ترجمات عبرية

هآرتس: نجح أوسلو في الإبقاء على الاحتلال

هآرتس 2023-09-13، بقلم: ديمتري شومسكي: نجح أوسلو في الإبقاء على الاحتلال

“حسب رأيي، إذا لم نذهب للدفاع عن هذا الاتفاق بحماسة فانهم سيقومون بتشويهه بحماسة. اذا لم يكن هناك حماسة مقابل الحماسة فعندها تكون المعركة على الرأي العام قد حسمت”. عندما قرأت هذه الأقوال الصحيحة التي قالها وزير جودة البيئة، يوسي سريد، في جلسة الحكومة التاريخية في 30 آب 1993، والتي في نهايتها تمت المصادقة على اتفاق اوسلو (الذي نشر جزء كبير من محاضره مؤخرا من قبل ارشيف الدولة)، تحمست جداً، وأصبحت ممتلئاً بالأمل والترقب.

هاكم أخيراً – عندما نصل الى الصفحة 44 من الـ 82 صفحة للمحاضر، يظهر احد ركائز الأيديولوجيا في اليسار الإسرائيلي. منذ إقامتها اعترفت الحركة الصهيونية بأنه في الفضاء بين البحر والنهر دائما وجد شعبان، وأنه قد حان الوقت لاعطاء تعبير سياسي مناسب لهذا الاعتراف على شكل تقسيم البلاد الى دولتين قوميتين؛ من اجل التمكين من وجود دولتين بجانب بعضهما في سلام واحترام متبادل يجب تحويل اسرائيل من كيان هجين لا توجد له حدود ويطالب لنفسه بالمزيد من الاراضي الى دولة معيارية في حدود معترف بها، ولذلك يجب انهاء مشروع الاستيطان الانتحاري، واخلاء المستوطنات الحيوي جدا من اجل نجاح الاتفاق، بحيث لا يعارض “قيم الصهيونية”، بل العكس، أن يعكس بالمعنى العميق استكمال المشروع الصهيوني بطابعه الوطني – الأخلاقي، حيث لا يمكن أيضا التمتع بثمار مبدأ تقرير المصير للشعوب وفي الوقت ذاته سحقه بشكل فظ عندما يدور الحديث عن الشعب الجار. كل هذه التصريحات السياسية – القومية يجب أسماعها للجمهور الإسرائيلي بشكل صريح وبالحماسة التي يستحقها من قاموا بتمهيد الطريق والذين يقودون الشعب الذي هو بحاجة ماسة الى التطبيع الوطني الى بر الأمان.

ولكن سرعان ما تلاشى أملي وخابت توقعاتي. في الصفحة التالية في المحضر تبين أنه في نظر سريد فان تفسير اقتراح “الدفاع عن الاتفاق بحماسة” ليس سوى أن نعرض بحماسة على الجمهور الاسرائيلي ما يبدو له، كأحد الانجازات المؤثرة للاتفاق، وهو حقيقة أنه “لم يتم إخلاء أي مستوطنة”.

اذا كانت “حكومة اوسلو”، بالنسبة للرمز اليساري، تعتبر إبقاء المستوطنات البضاعة الجديرة بالبيع للجمهور الإسرائيلي مقابل تأييده للاتفاق، فما هو الغريب في أن أعضاء تلك الحكومة الآخرين قد تنافسوا فيما بينهم على توزيع الإطراءات على رئيس الحكومة، اسحق رابين، ووزير الخارجية، شمعون بيريس، لأنهما تمكنا من الإبقاء على المستوطنات؟ وليس ذلك فقط، فقد عملوا كل ما في استطاعتهم لإبعاد حلم الدولة الفلسطينية الى المستقبل غير المنظور ومواصلة التمسك بـ “الحكم الذاتي لبيغن” منذ فترة اتفاق كامب ديفيد.

مع ذلك، جلس على طاولة الحكومة شخص واحد عرف كيفية تعريف ما كان يجب أن يكون الهدف العلني لاتفاق اوسلو. ردا على اقوال وزير التعليم والثقافة والرياضة، امنون روبنشتاين، الذي قال فيما يتعلق بالاتفاق بأنه “في الحقيقة نريد هنا وضع نهاية لحرب التحرير”، طرح اسحق رابين صياغة حادة وصائبة لا مثيل لها لهدف الاتفاق: “انهاء حرب الاستقلال. التحرر من نير احتلال شعب آخر”. يبدو أن تحديد هذا الهدف، الذي يتساوق مع المقولة البسيطة والعبقرية لكارل ماركس من العام 1870 – “الشعب الذي يستعبد شعبا آخر يقوم بتعزيز قيوده” – لم يثر أي حماسة خاصة في أوساط المشاركين في الجلسة. وبدلا من تبني أقوال رابين على اعتبار أنها شعار حرب تحرير الشعب الإسرائيلي اليهودي من عبء استعباد شعب آخر، فإن أعضاء الحكومة، للسخافة، استمروا في الانفعال والتأثر بـ “نجاح الاتفاق” في الحفاظ على قيود الاستعباد هذه.

على الرغم من ذلك، الى جانب مسيرة الحماقة التي توجد على طاولة “حكومة اوسلو”، فان قراءة محاضر الجلسة التاريخية تثير الشعور بالتفاؤل والأمل. يتبين منها بشكل واضح أن “عملية اوسلو” لم تعمل في أي يوم على الدفع قدما بحل الدولتين لشعبين، بل بصورة تقريبا مازوشستية، دفعت بكل عائق محتمل استهدف تخريب هذا الحل. ازاء ذلك يجب سؤال كل الذين “استيقظوا” من “وهْم حل الدولتين”: اذا لم تكن في أي يوم أي محاولة صادقة وجدية للدفع قدما بتطبيق حل الدولتين فكيف توصلتم الى الاستنتاج بأن هذا الحل غير قابل للتطبيق؟ ألا تشعرون بوجود مغالطة منطقية حادة في طريقة التفكير هذه؟ أليس العكس هو الصحيح؟ أليست حقيقة أنه حتى الآن لم يتم الدفع قدما بأي حل فيه ما من شأنه أن يدفعكم لمحاولة وفحص إمكانية تطبيقه فعليا، وعدم التنازل عنه مسبقا؟ هل حقيقة أن دعوة رابين في تلك الجلسة للحكومة الى انهاء حرب الاستقلال من خلال تحرير شعب إسرائيل من نير احتلال شعب آخر، نزلت على أذن صماء، لا يوجد فيها ما يحث إسرائيل على تبنيه أخيراً كأساس معلن للسياسة الوطنية؟

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى