ترجمات عبرية

هآرتس: نصر الله يتباهى بـ«النصر» كي لا يخوض حرباً شاملة

هآرتس 2024-01-06، بقلم: تسفي برئيل: نصر الله يتباهى بـ«النصر» كي لا يخوض حرباً شاملة

حسن نصر الله انتظر تقريبا مدة شهر قبل إلقاء خطابه الأول منذ بداية الحرب في غزة، في 3 تشرين الثاني. منذ ذلك الحين كما يبدو، قرر أنه من الجدير تحويل خطاباته إلى سلسلة محاضرات، تقريبا كدورة كاملة. أول من أمس، ألقى خطابه الثالث، واليوم، يتوقع أن يلقي خطابا آخر. “إذا بقيت على قيد الحياة”، كما أشار في يوم الأربعاء. الملاحظة ليست ملاحظة زائدة على خلفية تصفية صالح العاروري، قرب معقل رئيس “حزب الله” في بيروت. حسن نصر الله هو خطيب مفوه وديماغوجي مؤهل، يعرف جيدا بأن خطاباته ليست موجهة إلى أذن الآلاف الذين ملؤوا قاعة الاجتماعات الكبيرة التي ألقى الخطاب فيها.

عندما يتكلم هو يتحدث لكل العالم – إسرائيل بشكل خاص والمواطنين في لبنان خصوصا. في الأشهر الثلاثة للحرب، نجح في الربط بين مصير سكان شمال إسرائيل وسكان جنوب لبنان، الذين مستقبلهم القريب على الأقل يعتمد على ما يخرج من فمه وعلى المسألة الحاسمة التي ترافق كل خطاب له: هل سيشن حربا شاملة ضد إسرائيل، التي من شأنها أن تحدث حربا إقليمية وربما عالمية.

أول من أمس، بعد حوالى ساعة وربع الساعة، جاءت اللحظة التي فيها ترك أسلوبه الهادئ ورفع صوته لتوضيح أهمية الجملة التالية: “إذا كان العدو يفكر بأنه يستطيع مهاجمة لبنان فإن ردنا سيكون بدون كوابح”، قال. “نحن سنذهب إلى حرب حتى النهاية”.

يحيى السنوار وقيادة “حماس” كانوا فرحين بأن يسمعوا منه هذا التمسك بالحرب التي تجري في غزة. لكن يوجد لنصر الله إطار وطني لبناني وقيود إيرانية، التي فيها هو ملزم بالعمل. هو لا يستطيع أن يسمح لنفسه بحرية العمل العسكري والأيديولوجي الموجود لـ”حماس”، التي يطلب منها هي أيضا أن تقوم بتكيف أيديولوجي، بالأساس ديني، من اجل تحقيق اكبر قدر من الشرعية الجماهيرية في غزة.

إلى جانب عضويته الكبيرة في “محور المقاومة” أمام إسرائيل فإن معضلة “حزب الله” كحركة دينية شيعية لبنانية وتؤيد ايران، تكمن في الصعوبة في تسوية التناقض بين حلم تحويل لبنان إلى دولة دينية شيعية ستجسد فكرة تصدير الثورة الإسلامية الإيرانية، وبين الواقع السياسي والطائفي الذي تتكون منه الدولة. الشيخ حسين فضل الله، الذي اعتبر على مدى السنين الزعيم الروحي لـ”حزب الله”، أدرك بشكل جيد هذه المعضلة. ففي كتاباته، أكد دائما على أنه سيكون من الصعب إقامة جمهورية إسلامية في لبنان، وأن المصالحة بين المسلمين والمسيحيين ستتحقق فقط من خلال الحوار.

في ظل عدم وجود قاسم مشترك ديني أو طائفي فإن الصمغ الوحيد يمكن أن يكون وطنيا، قال فضل الله. مثلا، عندما أيد العمليات الانتحارية لـ”حزب الله” ضد قواعد الجيش الأميركي والفرنسي في بيروت في العام 1983 فقد استند إلى مبررات عباس موسوي، الأمين العام للحزب سلف نصر الله والذي صفته إسرائيل في 1992. الأخير شرح بأن هذه العمليات هي للدفاع عن النفس ومشروعة دينية، لأنها وجهت ضد الاحتلال الأجنبي. هذا كان أيضا الخط الأيديولوجي الذي تبناه حسن نصر الله كجزء من استراتيجية تعزيز منظمته في داخل طائفة مركبة ومتنوعة، مسيحيين ودروز وسنة وغيرهم. هذا من اجل أن يستطيعوا التماهي مع النضال الوطني الذي حتى لو كان لا يتم تطبيقه من قبل الدولة نفسها، بل على يد منظمة تخضع لإيران؛ طالما أن النضال لا يمكن وصفه بالديني، وبالأحرى بالشيعي.

أساس الدفاع عن لبنان وتحرير مناطق احتلتها إسرائيل يمر كخيط ثان في كل خطابات نصر الله: في الوقت نفسه هو يدرك جيدا المشاعر اللبنانية المناوئة للفلسطينيين، التي تطورت منذ تمركزت “فتح” في جنوب لبنان في السبعينيات، وأقامت لنفسها دولة في داخل الدولة. من اجل التماهي والتضامن مع معاناة الفلسطينيين فإن هناك خطوط حدود واضحة في لبنان. إنشاء “فتح لاند” مع تنكيل مخيف بالمواطنين اللبنانيين ما زال منقوشا عميقا في الذاكرة الجماعية في الدولة. إذا كان الفلسطينيون يريدون دولة مستقلة ويديرون حرب تحرير لتحقيقها فليتفضلوا، لكن ليس على حساب لبنان. هذا هو القاسم المشترك بين حسن نصر الله وزعيم الطائفة الدرزية وليد جنبلاط والبطريرك الماروني بشارة الراعي والزعيم السني سعد الحريري.

الرفض الحازم لحسن نصر الله لفكرة تجنيس اللاجئين الفلسطينيين في لبنان ليس فقط جزءا من أيديولوجيا الحفاظ على “القضية الفلسطينية”. فهذا موقف سياسي استهدف التساوق مع المشاعر الوطنية اللبنانية. في الشهر الماضي، أعلنت “حماس” عن إقامة وحدات عسكرية في لبنان باسم “رواد طوفان الأقصى”، وقد أثار هذا الأمر عاصفة اجتاحت كل الأحزاب في بيروت وطالبت بأن توقف الدولة هذا التنظيم. “حزب الله” فهم الرسالة والادعاءات، وبعد بضعة أيام أعلنت “حماس” في لبنان بأنها لا تنوي إقامة تنظيم عسكري جديد يحارب ضد إسرائيل من داخل الأراضي اللبنانية.

في خطابه، أول من أمس، اكد حسن نصر الله على أن مشاركته في الحرب استهدفت إنقاذ لبنان، وليس الفلسطينيين أو المسجد الأقصى. “نحن دخلنا إلى الحرب من خلال التنسيق بين الاستراتيجية والمصالح اللبنانية”، أكد. “لو أننا لم ندخل إلى المعركة في 8 أكتوبر لكانت إسرائيل ستقوم باحتلال لبنان”. وحسب قوله فإن إسرائيل قدرت أنه توجد لديها فرصة لمحو المقاومة في لبنان وليس فقط في قطاع غزة. ما منع هذه العملية، حسب قول نصر الله، هو المقاومة، أي “حزب الله”. وهو حتى قال، إن اغتيال العاروري كان هجوما استهدف هدفا محددا من اجل عدم المس بـ”حزب الله” كي لا تحدث “حرب عالمية”.

فضائل سليماني

كيف يمكن حل التناقض بين نجاح “حزب الله” في ردع إسرائيل عن المس بلبنان وبين تعهده بالإسهام في دوره في “محور المقاومة” والمشاركة بشكل ناجع في الحرب، ليس فقط من اجل المصالح اللبنانية؟. في جزء من خطابه، الذي فيه ذكر بالتفصيل فضائل ومواهب قاسم سليماني، قائد “قوة القدس” الذي قتل في هجوم أميركي في بغداد في 2020، أوضح حسن نصر الله بأن عبقريته تمثلت أيضا في أنه قاد جميع حركات المقاومة للعمل بشكل مستقل، دون الاعتماد أو الإكراه من جانب ايران. الاستراتيجية حسب قوله كانت أن “كل واحد يتخذ القرار في بلاده بصورة تتساوق مع رؤيته الاستراتيجية ومع مصالح شعبه وبلاده”.

إضافة إلى محاولة نصر الله تحرير طهران من المسؤولية عن هجوم “حماس” في 7 أكتوبر، كما فعل التنظيم نفسه عندما سارع إلى نفي ادعاء حرس الثورة الذي بحسبه الحرب هي رد على اغتيال قاسم سليماني، السكرتير العام لـ”حزب الله” ذكر بالتفصيل 15 بندا تصف “صورة النصر”، الذي من ناحيته تم إنجازه. ضمن أمور أخرى، قال، إن الحرب أعادت إلى مقدمة المسرح القضية الفلسطينية بعد أن نسيت؛ وأثبتت بأنه خلافا لرؤية إسرائيل فإن الفلسطينيين لن ييأسوا من النضال وحطمت صورة إسرائيل في العالم – التي تعتبر الآن قاتلة للأطفال والنساء ومجوعة للسكان في غزة؛ وحطمت التفوق الاستخباري الإسرائيلي ودمرت ثقة الاسرائيليين بالجيش الإسرائيلي وحتى حرمت إسرائيل من القدرة على التفاخر بأنها دولة اللجوء للشعب اليهودي. وحتى أن حسن نصر الله تنبأ بأنه بعد الحرب ستحدث في إسرائيل حرب أهلية.

هذه الإنجازات هي نصر مطلق يبرر التضحية الكبيرة للفلسطينيين واللبنانيين، قال، أمس. في الخطاب السابق في يوم الشهيد لـ”حزب الله” في 11 تشرين الثاني، وصف بصورة شبه اعتذارية كل العمليات التي نفذها “حزب الله” ضد إسرائيل. فقد أحصى عدد القتلى في جانبه وأحصى ضرب الأهداف الإسرائيلية وإشغال الجيش الإسرائيلي على الحدود الشمالية وتقييد قدرته على العمل بكل قوته في غزة، أيضا تهجير آلاف الاسرائيليين من بيوتهم. في خطابه، أول من أمس، كان يبدو أنه يجمل المعركة بالنصر. هو في الحقيقة هدد بالانتقام لتصفية العاروري، لكن هذا سيكون انتقام المستضيف بسبب تصفية الضيف؛ حساب شخصي لحسن نصر الله مع إسرائيل، حيث قرر في 2006 اختطاف جنديين من الجيش الإسرائيلي هما ايهود غولدفاسر والداد ريغف، وهو الإجراء الذي وصفه في حينه بأنه “حساب” لـ”حزب الله” من اجل إطلاق سراح سمير قنطار، الذي كان سجينا في إسرائيل، وليس باسم الحكومة اللبنانية.

التنصل من الغرب

هذه التفسيرات والتبريرات ليست فقط أقوال فارغة. فهي تعكس نفس التمييز الذي أكده حسن نصر الله في بداية خطابه في يوم الأربعاء. التمييز الذي بحسبه كل تنظيم ينتمي لمحور المقاومة سيعمل حسب “استراتيجيته ومصالح شعبه ودولته”. ورغم أنه نسبه لسليماني إلا أن هذه الاستراتيجية ولدت قبل ذلك.

بالنسبة لحسن نصر الله هذه الاستراتيجية تستند إلى قاعدة أيديولوجية تميز بين الرؤية الكولونيالية والإمبريالية الغربية، بالأساس الأميركية، وبين رؤية محور المقاومة. وحسب أقوال نصر الله فإن المنظمات التي تستند للغرب تتحول إلى “عبيد” (للقوة العظمى التي تمولها). “عندنا لا يوجد عبيد”، قال. “هم (الغرب أو إسرائيل) لا يستطيعون الاعتراف بأن كل ما تفعله حركات المقاومة نابع من قراراتها المستقلة من خلال القناعة الداخلية على أساس الإيمان والإخلاص لعدالة طريقها. هي ليست أدوات في يد أي أحد”.

أقواله استهدفت في الواقع إعفاء ايران من المسؤولية عن التنسيق والتوجيه والتشغيل لمنظمات إرهابية. ولكن أقواله تردد الأيديولوجيا التي تعتبر الغرب محتلا ماديا وفكريا يجب التحرر منه. هذه ليست فقط نظرية إيرانية أو شيعية. الواعظ يوسف القرضاوي الذي كان الزعيم الروحي لحركة الإخوان المسلمين، وبشكل كبير أيضا لـ”حماس”، استخدم تعابير تشبه التي قالها نصر الله. ففي كتابه بعنوان “المسلمون والعولمة” الذي صدر في العام 2000، كتب القرضاوي ضد العولمة. العولمة حسب قوله هي تصرف السادة مع العبيد وتصرف العمالقة مع الأقزام وتصرف المتكبرين مع الضعفاء”. هذه هي التعابير نفسها التي استخدمها ويستخدمها الليبراليون واليساريون والمناهضون للغرب – التي معها، كما يعتقد نصر الله، يمكن أن يتماهى معها من يعارضونه في لبنان: المسيحيون والمسلمون السنة، الذين يعتبرون انفسهم وطنيين بدرجة لا تقل عنه.

هذه البنية التحتية الأيديولوجية استهدفت ترسيخ السلوك الاستراتيجي والتكتيكي وشرعنة “المرونة” في الرد وتسوية التناقضات بين الوعود الرنانة وإملاءات الواقع السياسي. السؤال هو هل سردية النصر كما يبنيها نصر الله في خطاباته ستكون كافية لصد توسيع الحرب في الشمال؛ ربما حتى تأييد عملية سياسية بين إسرائيل ولبنان حول مسألة ترسيم الحدود البرية ونقل قواعد “حزب الله” إلى شمال نهر الليطاني. الجواب عن هذا السؤال لا يعتمد فقط على نصر الله أو لبنان. فحكومة إسرائيل التي لم تبدأ بعد في تخطيط “اليوم التالي” في غزة وستضطر إلى اتخاذ قرار كيف سترى حدود لبنان. مجال الخطأ في هذا السؤال يمنح فرصا كثيرة لدهورة لبنان إلى مواجهة شاملة.

 

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى