أقلام وأراء

مهند عبد الحميد: أولويات في زمن الحرب

مهند عبد الحميد 2023-11-07أولويات في زمن الحرب

تتعامل إدارة بايدن الممسكة بقرار الحرب، مع حياة 2.3 مليون فلسطيني باستهتار منقطع النظير. يشهد على ذلك استمرار جرائم القتل الجماعي للأبرياء بوتائر أكبر وأسرع، واستمرار العقاب الجماعي بأبشع صوره.

في هذه الحرب الوحشية يشهد العالم انفراد إدارة بايدن في رفض وقف إطلاق نار لمدة وجيزة يتم خلالها نقل الجرحى المهددة حياتهم إلى المستشفيات الميدانية واستخراج جثث الضحايا من تحت الدمار، وإعادة ترميم المستشفيات التي تعرضت للقصف.

المبرر الذي تسوقه إدارة بايدن في رفضها وقف إطلاق النار لهدنة قصيرة الأمد يحتاج إلى وضع العقل جانبا كي يجري تفسيره. كالقول، إن الوقف يفيد «حماس». وعلى افتراض أن يوما أو يومين من الهدنة يفيد «حماس»! فلماذا يتم تجاهل أن الهدنة تفيد 2.3 مليون شخص هم بأمس الحاجة إليها لتضميد جراحهم على أقل تقدير.

إدارة بايدن تنحاز أيضا للموقف الإسرائيلي في رفض إدخال الوقود إلى المستشفيات التي خرج 16 مستشفى منها من الخدمة بفعل القصف الإسرائيلي ونفاد الوقود الضروري لتشغيل أجهزة العناية الفائقة والعمليات، متعللة بأن «حماس» ستضع يدها على الوقود الذي من شأنه تعزيز صمودها في المعركة. لماذا لا تزود مستشفيات قطاع غزة بالوقود وسائر الاحتياجات الطارئة، بمثل ما سمح للمستشفى الأردني الميداني بالتزود. علما أن الصليب الأحمر وأي مؤسسة دولية تستطيع الإشراف على استخدام المستشفيات الحصري للوقود والمعدات الأخرى، وتستطيع منع استخدام «حماس» المزعوم للمستشفيات في مواصلة عملياتها العسكرية.

يقف خلف العدوان الإسرائيلي المتكرر على المستشفيات والمطالبة المتكررة بإخلائها، سياسة التطهير العرقي والتهجير الجماعي الفلسطيني من المكان، التهجير من الشمال إلى الجنوب والتهجير خارج القطاع ذلك المشروع الذي ما زال قيد التداول والفعل بذريعة إزالة خطر وجودي يتمثل بوجود 2.3 مليون فلسطيني في وطنهم الذي ليس لديهم وطن سواه. وكما جاء في الـ»نيويورك تايمز» إن «إسرائيل حاولت سرا حشد دعم دولي لإعادة توطين مئات الآلاف من قطاع غزة في مصر باعتبارها مبادرة إنسانية لدرء المخاطر لكن معظم الحلفاء رفضوا هذا الاقتراح».

حرب التدمير والقتل التي سمتها عضو الكونغرس الأميركي رشيدة طليب حرب الإبادة تشن على قطاع غزة، تفسر انفصال قادة الحرب وسياسات الحرب عن القانون الدولي الإنساني،  بتأييد ودعم أميركي وبعض الدول الغربية وبالضد من إرادة المجتمع الدولي التي عبرت عن رفضها للعدوان الإسرائيلي وطالبت بوقفه فورا.

مرة أخرى وفي كل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية تتحكم الأقلية الدولية بالقرار الدولي وتكبح على الدوام إرادة الأغلبية، معبرة عن إفلاس سياسي وأخلاقي ومنتصرة لغطرسة القوة وللعدوان. وعندما لا تستطيع الأكثرية تفعيل قراراتها المنسجمة مع القانون الدولي ومع حاجة الشعب الفلسطيني للحرية والسلام، يتبدى النظام الدولي فاشلا في تأمين الحماية للأطفال والأبرياء والمستشفيات وسيارات الإسعاف كأضعف الإيمان. وعندما تكرس الأقلية بقيادة أميركا تأمين حماية مدنيين إسرائيليين يتعرضون لخطر ضعيف ومحدود أثناء الحرب، ولا تكترث بتأمين الحماية لـ 2.3 مليون فلسطيني يتعرضون لخطر قاتل ولأشكال من الإبادة، فهم يساهمون في نزع ثقة الشعوب بالنظام الدولي ويهيلون التراب على ميثاق الأمم المتحدة.

استخدام القوة والقوة المفرطة «الإبادة» يؤدي إلى كارثة لا يمكن التعايش معها محليا وإقليميا وعالميا، طوال الوقت اختار المستعمرون الطريق المسدود وأنتجوا المعاناة والكراهية والعنف بأشكاله المتنوعة، اختاروا سياسة اللاحل أو هندسة حل يقصي الآخر ويقود باستمرار إلى الانفجار. يعتقد أقطاب اليمين الفاشي الإسرائيلي أن 7 أكتوبر قدم فرصة سانحة لتصفية القضية الفلسطينية بالتدمير والتهجير، قافزين عن واقع أن هذا الهدف العدمي الإجرامي يتناقض مع المصالح الإقليمية المتداخلة لشعوب ودول المنطقة، وفي الجهة الأخرى يتجاهلون أن التدمير والتهجير وتصفية القضية الفلسطينية بالقوة الغاشمة تهدد بانفراط الحلف الأميركي الإسرائيلي مع العديد من الدول العربية. السياسة العدمية تؤسس لمرحلة من اللااستقرار  والانفجارات التي ستعيد إسرائيل إلى خيار إسبرطة معزولة ومحاطة بشعوب معادية. ولن تُقابل إسرائيل الخارجة من حرب إبادة وتهجير إلا بالازدراء والعزل ولن تكون عضوا طبيعيا في مجتمع دولي. ثم كيف يتعايش 20% من مواطنيها العرب والجزء الرافض للإبادة والتهجير من الإسرائيليين اليهود مع دولة أياديها ملطخة بالدماء وجرائم الحرب.  

انكشفت إسرائيل في هذه الحرب وبدأ التحول في مواقف الدول، وتعاظم التضامن الشعبي العالمي مع الشعب الفلسطيني في غزة. رغم ذلك لا يزال الخطاب الإسرائيلي التحريضي حاضرا. يقول عرفان فارد في صحيفة «إسرائيل اليوم» 3/11، «نواجه أيديولوجية متعصبة تهدد وجود إسرائيل وتقوض مبادئ التعايش السلمي وحقوق الإنسان والقانون الدولي والقيم الديمقراطية الإسرائيلية. ويرى تناقضا صارخا بين التزام إسرائيل بالمبادئ الديمقراطية، وبين سعي (حماس) إلى تحقيق أهداف متطرفة بالإرهاب». هل كل هذا القتل والتدمير وترويع الأبرياء و10 آلاف ضحية نصفهم من الأطفال و30 ألف مصاب وغير ذلك يترجم الالتزام الإسرائيلي بالمبادئ الديمقراطية!! من يصدق؟؟   

تقول يوميات العدوان وحصادها اليومي، إن القوات المعتدية تتعامل مع المواطنين الفلسطينيين وقودا للمعركة مستخدمة العدد الكبير من الضحايا كوسيلة ضغط من اجل تحقيق أهدافها. مقابل ذلك يتقاعس النظام الدولي في توفير الحماية، وتعجز الدول العربية المرتبطة باتفاقات تطبيع مع دولة الاحتلال عن وقف نزيف الدم المتفاقم. في الوقت الذي لم تضع فيه فصائل المقاومة بند حماية المدنيين وتحديدا الأطفال أثناء استعدادها الطويل للمعركة. وإذا كان من الطبيعي أن صمود المقاومة وإطالة أمد الحرب يخدم صمود تنظيمات المقاومة. إلا أن ذلك يطرح سؤالا مفاده: كيف السبيل إلى تعطيل الاستخدام الإسرائيلي لموت وإصابة الآلاف من الأبرياء واستخدامهم كوقود للمعركة؟. من البديهي أن المقاومة وجدت للدفاع عن شعبها وحمايته ورفع معاناته والتقليل من خسائره. ولا يمكن قلب المعادلة كالقول، إن الشعب يفتدي المقاومة بأرواحه. قد ينطبق افتداء المقاومة طوعا على الفئات العمرية 18 سنة وحتى 70 أما الأطفال فشأن آخر. لا يوجد في الخطاب السياسي الذي يتحدث عن سير المعارك والإنجازات كلمة واحدة عن خطط ومساعٍ ومبادرات لحماية المواطنين والتخفيف من آلامهم. مسؤولية حماية المدنيين مسؤولية مشتركة للمنظمة والسلطة والمقاومة والمعارضة. مسؤولية تبدأ بفتح افق سياسي وتحويل الصراع من صراع ضد خطر الإرهاب إلى صراع ضد الكوارث التي صنعها الاحتلال، لصراع من اجل إنهاء الاحتلال. والتحول من الحسم العسكري في معركة واحدة إلى الحل السياسي المحدد بالزمان والأهداف.   

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى