شؤون مكافحة الاٍرهاب

هشام النجار: تنظيم القاعدة يأبى السقوط ويؤسس لزعامة جديدة بدلا من الإخوان

الجمع بين الذراعين العسكرية والسياسية يمنح التنظيم قوة إضافية

هشام النجار 22-6-2023: تنظيم القاعدة يأبى السقوط ويؤسس لزعامة جديدة بدلا من الإخوان

في الوقت الذي تزداد فيه خسائر جماعة الإخوان الداخلية وتفقد بعض الحلفاء الإقليميين لها وتتراجع حظوظها السياسية، بدأ تنظيم القاعدة المتشدد يعيد ترتيب أوراقه على أمل أن يصبح ممثلا فاعلا لتيار الإسلام السياسي، بالتوازي مع عدم التفريط في جناحه العسكري الإرهابي.

يجد تنظيم القاعدة الذي لعب دور الذراع العسكرية للإخوان أن تراجع الجماعة سوف يؤثر بشدة على الجناح المسلح ولا مفر من استباق الأحداث واتخاذ ما يلزم من خطوات كي لا ينهار التنظيم العسكري بصحبة الواجهة السياسية التقليدية لعموم الإسلاميين، وهي جماعة الإخوان.

يريد تنظيم القاعدة حاليًا الانفراد بمشهد الصدارة لتولي زعامة تيار الإسلام السياسي متحللًا من حليفته وذراعه الموصوفة بـ”المعتدلة” سابقا ليلعب الدورين معًا منفردًا، أي الذراع العسكرية والواجهة السياسية.

ويرى قادة في التنظيم المتشدد أن هزائم وعثرات الإخوان فرصة مواتية لطرح مشروع حكم إسلامي، تضاف إليه تعديلات هيكلية، بهدف إقناع بعض القوى به ونيل جهود وولاء الكثيرين من الناقمين على أداء الجماعة المتواضع والساخطين على تلطيخ سمعة تيار الإسلامي السياسي.

اتسعت هزائم الإخوان السياسية ولا تقتصر على ساحة واحدة، حيث توالت مظاهر التراجع عقب حظر نشاط حزبها في مصر عام 2013، وفقدان بريقها الحزبي في أهم ساحتين كانت قد حققت بهما إنجازات لافتة، وهما المغرب وتونس، علاوة على ما تعانيه فروعها في الأردن والكويت والسودان من تحديات، وأداء متواضع في كل من اليمن وسوريا والعراق.

إنقاذ المشروع أولا
يرفض قادة تنظيم القاعدة فرضية سقوط مشروع الإسلاميين في السلطة، بزعم أن الفشل لم يُصب سوى جماعة الإخوان، وأن منهج القاعدة القائم على رفض النظام الديمقراطي والتداول على السلطة والاحتفاظ بحليف إسلامي مُهيمن على الحكم في أفغانستان (طالبان) كفيل بإصلاح الخلل.

وخلال خطبة جمعة من مقر إقامته في بريطانيا بعنوان “عزة وكرامة لطالبان وخزي لسلمية بنت أبيها” قرر أحد منظري القاعدة، وهو هاني السباعي، انقضاء مرحلة تمثيل الإخوان للإسلاميين وبداية عهد حكم القاعدة القادر على التمثيل المُشرف لهم عبر الحفاظ على السلطة بقوة السلاح.

تكرس نسخة مختلفة من مشروع الإسلام السياسي في السلطة نفوذها في العديد من المناطق بأفغانستان وشمال غرب سوريا وبعض الساحات الأفريقية، من منطلق كونها حالة وسطى بين جماعة الإخوان التي عجزت عن إقناع القوى الغربية بها وفشلت في تحقيق مصالح داعميها الإقليميين، وبين نموذج داعش الذي جرى تحييده لوحشيته المفرطة وتهديده الأمن العالمي.

ويحاول قادة النسخة الجديدة من القاعدة استعادة ود الولايات المتحدة وكسب تعاطف قوى غربية ونيل الاعتراف بها أو على الأقل غض الطرف عنها. ويحرص هؤلاء على مداهنة الفاعلين وربح تعاطف السكان المحليين للتغطية على مثالب تبني حالة دينية متشددة تعادي الحكم المدني والقيم الليبرالية وتصل إلى السلطة وتنفرد بها بالقوة الجبرية.

بعد أن ظهر عجز تنظيم القاعدة عن مواصلة تصدره لمشهد الإرهاب العالمي العابر للحدود خلال السنوات الماضية وعن تكرار الهجمات الكبرى على غرار تفجير السفارتين في نيروبي ودار السلام وتفجير المدمرة كول وتفجيرات سبتمبر 2001، عاد تنظيم القاعدة إلى طوره الأول بالنظر إلى تشكله من مجموعات جهادية هدفها في تسعينات القرن الماضي محليّ.

ويفضل تنظيم القاعدة البدء الآن في مشروعه المحلي الذي فشل مع حلول النصف الثاني من العقد الراهن، وهُزم عسكريًا ممثلًا في فروع التنظيم في كل من الجزائر ومصر وليبيا. وأقنع كل من أسامة بن لادن وأيمن الظواهري الأجنحة الجهادية المحلية المهزومة بالانضواء تحت مشروع جهادي عالمي يستهدف الغرب من خلال تأسيس ما عُرف بالجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبيين.

وعاد تنظيم القاعدة لتعديل إستراتيجيته مضطرًا بعد غزو الولايات المتحدة أفغانستان والعراق، ما قاده إلى تثبيتها وتطويرها بداية من سنوات انطلاق الثورات العربية ثم في أعقاب هزيمة مشروع الإخوان السياسي. وحاول في السابق بجانب واجهته السياسية (الإخوان) استغلال الأحداث الإقليمية ليصبح في طليعة الثورات لتعويض فقدان السيطرة على المركز في أفغانستان، ما تُوج مؤخرًا بالرغبة في الحلول محل الإخوان بمشهد السلطة عبر خطاب مُلطف وممارسات مرنة.

ومثلت ثورات ما عُرف بالربيع العربي نقطة تحول فارقة بين مرحلتين، الأولى مفارقة القاعدة لإستراتيجية استهداف الغرب والولايات المتحدة حيث كانت آخر عملية دولية للتنظيم هي التي قام بها الرائد نضال حسن بالجيش الأميركي في ولاية تكساس عام 2009 وأسفرت عن مقتل وإصابة العشرات من الجنود الأميركيين.

بعد هذا التاريخ بعامين حاول تنظيم القاعدة الاصطفاف مع الشعوب العربية والإسلامية مُظهرًا الإسهام كعامل ترجيح في نضالها لإسقاط الأنظمة الحاكمة المغضوب عليها. وأسهم في تكريس هذا التحول تمكن القوات الأميركية الخاصة من قتل أسامة بن لادن مؤسس القاعدة في مخبئه بباكستان في مايو 2011 وما تبعه من تطوير لاستهداف قادة التنظيم المؤثرين بطائرات دون طيار في أماكن متفرقة.

وجرت خلال العقد الأخير تحولات كبيرة في المشهدين المحلي والإقليمي، فلم تنجح الثورات في دعم استمرار تحالف القاعدة والإخوان كجناحين سياسي وعسكري لتيار الإسلام السياسي بعد تحولها إلى نقمة وتطورها إلى حروب أهلية، فضلا عن فشل الإخوان في تجربة السلطة وتلقي الجماعة هزائم سياسية متعاقبة في غالبية الساحات العربية.

ويطرح تنظيم القاعدة كممثل بديل بالكامل عن جماعة الإخوان لتيار الإسلام السياسي في السلطة، وهو ما ظهر على الساحة السورية من خلال طبيعة خطاب وتحولات وممارسات هيئة تحرير الشام، وأداء وتحولات فرع التنظيم في الصومال “حركة الشباب” بعد أن باتت منشغلة بصراعاتها المحلية، وإعلان فرع القاعدة في المغرب الإسلامي ودول الساحل الأفريقي التوقف عن تبني إستراتيجية الحرب العالمية وشن هجمات ضد الولايات المتحدة والدول الغربية.

وأجرت قناة فرانس 24 في مارس الماضي حوارًا نادرًا مع زعيم هذا الفرع النشط للقاعدة أبوعبيدة يوسف العنابي، أكد فيه أن جماعته تركز على القتال في أفريقيا ولا تجهز لعمليات في الغرب أو على الأراضي الفرنسية.

احتواء التحول الجديد

تميل الولايات المتحدة وقوى غربية عدة إلى احتواء هذا التحول، على الرغم من مناهضته للقيم المتعلقة بمدنية الدولة واحترام الديمقراطية والتداول السلمي على السلطة. وتنشغل واشنطن بأولويات أخرى ملحة مثل الحرب الروسية – الأوكرانية والتحدي الصيني، وحاجتها الملحة إلى التصدي لخطر داعش العابر للحدود بشكل عملي وسريع وغير مُكلف.

ويظل التخوف الرئيسي من أن تظل هذه التحولات في نطاق التكتيكات المرحلية على خلفية عجز القاعدة عن تنفيذ عمليات دولية عابرة للحدود، وصعوبة تكرار هجمات في العمق الغربي والأميركي وفي ساحات بعيدة في العالم كما جرى في نيويورك ثم تفجيرات بالي في إندونيسيا ومحطات قطارات الأنفاق بلندن.

وعلى الرغم من فقدان قدراته على إدارة عمليات بالخارج ودعمها استخباراتيا وماليا إلا أن تنظيم القاعدة لا يزال قادرًا على إلهام ذئاب منفردة وتحفيز متطرفين على ارتكاب أعمال إرهابية في العمق الغربي. ويمنح غض الطرف الغربي عن نشاط القاعدة المحلي الجديد فرصًا لتأسيس دويلات أصولية في أنحاء عديدة من العالم في غضون سنوات، ما يجعل قادة التنظيم يستعيدون قواهم دون عوائق أمنية كما كان في الماضي.

ولن يستغرق الأمر فترة طويلة ليتحول تنظيم القاعدة مرة أخرى إلى مشكلة عالمية، وبعد أن يكون شكل على مدار السنوات المقبلة نماذج محلية قوية مدربة جيدًا لن تتوانى لاحقًا عن الالتئام في إطار خلافة عالمية. وليس تنظيم القاعدة، الذي يُصور نفسه كنقيض لداعش حيث توقف عن ممارسة العنف ضد السكان المحليين ويقدم نفسه كطرف يطرح الحلول للمشكلات، أكثر اعتدالًا من حيث التصورات والقناعات، بل أكثر مكرًا حيث يؤجل خططه الكبرى إلى أن يكون في وضع أفضل، والفارق بينهما ليس في المناهج والأهداف النهائية إنما في التكتيكات والإطار الزمني.

ومن خلال نماذج حكم تقف في المنطقة الوسطى بين الإخوان وداعش، يخطط تنظيم القاعدة لتعويض اختفاء الأولى وللعب الدورين معًا (واجهة الحكم والسياسة والذراع المسلحة) واستيعاب المحبطين والساخطين وغسيل سمعة الجهاديين بعد تلويثها عبر ممارسات داعش الوحشية على مدار سنوات. وتُعد الشعوب الخاسر الأكبر، وبعد أن جرى التجريب فيها بمشروع الإخوان الذي فشل في الإدارة والحكم، قد يجري تجريب مشروع لا يختلف في الفشل والتخبط الإداري لكنه قد يحمي فشله بقوته المسلحة.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى