أقلام وأراء

مهند عبد الحميد: على أبواب العام 2023

مهند عبد الحميد 27-12-2022م: على أبواب العام 2023

يدخل 8 مليارات شخص العام 2023 على وقع مخاطر أمنية واقتصادية وبيئية هي الأسوأ منذ عقود. المخاطر المتعاظمة ناجمة عن مسار وعلاقات النظام الدولي وتحولاته التي أفضت إلى توحش أمني واقتصادي وسياسي وبيئي، أوصلته إلى مسلسل من الأزمات والاختناقات والانفجارات. في هذا السياق، عاد سباق التسلح والعسكرة والانضمام للأحلاف والتهديد باستخدام السلاح النووي، وتعزز اللجوء إلى حل النزاعات بين الدول بالحرب وباستخدام القوة المسلحة كما فعلت روسيا بغزوها لأوكرانيا. في الوقت الذي تصعد فيه قوى اليمين القومي والفاشي وتصل إلى موقع السلطة في أوروبا. في مجمل الأحوال يجري شكل جديد من الاستقطاب وشكل جديد من علاقات القوى.

السؤال الذي يطرح نفسه ونحن على أبواب العام الجديد 2023 هل نحن مقبلون على الانتقال من نظام القطب الأميركي الواحد إلى نظام متعدد الأقطاب يُحدث قطعا مع مسار التوحش الاقتصادي والأمني، ويعود بالفائدة على السواد الأعظم من شعوب العالم؟.

الحرب الروسية الأوكرانية والخسائر البشرية الهائلة والدمار والتشرد الناجمة عنها، والهدر الاقتصادي الضخم على الحرب والتسلح، وهبوط معظم بلدان وشعوب الجنوب إلى أدنى من خط الفقر. كل هذه المعطيات لا تسمح بالاعتقاد أن العالم سينتقل إلى نظام دولي متعدد الأقطاب ينطوي على مستوى من العدالة والانعتاق من الهيمنة الإمبريالية.

مجريات الحرب تقول، إن توحش روسيا – القطب الجديد – سيضاف إلى توحش القطب الواحد، مع أن المطلوب هو الخلاص من التوحش وليس تعميمه أو تقاسمه. انتصار روسيا  في الحرب سيحقق حلم النظام الروسي في بسط السيطرة على شعوب وبلدان جديدة وإخضاعها بالقوة، بعد سيطرته على الشيشان وجورجيا وبيلاروسيا وسورية بالقوة الساحقة  في إطار التنافس مع أميركا والغرب على الهيمنة والنفوذ. هذا يختلف عن حق روسيا كقطب دولي في استقطاب بلدان والتحالف معها على قاعدة حق الشعوب في تقرير مصيرها والانحياز لمصالحها الخاصة والمشتركة مع القطب الجديد.

ولأن النظام الروسي غير ديمقراطي في تعامله مع الشعب الروسي ولأن البنية الأوليغارشية القومية للنظام لا تعترف بحق ودور الشعب الروسي ولا الشعوب الأخرى المستهدفة في الشراكة وفي تحقيق مصالح متبادلة، فإن فوزه سيكرس نوعا جديدا من الهيمنة القائمة على الخنوع والتبعية وعلى إنكار الشركاء. وتكرس في الواقع إنكار حق الشعوب في الحرية وتقرير المصير تشكل في حقبة زمنية طويلة من السيطرة الروسية، ولم يحدث أن تصالحت روسيا مع تاريخها في الهيمنة باستثناء المراجعة التي لم تكتمل تحت مسمى «البيروسترويكا» التي أقرت بوجود نظام شمولي غير ديمقراطي.

الإنكار والتنكر المترافقان مع فشل التجربة دفعا دول وشعوب أوروبا الشرقية إلى الانضمام  للاتحاد الأوروبي فور انهيار الاتحاد السوفييتي، وبعد ذلك انضمت جميع دول أوروبا الشرقية ومعها دول البلطيق إلى حلف «الناتو»، الذي فقد مبرره وكان ينبغي أن يُحل بعد الإعلان عن انتهاء وانهيار حلف وارسو، لكن أطماع الهيمنة الإمبريالية أبقت على حلف «الناتو» وفتحت أبوابه أمام عضوية الخارجين من حلف وارسو.

سؤال: لماذا ذهبت دول وشعوب الاشتراكية إلى النظام الرأسمالي وحلفها العسكري ومنظومتها الاقتصادية؟ لا يمكن القفز عن هذا التحول الدراماتيكي أو تجاهل أسبابه، والاستعاضة عن ذلك بالعمل على استعادة تلك البلدان إلى بيت الطاعة الروسي بالقوة والحسم العسكري. هذا الصراع لا يختزل بالانحياز ضد النظام الإمبريالي التاريخي فقط، فلا يعقل دعم نظام يسعى إلى أن يكون نظاما إمبرياليا بمزايا هابطة وبأشد أشكال الاستبداد وفي إطار علاقات السوق الرأسمالية والنظام الرأسمالي نفسه.

ويمكن التوقف عند احد اهم تجليات صراع النفوذ في إطار النظام الرأسمالي، ممثلا بمكانة  وأدوار إسرائيل في ظل القطب الواحد وفي بداية صعود أقطاب جديدة، ففي لحظة احتدام الصراع بين أركان النظام الرأسمالي بمكوناته القديمة والجديدة حول النظام الدولي الجديد، في هذه الأثناء فاز تحالف نتنياهو مع الكاهانية الفاشية وكانت المحصلة تكريس نظام «أبارتهايد» استعماري لا يعترف بالقانون الدولي ولا بقرارات الشرعية الدولية، ويدعو إلى تصفية القضية الفلسطينية وإنكار الحقوق الفلسطينية المشروعة. حكومة الاحتلال التي تربطها علاقات اقتصادية وأمنية قوية بروسيا وبالصين، فصلت بين علاقاتها المتينة بالدولتين العظميين، عن تنكرها للحقوق الفلسطينية وممارستها للتطهير العرقي. مع فارق بسيط أن روسيا والصين لا تؤيدان المواقف الإسرائيلية بل تؤيدان المطالب الفلسطينية، والتأييد هنا منفصل عن أي محاولة لثني إسرائيل عن انتهاكاتها وجرائمها. كما أن اتفاقات التعاون الإسرائيلية الصينية انطوت على تمرد على الإدارة الأميركية.

والنظام العربي الرسمي ابرم اتفاقاته مع إسرائيل، على خلفية الاتفاق النووي الإيراني، وميز مواقفه من حرب أوكرانيا، وتحالف مع روسيا في منظمة «أوبك» حول أسعار النفط متمردا على الموقف الأميركي. ولكن فائدته من التعدد القطبي تحسن مواقعه وأرباحه كنظام تابع، دون أن ينعكس ذلك على القضية الفلسطينية التي تتعرض للتصفية عبر صفقة القرن سارية المفعول، ودون أن ينعكس على أوضاع الشعوب العربية التي تعاني من أزمات اقتصادية طاحنة كمصر والسودان واليمن ولبنان والأردن. الشيء نفسه ينطبق على استفادة النظام الإيراني في الوقت الذي يبطش بشعبه وبأبسط حرياته، ويستفيد النظام التركي في تعزيز نفوذه الإقليمي وسيطرته كنظام في مواجهة شعبه. الشيء نفسه ينطبق على النظام الهندي.   

عندما تغيب معايير كالحرية والعدالة وحقوق الشعوب، عندما يكون الصراع على النفوذ بين أنظمة ودول من طبيعة واحدة فإن الذي يقطف ثمار الصراع الطرف الأقوى والممثل حتى الآن بالولايات المتحدة التي تعمق سيطرتها على أوروبا ومناطق مختلفة من العالم، وتستفيد أيضا أنظمة البترول والغاز دولار ونظام الملالي الإيراني والنظام السلطاني التركي ونتنياهو وبن غفير ورئيس الحكومة الهندي ناريندرا مودي وغيرهم. مقابل ذلك فإن الشعوب هي التي تدفع الأثمان الباهظة.  

على أبواب العام الجديد، إذا كان من توصية فهي تغيير طريقة التفكير، بعيدا عن إجابات نمطية جاهزة، تعزز التنميط، في ظل عالم متغير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى