظيمات “إرهابية” تخوض نضالاً شرساً ومستمراً ضد إسرائيل، ولا تعترف بوجودها، ما يجعل من الصعب إجراء مفاوضات. ومع ذلك وعلى الرغم من الخطاب العدائي، تحقق الاتفاق مع لبنان الذي يسمح بمحاولة حقيقية لتطوير المجال البحري اللبناني، ويشجع شركات الطاقة الأجنبية على التنقيب عن مخزونات جديدة.

ويبدو أنه بالاستناد إلى التجربة اللبنانية تطالب دول المنطقة، وخصوصاً مصر والولايات المتحدة، بالدفع قدماً باتفاق الغاز في غزة. والموافقة الإسرائيلية على تطوير مخزون الغاز لا يمكن تفسيرها بأي شيء آخر سوى استعداد إسرائيل للقيام بحوار ولو بصورة غير مباشرة مع “حماس”.

وسواء أدى القرار الحالي إلى تطوير حقل الغاز في غزة أم لا، فلا شك في أن المجال البحري والموارد الكامنة فيه تخلق كثيراً من الفرص الدبلوماسية الجديدة بالنسبة إلى إسرائيل. وفي العقد الأخير تحولت إسرائيل دولة غاز عظمى إقليمية بفضل اكتشافات الغاز في (تمار ولفيتان، وكاريش والتنين)، والاكتشافات واعدة. إن امتلاك إسرائيل مخزونات غاز كبيرة وقوة بحرية فعّالة ينعكس على المنطقة كلها ويجعل إسرائيل نقطة ارتكاز مهمة في تطوير المجال والموارد في منطقة شرق البحر المتوسط، وربطها المحتمل بالقارة الأوروبية.

إن الاتفاقات بين إسرائيل ولبنان، وإسرائيل ومصر، وإسرائيل وقبرص، وإسرائيل والسلطة الفلسطينية وربما لاحقاً بين إسرائيل وتركيا، تبعث إلى المجتمع الدولي والقطاع الخاص برسالة من الاستقرار الإقليمي، وتجعل المنطقة منصة مريحة للصفقات التجارية العابرة للحدود بقيادة إسرائيل على الرغم من الصراعات السياسية والداخلية.

وكما ثبت في الحالة اللبنانية فإن المجال البحري يسمح بمرونة خلاقة من أجل بناء تفاهمات وتواصل بين الأطراف المتعادية التي من الصعب أن تتوصل إلى مثل هذه التفاهمات في مجال البر. ويبدو أن عدم وجود حدود مادية في البحر وبُعد المنطقة عن أعين الجمهور هما مفتاح الحلول المحتملة التي ربما ستنعكس مستقبلاً على اليابسة.

من الصعب التنبؤ إلى أي حد تنوي إسرائيل المضي قدماً في تطوير حقل غاز مارين وإلى أي حد ستسمح التوترات الداخلية بالتعامل بمرونة مع مطالب “حماس”. ومع ذلك فإنها عملية ضرورية وإيقافها سيضر بمصالح جميع الأطراف في المنطقة. إن أكبر تحدٍ ستواجهه حكومة إسرائيل هو أن تشرح لجمهورها الحاجة إلى اتفاق يشبه في طبيعته الاتفاق الذي عارضته مع لبنان. الأيام كفيلة بأن تخبرنا إذا ما كانت الأطراف ستنجح هذه المرة في القيام بخطوة إضافية مثلما جرى مع لبنان، وتفتح أفقاً جديداً بكل ما له علاقة بالمجال البحري.

 

** د. بيني شباينر زميل باحث في مركز الأبحاث السياسية والاستراتيجية البحرية في جامعة حيفا، ود. عيلي راتيج باحث في مركز بيغن – السادات للأبحاث الاستراتيجية في جامعة بار إيلان.

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى