أقلام وأراء

مهند عبد الحميد: الـمـعـركـة الإعـلامـيـة

مهند عبد الحميد 2023-11-21: الـمـعـركـة الإعـلامـيـة

منذ 7 أكتوبر الماضي برز دور الإعلام كرافعة للمواقف السياسية وحرب الروايات التي ساهمت في تحشيد مواقف الدول والشعوب.

في البدء احتدمت معركة إعلامية كانت اليد الطولى فيها لدولة الاحتلال وداعميها.

فقد رُوّجت رواية إسرائيلية في معظم إمبراطوريات الإعلام العالمية، رواية قدمت خطراً مصدره «حيوانات بشرية» يهدد وجود إسرائيل برمته، نجم عنها موقف دولي لسان حاله التعاطف والتضامن مع إسرائيل ومنحها «الحق في الدفاع عن نفسها وعن شعبها».

ومنذ الغارات الأولى التي استهدفت قطاع غزة بدأ الفلسطينيون الأبرياء يتساقطون وتُدمر منازلهم ويشردون.

الرواية الإسرائيلية ومؤيدوها وداعموها رفضوا التوقف عند أسباب وسياق الانفجار الفلسطيني الذي بلغ ذروته في طوفان 7 أكتوبر.

وانسجاماً مع رفض السياق جرى غض الطرف عن الضحايا الأبرياء وبخاصة من الأطفال الفلسطينيين الذين شرعت آلة الحرب الإسرائيلية بحصدهم بلا رحمة، واكتفى أصحاب الرواية الإسرائيلية وأنصارها بتحميل مسؤولية موتهم لحركة حماس التي تستخدمهم دروعاً بشرية بحسب زعمهم.

المدافعون عن منظومة القيم الإنسانية والحقوقية الذين تضامنوا مع مدنيين إسرائيليين فقدوا حياتهم، اصطدموا بضغوط شديدة بسبب تضامنهم مع الضحايا الفلسطينيين المدنيين وجلهم أطفال.

خسرت الرواية الإسرائيلية وداعموها، عندما جرى التمييز بين دم ودم وبين مدنيين ومدنيين وبين عرق وعرق.

وخسرت دول الغرب وإمبراطورياتها الإعلامية المؤيدة للرواية الإسرائيلية مصداقيتها عندما تعاملت بمعايير مزدوجة مع القانون الدولي ومنظومة القيم وحقوق الإنسان.

فهي تدين الانتهاك الروسي في أوكرانيا وتمارس سياسة عقوبات صارمة ضد روسيا، وتقدم كل أشكال الدعم للضحايا الأوكرانيين، وفي الوقت نفسه لا تمارس أي شكل من أشكال العقوبات ضد الانتهاكات والجرائم الإسرائيلية، وتكتفي بإبداء الملاحظات، وبدعوة اسرائيل إلى الالتزام بالقانون الدولي الإنساني، وهي تعلم أن إسرائيل لا تلتزم بالقانون الدولي.

وزراء إسرائيليون وأعضاء كنيست دعوا إلى ضرب قطاع غزة بقنبلة نووية ومسحه عن الوجود أو إعادته إلى العصر الحجري.

إعلاميون وجنرالات وشخصيات عامة، طالبوا بقتل الفلسطينيين دون تمييز بين صغير أو كبير مقاتل أو مدني، وطالبوا بضرب أي هدف فلسطيني سواء كان مستشفى أو مدرسة أو أي شيء متحرك، طالبوا بإبادة شعب.

هؤلاء ومعهم رئيس الحكومة الذي طلب من كل سكان غزة المغادرة إلى الخارج، وزراء ومستوطنون طالبوا الشعب الفلسطيني بالهجرة خارج فلسطين.

هؤلاء كانوا جزءا من الخطاب الإعلامي الإسرائيلي وجزءا من الرواية الإسرائيلية.

السؤال، كيف تعامل الخطاب الإعلامي الفلسطيني معهم؟ هل أعد الإعلام قائمة سوداء بأسمائهم للرأي العام، وطالب برفع قضايا بحقهم.

هل عرَّف الرأي العام العالمي برسل العالم الحر الذائدين عن الحضارة في مواجهة الهمجية الفلسطينية!  

الحرب الإعلامية تطال المصطلح والتسميات، تسمى الحرب حرب إسرائيل – حماس، والحرب الإسرائيلية على غزة، الحرب على الإرهاب.

وهذا له مدلول خطير كونه يفصل قطاع غزة عن فلسطين، مع أن الحرب تطال الشعب الفلسطيني برمته وتمتد تحديداً إلى الضفة الغربية، وتمس جوهر القضية الفلسطينية.

إنها حرب عدوانية غير مشروعة وتعادل نكبة جديدة للشعب الفلسطيني.

وهي تعبير عن اعتماد الحسم العسكري كأسلوب وحيد لحل الصراع خلافاً لقرار مجلس الأمن 242 الذي استندت إليه اتفاقات السلام والذي ينص على أن الصراع لا يحل بالقوة بل بالوسائل السلمية – التفاوض -.

الرواية الإسرائيلية لم تقل لماذا لجأت التنظيمات الفلسطينية إلى المقاومة، ولماذا نشأت ظاهرة العمليات الفردية الدهس والطعن وإطلاق النار.

لم تقل دولة الاحتلال إنها أفشلت العملية السياسية مع سبق الإصرار وإنها تستبيح أراضي وحقوق وموارد الشعب الفلسطيني وتقمعه وتذله وتضعه أمام خيار التمرد على العبودية أو القبول بها والتسليم بعلاقة أسياد عبيد.  

مهمة الإعلام الأولى المطالبة بوقف العدوان والتدمير والتهجير في قطاع غزة ووقف أعمال القتل والاستباحة في الضفة والقدس ووقف إرهاب جماهير 48 ومنعها من التعبير والتضامن مع شعبها، والمطالبة بالبحث الدولي الجاد في كيفية خلاص الشعب الفلسطيني من الاحتلال.

إنهاء احتلال أراضي 67 وتمكين الشعب الفلسطيني من تقرير مصيره بحرية، إنهاء الاحتلال ينزع فتيل الانفجار والعنف والكراهية، ويرسي أساساً للتعايش والاستقرار بين شعوب المنطقة.

أما خيار الحسم العسكري الذي يروج له الخطاب الإعلامي الإسرائيلي فلا يصنع غير الموت والدمار والكراهية والعزلة.

وقد صنع العدوان الإسرائيلي فعلاً فصولاً من نكبة جديدة للشعب الفلسطيني، يكفي النظر إلى ما فعلته الدبابات والطائرات والمدافع الإسرائيلية من دمار أرسل 1.6 مليون مواطن إلى الخيام أو القبور، بعد أن دمر منازلهم ومتاجرهم ومزارعهم وأفرانهم، وبعد أن أخرج مستشفياتهم ومدارسهم من الخدمة إلى غير رجعة.

يحدث ذلك برسم نظام دولي عجز عن بقاء المستشفيات تعمل، وقد فاق عدد الجرحى 27 ألف جريح، وعجز عن فرض احترام القانون الدولي أثناء الحرب، اتفاقات جنيف وبروتوكولاتها وحقوق الإنسان وحق الأطفال بالحياة.

في الحرب الإعلامية، الإعلام يُعرِّف بعناصر القوة حيثما وجدت، بشجاعة وتفاني مقاتلين تصدوا لدبابات الغزو، وبشجاعة إعلاميين وإعلاميات استشهد منهم 60 إعلاميا وإعلامية أثناء كشفهم وحشية العدوان ونقلهم عذابات شعبهم الذي يتعرض لأبشع مقتلة.

ويثمن عالياً دور إعلاميين أثروا في الرأي العام العالمي وفي مقدمتهم الإعلامي المصري باسم يوسف، ويثمن دور الفنانة الأميركية الفلسطينية بيلا حديد التي حركت الملايين بموقفها المدافع عن ضحايا غزة، ويثمن دور الإعلامية المصرية المشتبكة مع التضليل الإعلامي رحمة زين وغيرهم كثر.  

والإعلام يعرف بالجيش الأبيض الرائع المتفاني في علاج المصابين داخل المستشفيات وفي سيارات الإسعاف، وبالمنقذين رجال الدفاع المدني الميامين الذين عملوا على مدار الساعة لإنقاذ أبناء شعبهم من تحت الدمار.

وفي الحرب الإعلامية ينتقد الإعلام الأخطاء والقصور من أجل تصويب الأخطاء في الوقت المناسب، فلم يُحسن الإعلام صنعاً في تعامله مع استهداف المهاجمين والمقاومين الفلسطينيين لمدنيين إسرائيليين يوم 7 أكتوبر، كان المطلوب من الإعلام كشف التزوير والمبالغة أولاً، ونقد الانتهاكات الفردية التي قام بها البعض خلافاً لتعليمات قيادة المقاومة. المس بالمدنيين مسألة مبدئية وحساسة، فقد كسبت إسرائيل الرأي العام في الأسبوع الأول بسببها، وقد تغير الرأي العام لمصلحة الشعب الفلسطيني بسبب الجرائم التي ارتكبتها آلة الحرب الإسرائيلية ضد المدنيين والأبرياء الفلسطينيين.

لا ينبغي الخوف من النقد في هذه المسألة وفي غيرها بذريعة أن الوقت لم يحن بعد، بالعكس هذا هو الوقت المناسب للنقد.

القضية الأخرى التي ينبغي للإعلام التوقف عندها هي دعم قطاع غزة بالأموال كأولوية، فقد خفضت دولة الاحتلال حصة غزة من أموال المقاصة، 600 مليون شيكل، ورفضت المالية استلام الباقي احتجاجاً على هذا الاقتطاع، وقد مضى على غزة المدمرة 50 يوماً دون استلام الاحتياجات الأساسية من الأموال.

وكانت القمة العربية قد وعدت بشبكة أمان لتعويض القرصنة لكن الوعد بقي حبراً على ورق.

هل من الصعب توفير الأموال للصحة والتعليم والشؤون الاجتماعية، وبماذا يمكن تفسير استمرار الحصار والعقوبات المالية في أصعب الظروف وأخطرها في الوقت الذي تنهال فيه الأموال على دولة الاحتلال.

 

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى