ترجمات عبرية

معاريف: شلال الدم في الوسط العربي هو نتيجة إهمال تاريخي

معاريف 17-6-2023، بقلم ران ادليست: شلال الدم في الوسط العربي هو نتيجة إهمال تاريخي

الارقام تتكلم: منذ بداية السنة أكثر من مئة من المواطنين العرب، وأصيب آلاف وتأذى عشرات آلاف الأطفال من بنين وبنات بالصدمات النفسية، مثل أطفال بلدات الغلاف في غزة… والعد يتواصل. في الفترة الموازية، تعرضت حكومة التغيير لأكثر من ثلاثين من القتلى، ومال الرسم البياني إلى الأسفل، مقابل حكومة الفم (نتنياهو وبن غفير) حوافر (لجنودهما في الميدان).

كل هذا معروف ظاهراً، قيل وحلل، لكن في عناصر حوار الطرشان الحالي، لا تزال حاجة لوصف دقيق من ضد من في هامش العلاقات حيال ومع وسط عرب إسرائيل؛ بما في ذلك النزول إلى التفاصيل الدقيقة التي تفحص مع أي يهود وأي عرب نحن نتعامل، وما هي مساهمة كل جماعة فرعية في الوضع الحالي. أحداث القتل التي تشارك فيها منظمات الجريمة هي موضوع تجاري أكثر مما هي عقلية عربية مثل القتل على خلفية “شرف العائلة”.

وفقاً للانطباع على المستوى الفولكلوري، يخيل أن اليد العربية أرشق على الزناد مما في الوسط اليهودي أو في الجماعات اليهودية الفرعية التي يعدّ فيها التفسير لـ “شرف العائلة” محفزاً للعنف. معالجة الشرطة لإطلاق النار منفلت العقال لا توجد صلة بالمشاكل الأساسية التي ينبع منها تصويب النار العربي الداخلي، مثلما لا توجد علاقة بين حل ألغاز حالات القتل في الوسط اليهودي واستمرار ظاهرة القتل في الوسط اليهودي.

نبع الدم المتزايد في الوسط العربي الإسرائيلي هو نتيجة مباشرة لتجاهل تاريخي من جانب الوسط اليهودي – الإسرائيلي لوضع الوسط العربي، زائد التمييز. يدور الحديث عن تاريخ أمني كان واجب الواقع الهش بعد حرب الاستقلال، وقد جر لاحقاً دون مبرر أمني إلى السبعينيات، واستبدل بتاريخ من الخوف من الشيطان العربي – ثمرة العقل القومي السام لليمين في إسرائيل منذ صعوده إلى الحكم وبخاصة منذ صعود بنيامين نتنياهو.

هذا هو تفسير التلويح بإقحام “الشاباك” كأداة مطلقة لحل المشكلة. “أصر على إقحام الشاباك فوراً”، قال نتنياهو في مستهل جلسة الحكومة هذا الأسبوع. يدور الحديث عن حيلة راهنة للتحلل من المسؤولية عن الوضع ومدخل لخطر مفزع جداً. وقال المفتش العام الأسبق موشيه كرادي، في أخبار 12 إن “الشاباك لن يكشف ما لديه حين يكون بن غفير في الغفرة و… لا يمكنني أن أفصل”.

ولهذا نحن هنا، كي نفصل. عندما يكون الناس عديمو الكوابح عرضة لوسائل التسلل التي ستنتج معلومات شاملة، بما فيها المعلومات الحميمية، فلن يترددوا في استخدامها ضد المعارضة، سواء كانت اليسار الخائن أم اليمين الذي صحا من الغفلة، وماذا يدريكم، فإن لديهم إسناداً من رئيس وزراء هو رهينة معني بالإفلات من رعب الحبس.

الاستعداد للانتخابات المحلية

إذا كان بيبي وشركاؤه لا يترددون في الابتزاز والتهديد، فليس للمستوطنين المسيحانيين أي قيد، وسنحصل حتماً على ما تقرأونه هنا: إقحام “الشاباك” في دولة شرطة ظلامية. وثمة منتوجات فرعية: إن إقحام “الشاباك” في أعمال الإنفاذ الشرطي في إدارة العصبة المنفلتة الحالية معناه إعادة الأحزاب الدائرة في فلك مباي في الخمسينيات والستينيات، وقمع أحزاب “العدو الداخلي” وفقاً للمعايير الحريدية الدينية. نحن نتعامل مع نماذج شابة، مصممة وماراثونية مثل الآباء المؤسسين للمستوطنين الذين فكروا بعيداً منذ قبل خمسين سنة، ووصلوا إلى أقرب مسافة من مفترقات الحسم في إدارة الدولة.

لقد تسلل معتمرو الكيبات حتى الكابينت، حيث يقفون اليوم في موقف الضغط المطلق على رئيس الوزراء: بدوننا لا حكومة لك يا بيبي؟ ظاهراً، كلنا بشر، ثمة تاريخ وإحصاءات، ويمكننا أن نفهم إنساناً في وضع نتنياهو. عملياً، هذا متعذر. كل شيء ينهار حوله: السياسة، العائلة، الإرث، العلاقات الشخصية والاجتماعية.

وماذا إذا كان ما يحركه عندما يتحرك كالسكران بين جزر الخرائب التي انهارت عليه، غريزة منفلتة لا يمكن التحكم بها تتمثل بـ “بعدي الطوفان”؟

ولعل هذا هو تفسير ابتسامته الصفراء حين يتملص بالصمت من الأسئلة التي تنهال عليه، وترتبط هذه الابتسامة بعيني بن غفير المتراكضتين لتخلص ثنائياً من الجحيم، تجتذب إليه ثلة مشاغبين ومتهكمين، وسراقين ومسيحانيين، ومخادعين وعديمي الكوابح كنوع من المناجاة الشكسبيرية.

هكذا نفهم الدفعة باتجاه إقحام “الشاباك” وإقامة حرس قومي. السبب الأساس بالنسبة لبن غفير وبتسلئيل سموتريتش ليست الجريمة في الوسط العربي (“أغيار يقتلون أغياراً” على طريقة بيغن، أليس كذلك؟) بل الاستعداد للانتخابات المحلية في نهاية تشرين الأول. هدفهم جمع أصوات الرعاع اليهودي وتفعيل أنوية الاستفزازيين في المدن المختلطة. وبالتوازي، سيجرى تسويق لـ “الخطر الداخلي” لجمهور مشوش في ظل إدارة الاستفزازات، مثلما حصل في اللد في “حارس الأسوار”.

نموذج للحياة المشتركة

ظاهرة سدوم وعامورة تتجلى بالفعل، ولكن مع ظل أمل مسنود بالواقع: حرب نتنياهو وبن غفير وسموتريتش ضد عرب إسرائيل هي حرب أخيرة ضد الواقع الذي هو أقوى من الأحلام العابثة لليمين الظلامي، التي هي كابوسنا الراحل. الطبقة الوسطى العربية لا تنتظر الميزانيات بل تعتمد على نفسها. جولة قصيرة في شوارع ميناء حيفا ترسم صورة مئات الشبان والطلاب العرب واليهود يعيشون حياة جماعية، وكأن بن غفير مجرد دمية منفوخة في مكان ما على هامش الحياة.

وإذا كانت حيفا هي النموذج للحياة المشتركة، فهناك تجري التسوية المستقبلية. عرب القرى ينتقلون إليها بجموعهم. بسبب العنف أيضاً، ولكن أساساً بسبب الأجواء التقليدية التي تثقل على الشباب. هم يشترون الشقق والبيوت، ويفتحون المصالح التجارية، ويدخلون إلى مهن الخدمات – من الصحة والمواصلات حتى المطاعم والتكنولوجيا العليا – وثلثا أبناء حيفا العرب انتقلوا للتعليم في جهاز التعليم المستقل.

بينما شباب يهود إسرائيل يقتلون في خيام التوراة، وفي استحكامات الحراسة ومطاردات الصيد، بينما يقبل الشباب العرب على مؤسسات التعليم العالي ويتموضعون في تيار الحياة المدني. علم العنصرية في حيفا يرفعه الحريديم الذين يبقون رئيس البلدية بين المطرقة الحكومية التي تمنع الميزانية وبين السندان الائتلافي. لا يوجد اليوم مسؤول عربي في بلدية حيفا، وللتو منع الحريديم انتخاب مديراً عاماً من العرب.

يدور الحديث عن مواجهة؛ فمثلما للمستوطنين، للعرب أيضاً قوة وصبر. إذا كان أفراد الشرطة ينزعون بضعة أعلام فلسطين قليلة في المظاهرات في حيفا، ففي يوم الأرض رفعت بلدة سخنين مئات الأعلام، في حين حك أفراد الشرطة رؤوسهم وكتفوا أيديهم.

ثمة بارقة أمل أخرى، وهي شرارات شراكة المصير لعرب إسرائيل مع الجماعية الليبرالية – الديمقراطية في مظاهرات الاحتجاج. لا أدري إذا ما وكيف سيؤثر إضراب تضامن عرب إسرائيل مع الإضراب الاقتصادي الذي تخطط له حركة الاحتجاج (إذا واصلت الحكومة جنونها). أعرف أن إضراباً مشتركاً من هذا القبيل سيشل الاقتصاد وسيجعل يوم الإضراب يوم الغفران للحكومة.

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى