ترجمات أجنبية

ناشيونال انتريست: ما هي “القيمة المقترحة” التي تقدمها فاغنر في أفريقيا؟

ناشيونال انتريست 3-9-2023، بقلم بيتر فام: ما هي “القيمة المقترحة” التي تقدمها فاغنر في أفريقيا؟

ربما يكون الدفن الهادئ في سانت بطرسبرغ هذا الأسبوع ليفغيني بريغوزين، قد دفن رفات زعيم المرتزقة سيئ السمعة، لكن مجموعة فاغنر التي أسسها لا تزال على قيد الحياة – على الأقل خارج روسيا. وإلى أن تتمكن الولايات المتحدة وحلفاؤها، بما في ذلك الشركاء من المنظمات والحكومات الإقليمية الأفريقية، من توفير بديل موثوق لما تقدمه فاغنر، فإن الجماعة لن تبقى على قيد الحياة بشكل أو بآخر فحسب، بل ستستمر في إحداث الخراب في مساحات واسعة من أفريقيا وأفريقيا. في مكان آخر. ويرجع ذلك إلى أن هناك طلبًا قويًا على ما تقدمه شبكة بريجوزين، رغم أنه قد يكون مستهجنًا.

في حين أن الكثير من التركيز كان في أعقاب الحادث المذهل الذي وقع شمال غرب موسكو للطائرة الخاصة والذي أسفر عن مقتل بريجوزين واثنين من كبار مساعديه وسبعة أشخاص آخرين في الذكرى السنوية الثانية للتمرد الفاشل الذي قامت به فرقة المرتزقة والزحف على الأراضي الروسية. كان رأس المال يدور حول كيفية إسقاط طائرة يفغيني ومن الذي ربما كان وراء حادث لم يعتقد أحد أنه حادث، ولم يتم إيلاء الكثير من الاهتمام للمكان الذي كان فيه رئيس فاغنر قبل وفاته المفاجئة مباشرة.

كما أفاد فريق المشاريع العالمية في صحيفة وول ستريت جورنال لأول مرة، أمضى الزعيم الروسي بلطجي الشوارع الذي تحول إلى مرتزق ما ثبت في نهاية المطاف أنه أيامه الأخيرة في زيارة المواقع الاستيطانية في أفريقيا حيث لم ينشر حوالي 5000 مقاتل متشدد، ولكنه قام أيضًا ببناء جيش إمبراطورية تجارية مترامية الأطراف تتعامل في كل شيء بدءًا من الموارد الطبيعية وحتى المشروبات الكحولية، والكثير منها بشكل غير مشروع. وفقًا لتقرير الصحيفة، توقف بريجوزين في جمهورية إفريقيا الوسطى ومالي، وأثناء وجوده في الدولة السابقة، التقى أيضًا بقادة قوات الدعم السريع من السودان.

من المعلومات التي تلقيتها من كبار المسؤولين السياسيين والأمنيين الأفارقة – بالصدفة، كنت مسافرًا إلى منطقة الساحل في نفس الوقت وناقشت معهم أنشطة مجموعة فاغنر في البلدان المجاورة، حتى قبل أن نعلم بوفاة بريجوزين – وليس فقط هل كان يحاول منع سيطرة الكرملين على شبكته الأفريقية، لكنه كان يحاول بنشاط توسيع عملياتها. حتى أن أحد قادة الأمن قدم لي إحاطة مفصلة عن كيفية استخدام فاغنر لأراضي بلد كان لها وجود فيه لتجنيد معارضي نظامه وتشكيلهم في مجموعة مسلحة يمكن إعادتهم بمجرد تدريبهم لمحاولة الإطاحة به. الحكومة أو على الأقل التسبب في ضرر كبير.

ويفتح مقتل بريغوجين ومساعديه الأبرز  ديمتري في. أوكتين وفاليري واي. شيكالوف في حادث تحطم الطائرة، يوم 23 آب/ أغسطس الماضي، مستقبل فاغنر على سيناريوهات عديدة. بالطبع فإن التخلص من القادة الثلاثة دفعة واحدة يسهّل ما يقال إنه السيناريو الأفضل بالنسبة للكرملين، وهو سيطرة السلطات الروسية على شبكة جماعة فاغنر  بالكامل. لكن هناك سيناريو آخر أقل احتمالاً، وهو أن يؤدي غياب بريغوجين ونوابه إلى ظهور مجموعتين لفاغنر؛ الأولى تسيطر عليها مباشرة وزارة الدفاع الروسية، وربما من خلال جهاز المخابرات الرئيسية الروسي “جي.آر.يو”، والأخرى تحتفظ بإدارتها الذاتية. وربما يكون هذا ما أراد مؤسس المجموعة تأمينه في أفريقيا خلال أيامه الأخيرة. وأخيراً هناك احتمال ثالث، وهو تفكك الشبكة إلى وحدات منفصلة، تتصرف كل منها بشكل انتهازي وفقاً للظروف.

ورغم أن بعض صنّاع السياسة والمحللين الغربيين يأملون في حدوث هذا السيناريو، تقول الخبرات السابقة إن انقسام شبكة فاغنر  إلى وحدات عديدة يمكن أن يؤدي إلى زيادة أنشطتها التخريبية، كما يحدث في الشبكات الإرهابية، وليس إلى تراجعها.

 ورغم أهمية الأسئلة المتعلقة بمستقبل فاغنر، هناك سؤال ربما يكون أهم، وهو لماذا يستمر نجاحها في أفريقيا. والإجابة تكمن في فهم حقيقة الطلب على ما قدمه بريغوجين لأنظمة الحكم في تلك الدول، حيث يظهر أمران أساسيان:

الأمر الأول هو بقاء نظام الحكم. فقبل يومين من مقتله  تحدث بريغوجين، في تسجيل مصور لأول مرة منذ تمرد حزيران/ يونيو الفاشل، وتم بثه عبر قنوات فاغنر على تطبيق التواصل الاجتماعي تليغرام. في خطابه القصير الأخير قال زعيم مرتزقة فاغنر  إن “فاغنر  تقوم بعمليات بحث واستطلاع لكي تصبح روسيا أعظم في كل قارة، وتصبح أفريقيا أكثر حرية، وتحقيق العدالة والسعادة للأمم الأفريقية”.

 ورغم هذا الكلام “الجميل”، فإن القيمة الحقيقية التي تقدمها فاغنر  لأنظمة الحكم في أفريقيا حيوية للغاية، وهي ضمان بقاء نظام الحكم. فباستثناء ليبيا، ومؤخراً السودان، استهدفت فاغنر  الدول الضعيفة والمحاصرة، مثل حكومة أفريقيا الوسطى المعترف بها دولياً. وفي ذلك الوقت بدأ الوجود الروسي على شكل “مدربين مدنيين” روس، في أوائل 2018، وكانوا بالكاد قادرين على تأمين العاصمة بانجي. ثم تنامى وجودهم في الدولة، ولم تعد مليشيات فاغنر تقدم الحماية للرئيس فاوستين أرشانجي تواديرا، وإنما أصبح العملاء الروس لاعبين أساسيين في جهود تأمين فوزه بفترة حكم جديدة في انتخابات 2020 .

ومؤخراً تم نشر هؤلاء العملاء لتنظيم الاستفتاء، الذي أجري يوم 5 آب/ أغسطس الماضي، وقيل إنه أسفر عن تأييد 95% من الناخبين لتعديل الدستور الذي يلغي القيود على عدد فترات الرئاسة ويزيد مدة الفترة الرئاسية من 5 إلى 7 سنوات. ولذلك لم يكن غريباً أن يستضيف الرئيسُ تواديرا زعيمَ فاغنر  في القصر الرئاسي على شاطئ نهر يوبانجي. وما تقوم به فاغنر في أفريقيا الوسطى، تفعله في دول أخرى مجاورة مثل مالي وبوركينا فاسو.

 الأمر الثاني الذي تضمنه فاغنر في مناطق عملها بأفريقيا هو حماية وتعظيم مكاسب النخبة في تلك الدول. ففي تقريرها قالت “وول ستريت جورنال” إن الشبكة الروسية  تساعد النخبة في الدول الأفريقية على بيع الثروات الطبيعية لبلادهم في الأسواق العالمية والتربّح من ذلك، سواء كان نفط ليبيا، أو ذهب مالي والسودان، أو الألماس في أفريقيا الوسطى، مقابل حصول الشبكة الروسية على حصة كبيرة من المكاسب.

ولمواجهة تحدي فاغنر المستمر في أفريقيا، يتعين على الولايات المتحدة وأوروبا وشركائهما الأفارقة، ليس فقط  الانتباه للخطر، وإنما صياغة إستراتيجية للتعامل معه، من خلال فهم ما يجعل هذا العنصر الشرير جذاباً بغضّ النظر عن الشكل الذي يمكن أن يتخذه في المستقبل بعد مقتل بريغوجين، لكي تبدأ به وتقدم البديل له في أفريقيا.

*المستشار الكبير في معهد كراش للدبلوماسية الفنية، والمبعوث الأمريكي السابق لمناطق الساحل والبحيرات العظمى في أفريقيا

Nationalinterest: What is Wagner’s “Value Proposition” in Africa?

مركز الناطور للدراسات والابحاثFacebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى