ترجمات عبرية

هآرتس: كابيتال الشرق الأوسط: الدبلوماسية تزدهر لكن إيران الدولة النفطية تفتقر إلى البنزين

هآرتس 6-7-2023، بقلم تسفي برئيل: كابيتال الشرق الأوسط: الدبلوماسية تزدهر لكن إيران الدولة النفطية تفتقر إلى البنزين

هيئة الأرصاد الجوية في إيران ليست جهازاً يتابع كمية الأمطار والرياح وتوقع الجفاف فحسب؛ فوفقاً لتقارير الهيئة، يتحدد تصنيف المدن والمحافظات التي تشكل قاعدة للحصول على مساعدة خاصة لتلك الأماكن حسب فصول السنة. هكذا على سبيل المثال، المدن التي صنفت كيابسة وحارة بشكل خاص في فصل محدد تستحق مساعدة حكومية إضافية لتمويل الاستخدام الزائد للكهرباء من أجل تشغيل المكيفات. والمدن التي تضررت من البرد الاستثنائي تحظى بمساعدة لشراء غاز أضافي لتدفئة البيوت.

ولكن اتضح أن هذه الهيئة لا تدقق دائماً في عملية تصنيف المدن. في حالات عديدة، كانت درجات الحرارة الفعلية أعلى أو أخفض مما أبلغت عنه الهيئة – وهكذا حظي السكان بمساعدة خاصة لا يستحقونها. الآن يطالب أعضاء برلمان في إيران بإعادة فحص هذه التقارير كجزء من حملة لاجتثاث الفساد. يفضل ألا نحبس الأنفاس لدى قراءة نتائج التحقيق الذي لم يبدأ بعد.

إذا كان النظام في إيران يبحث عن طرق لتجميع المزيد من الأموال لإغلاق الفجوة العميقة التي انفتحت في ميزانيته، فإنه يستطيع أن يجدها في كل محطة وقود. حسب البيانات التي نشرت هذا الأسبوع في إيران، فإن الحكومة تدفع الدعم للوقود بمبلغ يصل إلى ضعف مدخولاته المعلن عنها من النفط، نحو 80 مليار دولار مقابل نحو 43 مليار دولار دخلت إلى صناديق شركات النفط في 2022.

سعر لتر الوقود في إيران هو من الأدنى في العالم، نحو 30 سنتاً للتر البنزين (17 سنتاً للتر السولار). الإنتاج المحلي يبلغ 110 مليون لتر يومياً، في حين يبلغ الاستهلاك أحياناً أكثر من 140 مليون لتر يومياً. هذه الفجوة تخلق تناقضاً بأن الدولة الغنية جداً بالنفط تضطر إلى استيراد البنزين. وحسب تقارير وسائل الإعلام الإيرانية، لا يستهلك السكان الكمية كلها، و20 – 30 في المئة منها يتم تهريبه إلى دول مجاورة مثل باكستان وأفغانستان، التي يصل سعر الوقود فيها دولاراً للتر.

حجم كبير جداً من التهريب، الذي يقتضي النقل المنظم والممنهج لا يمكن أن يتم بدون تدخل جهات حكومية. طرحت اللجنة الاقتصادية في البرلمان مؤخراً اقتراحاً لجباية ثمن أعلى، 300 في المئة، مقابل استهلاك أكثر من 60 لتراً في الشهر، لكن إيران شهدت في 2019 مظاهرات ضخمة عقب قرار مشابه اتخذته الحكومة قبل أن تتراجع عنه. ما من شك في أن الحكومة لن ترغب في مواجهة عصيان مدني مرة أخرى، خصوصاً بعد أشهر من المظاهرات التي اندلعت هذه السنة.

إن توفير البنزين والسولار وحجم الدعم الذي تدفعه الحكومة مقابل ذلك، يمكن أن يتحقق بتقليص عدد السيارات التي يتم إنتاجها في الدولة. الانخفاض الدراماتيكي في سعر الريال الإيراني ونسبة البطالة المرتفعة أدت بشكل طبيعي إلى تقليص الطلب على السيارات، التي يبلغ سعر الرخيصة فيها خمسة أضعاف الراتب السنوي للعامل.

هكذا، في السنة الماضية حدث تراجع على حجم الإنتاج، وهو الآن مليون سيارة في السنة، أقل بالربع تقريباً من السنة السابقة وأقل بكثير مما كان في السنتين الأوليين بعد التوقيع على الاتفاق النووي في 2015. ولكن حتى الآن، هذا هو فرع الصناعة الأهم بعد النفط، وهو يشغل نصف مليون عامل تقريباً. إن تقليصاً آخر في الإنتاج يعني إقالات جماعية وتهديداً آخر للهدوء في الشوارع.

تخطيط غير القابل للتخطيط

الشريحة التي تخصصها الحكومة لدعم الوقود والسلع الأساسية، إلى جانب تكلفة استيراد البنزين وتقليص المداخيل من بيع السيارات، كل ذلك أدى إلى أن تكون الدولة مدينة بأكثر من 9 مليارات دولار لمؤسسة الضمان الاجتماعي، التي تدفع مخصصات التقاعد لموظفي الدولة. في الحقيقة، مدفوعات الرفاه لم تتضرر، ولكن العجز الشديد هذا يجبر الدولة على إفراغ صندوق المستقبل، الذي دخل إليه في السابق فائض مداخيل النفط، وهو الذي يدعم ميزانية الدولة في السنوات الأخيرة. هذه هي فقط أعراض إخفاقات تخطيط الاقتصاد في إيران.

بدأت في هذه السنة خطة خمسية جديدة ستستمر حتى العام 2028، وفي كتاب الخطة الذي نشرته الحكومة والذي يتكون من 150 صفحة، يتم وصف الطموحات الاقتصادية لإيران وعلى رأسها نمو يبلغ 8 في المئة في العام. الاطلاع على هذه الخطة يظهر أن المفاهيم المستخدمة فيها هي “نطمح” و”نخطط” و”سنعمل على فعل”، بدون التفسير كيف سيتم تمويل هذه الطموحات.

اقتصادي وباحث إيراني تطرق للخطة في مقال نشره في الموقع الاقتصادي “دنيا الاقتصاد” تحت عنوان “تخطيط غير قابل للتخطيط”، وكتب فيه ضمن أمور أخرى بأن “مراكزنا العلمية ومنظمات التخطيط غير مزودة بأدوات تحليل مناسبة لمواجهة ظواهر وتحديات اقتصادية جديدة. لذا، فقد تضررت القدرة على التنسيق والتعاون بين جميع الجهات الاقتصادية في الحكومة وخارجها. النتيجة النهائية هي أن كل الخطط تتحول إلى قائمة للطموحات التي يمكن أن تعد بالازدهار على الورق فقط”.

هذا التحليل غير جديد وغير أصيل. انتقاد لاذع للطاقم الاقتصادي الذي عينه الرئيس إبراهيم رئيسي، والطلبات المتكررة التي تظهر في البرلمان لإقالة وزراء الاقتصاد، تحولت إلى جزء من الخطاب السياسي العلني. الحكومة في الحقيقة تنشر معطيات مثيرة للانطباع عن الزيادة الدراماتيكية في إنتاج الجمبري وعن كمية الكافيار غير المسبوقة التي بيعت في هذه السنة، ولكن لا يمكنها إنقاذ الاقتصاد في إيران.

مليارات الدولارات لترميم البنى التحتية في إيران

الدبلوماسية الإقليمية هي المجال الوحيد الذي تستطيع فيه إيران أن تعرض إنجازات واقعية. في آذار وقعت على اتفاق لاستئناف العلاقات الدبلوماسية مع السعودية بوساطة الصين. وبعد أن استأنفت علاقاتها مع الإمارات في السنة الماضية، تستكمل الآن الاستراتيجية التي وضعها الرئيس رئيسي والتي بحسبها يجب على إيران أن تركز على بناء حزام أمان وتجارة مع الجيران.

يتوقع أن تتوسع هذه الحملة قريباً عندما تستأنف إيران علاقاتها مع مصر أيضاً. لذلك، تجري اتصالات متقدمة، والإشارة الأولى على تجسيد العلاقات ظهرت في هذا الأسبوع عند اتخاذ القرار المتبادل لاستئناف رحلات الطيران المباشرة بين مصر وإيران في الشهر القادم. في هذا الأسبوع، سجلت إيران إنجازاً دبلوماسياً آخر عندما انضمت رسمياً لمنظمة شنغهاي للتجارة، التي تشارك في عضويتها روسيا والصين والهند ودول الاتحاد السوفييتي السابق. ومؤخراً، أعلنت أيضاً السعودية عن انضمامها. هذه في الحقيقة هي منظمة التجارة الأكبر في العالم من حيث عدد السكان والمساحة الجغرافية التي تمثلها، لكنها بعيدة حتى الآن عن أن تشكل أي تهديد للاحتكار الاقتصادي للولايات المتحدة والدولار كعملة تجارة رئيسية في العالم.

في المقابل، هذه النجاحات الدبلوماسية التي تعتبرها إيران “كسر هيمنة الغرب بشكل عام وهيمنة أمريكا بشكل خاص” لا تترجم إلى مكاسب فورية. حتى الصين، أكبر مشتري النفط الإيراني، لا تستثمر في إيران، وهكذا روسيا. في حين أن اتفاقات التجارة مع السعودية التي وقعت في الشهرين الأخيرين لا تعتبر أكثر من إعلان نوايا تنتظر رفع العقوبات عن إيران.

طموح إيران إلى أن تتحول إلى مركز التجارة لأوروبا وآسيا بفضل علاقاتها مع دول المنطقة، لا يتوقع تحققه في المستقبل المنظور. وحتى لو تم التوقيع على اتفاق نووي جديد وتم رفع العقوبات، فالأمر يحتاج إلى سنين ومليارات الدولارات لترميم البنى التحتية في إيران، بدءاً بالشوارع الجديدة والسريعة ومروراً بالموانئ المناسبة للاستخدام كمركز لإرسال بضائع دولية وانتهاء بتطوير آبار نفط وغاز جديدة. كل ذلك يحتاج إلى استثمارات أجنبية ضخمة ستجبر إيران على إجراء إصلاحات كبيرة في بنية الاقتصاد وفي بنية البنوك وتشريع يضمن مستقبل الاستثمارات. ولكن هذا لن يحدث في الغد.

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى