ترجمات عبرية

هآرتس: لم تعد إسرائيل تتجاهل القدس الشرقية لكنها ما زالت تتجنب الأسئلة المهمة

هآرتس 21-82-2023، بقلم نير حسون: لم تعد إسرائيل تتجاهل القدس الشرقية لكنها ما زالت تتجنب الأسئلة المهمة

الخطة الخماسية التي صودق عليها أمس الأحد، تشكل خطوة أخرى في التغيير الذي يمر به المجتمع الإسرائيلي والسلطات الإسرائيلية في ما يتعلق بشرقي القدس. في النهاية، هذا التغيير هو أحد العمليات الدراماتيكية التي تحدث في دولة إسرائيل.

منذ البداية، منذ العام 1967، كان من الواضح للجميع، إسرائيليين وفلسطينيين، أن القدس موحدة فقط بشعارات تطلق من على منصات الاحتفالات في يوم القدس. أما في أيام العام الأخرى، فالمدينة مقسمة. بقي شرقي القدس مدينة منفصلة تقريباً، وكأنه لم يكن هناك ضم – مع منظومة مواصلات عامة، وشبكة كهرباء، ومنهاج تعليمي ومركز تجاري منفصلة تماماً. السلطات الإسرائيلية لم تهتم بما يحدث في الأحياء العربية، ولم تعتبر نفسها ملزمة بتوفير الخدمات لها. والأهم من ذلك أن الفلسطينيين واليهود في القدس لم يعتبروا أنفسهم جيراناً في المدينة نفسها. الشباب العرب تعلموا المنهاج الأردني، وبعد ذلك منهاج السلطة، وقد سجلوا في جامعات الضفة الغربية وتزوجوا بنساء ورجال من الخليل، وكسبوا الرزق في السلطة أو بصعوبة لدى يهود المدينة. عاشوا بصورة موازية لأبناء جيلهم في غربي المدينة كخطين متوازيين لم يلتقيا يوماً ما.

هذا الفصل نبع من رؤية مشتركة للطرفين “المؤقتية الدائمة”: ردد الإسرائيليون شعارات بشأن وحدة المدينة وأبديتها، لكنهم لم يؤمنوا بذلك. لهذا لم يروا حاجة للاستثمار في شرقي المدينة. لم يخطر ببال الفلسطينيين أن الاحتلال سيستمر، ولم يروا ضرورة في بذل جهود للاندماج في المجتمع الإسرائيلي: تعلم اللغة العبرية أو التسجيل في الجامعة العبرية.

بدأ التغيير عند إقامة جدار الفصل قبل عشرين سنة تقريباً. أقيم فوق الجدار المادي جدار فصل قانوني على شكل تعديل قانون الجنسية الذي يمنع لم شمل العائلات بين المقدسيين وسكان الضفة. الجدار فصل المدينة بالقوة عن الجبهة الداخلية للضفة الغربية، ودفع مئات آلاف الفلسطينيين المقدسيين نحو الغرب، إلى أحضان المجتمع الإسرائيلي. طلاب وآباء بدأوا يطالبون بدراسة “البغروت”، وبدأ الطلاب في الاهتمام بالتسجيل في الكليات الإسرائيلية، وامتلأت أماكن العمل في غربي المدينة بالشباب الفلسطينيين الذين لديهم مؤهلات وطموحات. الخطوط المتوازية بدأت في الالتقاء.

نقطة الانعطافة في هذه العملية كانت في 2014. في آذار من ذلك العام، انهارت محادثات السلام بين الطرفين بصورة نهائية. ومنذ تلك اللحظة، وجد المتفائلون جداً في أوساط الفلسطينيين صعوبة في تخيل أفق سياسي تتحول فيه القدس إلى عاصمة فلسطين. حتى الموظفون الإسرائيليون المتهكمين جداً بدأوا يدركون أن شرقي القدس، الذي تشبه مساحته مساحة تل أبيب، هو هنا كي يبقى. بعد ثلاثة أشهر، عقب قتل الفتى محمد أبو خضير، هب السكان في شرقي القدس إلى ما يشبه انتفاضة مصغرة، كنوع من إعلان الاستقلال كتجمع سياسي جديد، شبه منفصل عن الضفة الغربية.

العنف الذي اندلع دفع الموظفين الإسرائيليين إلى التفكير بطريقة مختلفة عن شرقي المدينة. جاءت هذه الرؤية من مكان غير متوقع – خريجو “الشاباك” الذين عرفوا أنه لا يمكن مواصلة إدارة مدينة بواسطة القوة، وخريجو جمعية “العاد” الذين تطلعوا لتعزيز السيادة، ورجال قسم الميزانيات في وزارة المالية الذين عرفوا أنه لا مستقبل لاقتصاد القدس بدون الفلسطينيين. في 2018، في ظل رئيس البلدية نير بركات، ووزير شؤون القدس زئيف الكين، حان الوقت وصادقت الحكومة على الخطة الخماسية الأولى – 2.1 مليار شيكل لشرقي القدس، وهو الاستثمار الأكبر في شرقي القدس منذ 1967.

الأموال التي بدأت تتدفق غيرت الطريقة التي كانت تنظر بها وزارت الحكومة والسلطات لشرقي القدس؛ فلم تعد ساحة خلفية مهملة، بل مكان يجب التعامل معه ومع سكانه. الخطة سرعت أسرلة جهاز التعليم، وأدت إلى تدريب مهني للعمال وشجعت آلاف الفلسطينيين الآخرين على الدخول إلى المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية، وحسنت البنى التحتية والوضع الصحي في الأحياء العربية. التغييرات الإيجابية رافقتها جهود واضحة للتملص من المواضيع الصعبة والحساسة في منظومة العلاقات بين الإسرائيليين والفلسطينيين في القدس: النقص في السكن، الأعمال الشرطية الزائدة وعنف الشرطة؛ ومشكلات الأحياء التي تقع وراء الجدار والتي يعيش فيها في ظروف غير إنسانية أكثر من 100 ألف شخص. وأكثر من ذلك، فالخطة لم تمس المسألة الأهم من بينها جميعها: كيف يعقل أن كثيرين من سكان المدينة ليسوا من مواطني الدولة وكيف ترى الدولة مستقبلهم؟

الخطة الخماسية الأولى ستنتهي في كانون الأول القادم. الخطة التي صودق عليها أمس أعدت في وزارة شؤون القدس طوال سنة، وكان من شأنها أن تحصل على المصادقة في يوم القدس في أيار. ولكن وزير المالية سموتريتش قرر وقفها في اللحظة الأخيرة، خلافاً لموقف جميع الجهات المهنية – من البلدية وحتى “الشاباك” – بذريعة أن بند تشجيع التعليم العالي يناقض مصلحة إسرائيل.

في الأشهر الأخيرة، بذلت معظم الجهات الجهود لإقناع سموتريتش في النزول عن الشجرة، ولكنه صمم على موقفه. في نهاية المطاف، صودق على الخطة بدون هذا البند. لقد استبدل بالبند الغامض وهو “تشغيل بإنتاجية عالية”. يؤمن المهنيون بأنهم سينجحون في مواصلة تشغيل المدارس التأهيلية ما قبل الدراسة الأكاديمية. بقيت البنود الأخرى على حالها، وحتى توسعت لتشمل مجالات أخرى؛ البارز منها هو وضع هدف المصادقة على 2000 وحدة سكنية جديدة للعرب في شرقي القدس في كل سنة. الخطة لا تفصّل كيف سيتم تحقيق هذا الهدف، ومن الآن يمكن الافتراض بأن سلطات التخطيط في المدينة ستجد صعوبة كبيرة في تحقيق هذا الهدف. إلى جانب ذلك، الخطة واسعة جداً وتتناول عدة مواضيع وبأموال سخية نسبياً للسنوات الخمس القادمة. 800 مليون شيكل ستخصص للتعليم، 350 مليون للبنى التحتية، 40 مليون للمواصلات العامة، 100 مليون للمباني العامة و120 مليون للرفاه.

رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو والوزراء ورئيس البلدية موشيه ليون، اهتموا بإحاطة هذه المصادقة بالحديث عن السيادة والوحدة. والوزير ايتمار بن غفير اهتم بوضع ميزانية كبيرة لإضافة رجال شرطة ومراكز شرطة في شرقي القدس. ومثلما في الخطة السابقة، فإن بند تسجيل الأراضي في الخطة قد يساعد جمعيات المستوطنين بالذات. بند الصحة ما زال لا يطالب صناديق المرضى بالكف عن الأسلوب المرفوض الذي يتمثل بتشغيل عيادات من قبل مقاولين من الباطن، وفي بند التعليم هناك تأكيد على تضمين الإسرائيليات في التعليم بدلاً من تحسين الوضع الشامل. ولكن الحديث يدور بالإجمال عن بشرى مهمة وجيدة لكل سكان شرقي القدس، المنافسة في الواقع سهلة، لكن ربما هو القرار الأفضل الذي اتخذته هذه الحكومة منذ تشغيلها.

الخطة الخماسية تنضم للعمليات التي تنمو من أسفل إلى أعلى وتغير القدس. إسرائيليون وفلسطينيون يلتقون اليوم في العاصمة بنفس المستوى، في الجامعات، في أماكن العمل، في السوبرماركت وفي القطار الخفيف. خلافاً لآمال اليمينيين، العملية لا تؤدي إلى إبعاد سكان شرقي القدس عن أخوتهم في الضفة والقطاع، أو إضعاف هويتهم الذاتية كفلسطينيين. ومثلما حدث مع عرب 1948 الواقع يعيش بجانب الصراع – كلما كان الشخص إسرائيلياً أكثر في الحياة اليومية سيكون أكثر فلسطينية في رؤية هويته الذاتية. فالخطة والميزانيات قد تحسن الوضع وتقلص الفجوات قليلاً، ولكنها لا تحل أي مشكلة حقيقية، على الأقل ما دام الإسرائيليون لا يواجهون الأسئلة الصعبة بخصوص مستقبل القدس.

المصادقة على الخطة في الحكومة وعملية الأسرلة تحول المدينة إلى مكان أكثر مساواة بقليل وأكثر تعقيدًا، الذي لم يعد يناسب حلولاً بسيطة لإعادة التقسيم. ولكن في موازاة ذلك، هذه العمليات تؤكد أيضاً السخافة الكامنة في أساس المدينة الموحدة: مدينة ليست عاصمة إلا لـ 60 في المئة فقط من سكانها يحق لهم التصويت للكنيست. الخطة الجديدة تدمر سقالة أخرى في مبنى المؤقتية الدائمة الذي أقيم في 1967 وتقربنا من مواجهة الأسئلة المهمة مثل: هل تتخيل إسرائيل عاصمتها بأنها مدينة مساواتية حقاً، عاصمة لشعبين، أو كمدينة نصف سكانها ملزمون باستثمار المزيد من القوة والموارد لقمع النصف الثاني.

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى