ترجمات عبرية

هآرتس: إسرائيل بلا خطة بعد انهيار افتراضاتها الأساسية كلها

هآرتس 6-4-2024، بقلم: تسفي برئيل: إسرائيل بلا خطة بعد انهيار افتراضاتها الأساسية كلها

هل اسرائيل أدخلت ايران إلى ساحة المعركة من البوابة الرئيسة؟ إذا حكمنا على الأمور حسب ما وجد في عربات المشتريات في السوبرماركتات، أمس، فإنه يبدو أن السؤال يجب أن يستبدل بعلامة استفهام. مرة أخرى العصر الذهبي يعود لقناني المياه وورق التواليت وعلب التونا. تعليمات جديدة تعيد إلى الحياة قيادة الجبهة الداخلية ويتم إنزال مولدات الكهرباء عن الرفوف – فوقنا يحلق الشعور الصعب بأنه لا يوجد الآن أي مكان لنهرب إليه. هذا ليس فقط غلاف غزة في الجنوب أو غلاف “حزب الله” في الشمال. تهديدات حسن نصر الله (ما بعد حيفا وما بعد بعد حيفا) يبدو أنها على وشك التحقق.

 

هل اسرائيل حقا مستعدة لهذا السيناريو، كما يتعهد هؤلاء الزعماء والقادة الذين لم يكونوا مستعدين للسيناريو “الصغير” الذي قامت فيه “حماس” باقتحام أراضي اسرائيل وقتلت اكثر من 1100 شخص واختطفت حوالى 240 شخصا وشنت حربا ما زالت مستمرة منذ نصف سنة، ونهايتها حتى الآن لا تلوح في الأفق؟. التحليل السائد هو أن اسرائيل قامت بتغيير قواعد اللعب أمام ايران عندما قامت بتصفية في بداية هذا الأسبوع في دمشق محمد رضا زاهدي، قائد قوة القدس في سورية ولبنان. من هنا جاء الافتراض السائد أيضا الذي بحسبه لا يوجد لطهران الآن أي مناص عدا الرد بشدة على الإهانة وعلى المس العميق بمكانتها.

الترجمة العملية لهذا الافتراض هي طوفان من الصواريخ البالستية، المسيرات وكل المواد المتفجرة التي ستأتي من ايران نفسها ومن العراق، وبالأساس من لبنان، وستضرب مراكز المدن في اسرائيل وتحول الدولة إلى مجموعة من المدن المدمرة. حسب سيناريو الرعب هذا فإن الجهود الكبيرة التي استثمرتها الولايات المتحدة واسرائيل من اجل منع غزة من التحول إلى ذريعة للحرب الشاملة، يمكن أن تذهب هباء. والأكثر فظاعة من ذلك هو أن المواجهة المحلية، الإسرائيلية – الفلسطينية، التي حتى 7 تشرين الأول كانت غارقة في سبات عميق، الآن تهدد ليس فقط اسرائيل، بل كل الشرق الأوسط، وربما حتى ما بعده.

7 أكتوبر حطم اثنين من الأعمدة الأساسية التي بنيت عليها سياسة اسرائيل منذ العام 2007؛ السنة التي احتلت فيها “حماس” القطاع وقسمت فلسطين إلى كيانين سياسيين وعسكريين. العمود الأول هو الاستراتيجية التي وضعها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، التي بحسبها من الحيوي استغلال الانقسام الفلسطيني الداخلي وتوظيفه لخدمة فكرة سياسية شاملة، تمنع ليس فقط إمكانية إقامة الدولة الفلسطينية، بل القضاء على نية إجراء مفاوضات حول هذه الإمكانية.

ادعاء نتنياهو هو أنه طالما أنه لا يوجد تمثيل فلسطيني كامل وموحد، يمثل غزة والضفة ويمكنه السيطرة وإملاء سياسة شاملة، بالأساس التعهد بتطبيق الاتفاقات في كل أجزاء فلسطين، فإن النقاشات حول اتفاق سلام وإقامة دولة فلسطينية ليس اكثر من حلم نظري لا يستحق تضييع الجهد عليه. هذه الاستراتيجية احتاجت رعاية يومية وعملية، رعاية لا تبقي أي مكان للشك في صلاحيتها. هنا تم بناء العمود الثاني وهو أداة لخدمة هذه الاستراتيجية، الذي حصل على اسم “المفهوم”، الذي يحدد العلاقة بين اسرائيل و”حماس”. حسب هذه الرؤية فإن “حماس” قوية، ليس فقط كعنوان مسؤول عن وقف الإرهاب من غزة، بل أيضا ضمانة كي لا تستطيع السلطة الفلسطينية أو “م.ت.ف” بشكل عام، الادعاء بالتمثيل الحصري للفلسطينيين.

يتبين أنه كانت لـ”حماس” أفكار خاصة بها حول استراتيجية نتنياهو. إذا كان الأخير قد آمن بقوة الانقسام بين “م.ت.ف” و”حماس”، وبين السلطة الفلسطينية ونظام برئاسة هذه المنظمة في غزة، فإن “حماس” بالتحديد آمنت بالوحدة السلطوية – لكن وحدة تكون لها بشكل كامل. في معظم اللقاءات والنقاشات والمؤتمرات التي عقدت بين الطرفين منذ 2007، فإن الخلافات التي فجرت احتمالية المصالحة الفلسطينية الداخلية تركزت كما يبدو حول تقسيم المناصب والميزانيات. ولكن في الأساس، هذه كانت خلافات حول السيطرة والأيديولوجيا.

تطبيع فلسطيني

برنامج “حماس” السياسي، مثلما ظهر سواء في الميثاق الأصلي للمنظمة من العام 1988 أو بصيغته “المعدلة” من العام 2017، يعتبر “م.ت.ف” جسما يكون خاضعا لها. “الظروف التي تشكلت فيها المنظمة (م.ت.ف) وأجواء التشوش الفكري في العالم العربي نتيجة الغزو الفكري، الذي كان العالم العربي وما زال يخضع لتأثيره منذ هزيمة المسيحيين، والذي تعزز على يد الاستشراق والبعثات التبشيرية والإمبريالية؛ (في مثل هذا الوضع) تبنت (م.ت.ف) فكرة الدولة العلمانية، وهكذا نحن نتعامل معها. ولكن الرؤية العلمانية تعارض تماما العقيدة الدينية، بالتالي فإن المواقف والسلوك واتخاذ القرارات كلها ترتكز إلى العقائد، هذا ما هو مكتوب في الميثاق الأصلي لـ(حماس)، الذي صيغته المترجمة تظهر في موقع مركز المعلومات للمخابرات والإرهاب.

“من هنا”، يواصل الميثاق، “رغم تقديرنا لـ(م.ت.ف) وما يمكن أن يتطور عنها، وبدون الاستخفاف بدورها في إطار الصراع العربي – الإسرائيلي، إلا أنه لا يمكنها أن تكون البديل عن إسلامية فلسطين، في الحاضر وفي المستقبل، وتبني العقيدة العلمانية، حيث أن إسلامية فلسطين هي جزء من عقيدتنا، ومن يستخف بدينه سيخسر. ولكن في اليوم الذي ستتبنى فيه (م.ت.ف) الإسلام كنهج حياة نحن سنكون جنودها والوقود الذي سيحرق الأعداء”.

الميثاق لا يعتبر خطة عمل، بالتأكيد ليس في نظر نتنياهو الذي اعتبره نوعا من الدليل على نجاح برنامج التقسيم الذي طرحه. هو حتى لم يخف مبادئ عقيدته، وبشكل علني قام بتسويق استراتيجيته. في العام 2011، بعد مفاوضات أخرى للمصالحة بين “م.ت.ف” و”حماس” أوضح نتنياهو بأن “السلطة الفلسطينية يجب عليها الاختيار بين السلام مع اسرائيل أو السلام مع (حماس)”. حسب رأيه، هذه المصالحة هي التهديد الأكثر خطورة على استراتيجيته، وهي تخرق أسس مفهوم الردع الذي كان فعليا مفهوم تقوية “حماس”. ولكن “حماس”، ليس “م.ت.ف”، هي التي قامت “بخيانة” الاتفاق غير المكتوب مع اسرائيل. ليس فقط لأنها أصبحت غير مرتدعة، بل لأنها أعدت نفسها لتكون القوة البديلة لـ”م.ت.ف”، في البداية من خلال الاستعداد للمصالحة مع “م.ت.ف”، لكن فقط من اجل الوصول إلى السيطرة عليها.

إن تحطم المفهوم، ومعه استراتيجية نتنياهو، أحدثا ردا متسلسلا يشبه “حقل الألغام” الذي فجر عدة فرضيات أساسية، بعضها تطورت وأصبحت مسلمات وكأنها قوانين للطبيعة. الأهم من بينها النظرية التي تقول، إن حل “القضية الفلسطينية” أو “النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني” لا يعتبر شرطا ضروريا للسلام بين اسرائيل والدول العربية، وبالتأكيد ليس فيه ما يهدد وجود دولة اسرائيل.

ارتكز هذا الادعاء على سلسلة اتفاقات السلام التي كانت بدايتها اتفاق كامب ديفيد مع مصر، وبعد ذلك الاتفاق مع الأردن، الذي ظهر على الملأ فقط بعد اتفاق أوسلو، والفصل الأخير فيها هو اتفاقات التطبيع التي جاءت في أعقاب صفقة القرن للرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب. “اتفاقات ابراهام” أرادت التطبيع مع اسرائيل مقابل ثمن سياسي أعطته الولايات المتحدة لدول مثل المغرب والسودان؛ الوعد ببيع طائرات حربية حديثة لاتحاد الإمارات (الوعد الذي لم ينفذ)؛ شبه اتفاق مع السعودية، التي ثمن التطبيع معها كان وما زال حلف دفاع مشترك مع الولايات المتحدة والمصادقة لها على إقامة برنامج نووي.

لم تكن حاجة إلى الانتظار ستة اشهر من اجل إثبات موت هذا المفهوم أيضا. المقال الرائد الذي نشره الرئيس الأميركي جو بايدن في تشرين الثاني الماضي أدى إلى تحطم المفهوم الذي كان يفترض أن يشكل أساس هذه السياسة، الذي بحسبه تعتبر الولايات المتحدة شريكة كاملة في وجهة النظر الإسرائيلية التي تقول، إنه لا يوجد ولن يكون أبدا – مكان لدولة فلسطينية مستقلة. من غير الواضح في الواقع ماذا سيكون مصير الطلب الذي قدمته في هذا الأسبوع السلطة الفلسطينية لمجلس الأمن، الذي طلبت فيه إعادة النظر في قضية الاعتراف بالدولة الفلسطينية، التي حصلت حتى الآن على مكانة دولة مراقبة وإن لم تكن عضوا كاملا في الأمم المتحدة. يكفي أن نسمع من زعماء لدول أوروبية، لا سيما رئيس الحكومة الإسباني ييدرو شانتشيز الذي أعلن أن حكومته ستعترف بالدولة الفلسطينية في شهر تموز القادم. أيضا زعماء آخرون في الاتحاد الأوروبي لا يستبعدون هذه الفكرة. من هنا يمكن الفهم بأنه في غزة أخذ يتولد اعتراف دولي بالدولة الفلسطينية المستقلة.

حرب مخصصة

ليس فقط في وجه اسرائيل تفجر المفهوم “الفلسطيني”. أيضا الولايات المتحدة لم تتخيل أنها ستضطر إلى مواجهة هذه القضية. بالتأكيد ليس من موقف من ستعطي الرعاية لفكرة الدولة الفلسطينية، بالأحرى أن يتم تقديم فلسطين إلى رأس جدول الأعمال الدولي، حتى أعلى من الحرب في أوكرانيا. غير المعقول الصادم هي أن اسرائيل قد تصرفت بشكل صحيح، ووفق المنطق الذي أملته المفاهيم الخاطئة التي قامت برعايتها. ومن يريدون كبح وانهيار مكانة السلطة الفلسطينية باعتبارها الهيئة التمثيلية الوحيدة، وبالتالي منع أي فرصة لإجراء نقاشات سياسية يمكن أن تؤدي إلى إقامة الدولة الفلسطينية، يجب عليهم العمل على تشكيل هيئة منافسة وموازية تتحدى هذا التفرد.

الحديث يدور عن طريقة قديمة ومجربة، التي دائما انتهت أيضا بكارثة، لكن يوجد لها منطق داخلي. والأصعب من ذلك هو فهم السلوك الذي يناقض المفهوم الذي بني بجهود كبيرة ويستهدف تحطيمه بدون وجود بديل. خلال السنين، اسرائيل قامت بتسويق نماذج متناقضة في كل ما يتعلق بإيران. من جهة، هي اعتبرتها تهديدا وجوديا بسبب المشروع النووي؛ في نفس الوقت، في كل ما يتعلق بالتهديد التقليدي، هي اعتبرت دولة “خائفة” – التعبير المعروف لدرجة المرض – التي لا تريد أن تواجه بشكل مباشر الولايات المتحدة أو اسرائيل أو العالم.

منذ بداية الحرب أظهرت ايران “خوفا نسبيا”، لا سيما في كل ما يتعلق بتثبيت قواعد المواجهة بين “حزب الله” واسرائيل، وفي ما يتعلق بمنع هجمات المليشيات الشيعية ضد الأهداف الأميركية في سورية والعراق. طهران أيضا أوضحت لـ”حماس” ولمنظمات “محور المقاومة” بأنها لن تحارب بدلا منها. هي ستساعد وتمول وتؤيد وتسلح، لكن حتى الحد الذي ستصل فيه الحرب إليها بشكل مباشر. عندما قررت اسرائيل والولايات المتحدة تحويل غزة إلى جبهة رئيسة واستيعاب الجبهة الشمالية، فإن هذا القرار اعتمد على فهم “التصور” الذي بحسبه ايران و”حزب الله” غير معنيين بالحرب الشاملة.

هذا كان مفهوم بوجهين، حيث إن طهران أيضا حصلت على رسائل من أميركا تفيد بأن واشنطن غير معنية بتوسيع الحرب. وحتى الآن من غير المعروف إذا كانت تصفية زاهدي ستؤدي إلى تحطم هذه المعادلة الأساسية. وبالتأكيد غير الواضح هو هل الحكومة الإسرائيلية اعتقدت بأن عملية التصفية لن تؤثر على أسلوب عمل ايران أمامها وأمام الولايات المتحدة بحيث تجد نفسها فجأة في مواجهة ضرورة إعداد الجبهة الداخلية بسرعة بسبب الهجوم الذي بدأت فيه هي نفسها. في المقابل، إذا قدرت بأن الحرب الشاملة ستكون هي النتيجة بالفعل فعندها سيظهر التساؤل لماذا قررت الحكومة أن تضع اسرائيل تحت هذا التهديد الخطير دون إعداد الجبهة الداخلية، في حين أن الجبهة في غزة ما زالت تغلي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى