#شؤون مكافحة الاٍرهاب

محمد فوزي: لماذا تنامى نهج هيئة تحرير الشام في مواجهة داعش؟

محمد فوزي 4-9-2023: لماذا تنامى نهج هيئة تحرير الشام في مواجهة داعش؟

محمد فوزي
محمد فوزي

أكد تنظيم داعش الإرهابي في تسجيل صوتي للمتحدث الرسمي الجديد باسمه أبي حذيفة الأنصاري، في 3 أغسطس الجاري (2023)، مقتل زعيمه الرابع أبي الحسين الحسيني القرشي [1]، وهو الخبر الذي كان قد أعلنه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في 29 أبريل الماضي. لكن رواية التنظيم كانت مخالفة للرواية التركية، حيث أعلن المتحدث باسم التنظيم أن القرشي قُتل في مواجهات مع هيئة تحرير الشام في منطقة إدلب، مضيفاً أن الاشتباكات أسفرت أيضاً عن اعتقال المتحدث الأسبق باسم التنظيم أبي عمر المهاجر، وأن “أهل الحل والعقد بالتنظيم استقروا على اختيار القيادي بالتنظيم أبي حفص الهاشمي القرشي كزعيم جديد لداعش”.

وبعيداً عن ملابسات قضية مقتل زعيم داعش الرابع، وحيثيات تأخر الإعلان عن ذلك من قبل التنظيم – على عكس العادة – وما يرتبط بها من دلالات تُشير إلى حالة التأزم البنيوي التي يعيشها داعش، فضلاً عن سياق وطبيعة تنصيب قائد جديد للتنظيم، إلا أن طبيعة التفاصيل المعلنة وطبيعة الأوضاع الميدانية في منطقة الشمال السوري، تؤكد ضلوع هيئة تحرير الشام بدور مباشر (اشتباكات مع داعش) أو غير مباشر (دعم القوات التركية بمعلومات استخباراتية) في عملية اغتيال زعيم التنظيم، وهو أمر مفهوم في ضوء جملة من الاعتبارات، وعلى رأسها طبيعة العلاقة التنافسية والصراعية بين الهيئة وداعش في منطقة الشمال السوري.

مشاركة الهيئة في عملية الاغتيال

أعلن المتحدث باسم تنظيم داعش أبو حذيفة الأنصاري مقتل زعيم التنظيم الرابع أبي الحسين الحسيني القرشي في اشتباكات في محافظة إدلب مع هيئة تحرير الشام، لكن الهيئة بدورها نفت ذلك [2]، مؤكدةً أنها كانت ستعلن ذلك بنفسها حال تنفيذها للعملية. وبعيداً عن ملابسات وحيثيات العملية، فإن هناك جملة من الاعتبارات التي تدفع باتجاه تأكد ضلوع هيئة تحرير الشام بدور في عملية اغتيال زعيم تنظيم داعش، وأن نفي الهيئة ضلوعها في العملية يمثل مناورة منها، لتجنب بعض السيناريوهات المرتبطة بحساباتها في منطقة الشمال السوري.

 ويمكن بيان الاعتبارات التي تؤكد ضلوع هيئة تحرير الشام بدور في عملية اغتيال القرشي، وذلك على النحو التالي:

 1- يوجد سيناريوهان رئيسيان فيما يتعلق بعملية مقتل زعيم تنظيم داعش الرابع: الأول يتمثل في قتله على يد هيئة تحرير الشام في اشتباكات مباشرة بين الجانبين. والثاني ينصرف إلى تقديم الهيئة معلومات استخباراتية للقوات التركية أدت إلى اغتياله، خصوصاً وأن المتحدث باسم تنظيم داعش أشار في تسجيله الصوتي إلى أن “الهيئة نفذت ذلك لحساب المخابرات التركية”. كذلك فإن وقوع عملية الاغتيال في منطقة إدلب الخاضعة لسيطرة الهيئة بشكل شبه كامل يعزز من فرضية تنفيذها للعملية أو ضلوعها بدور كبير فيها.

ويُمكن فهم الأسباب التي تدفع إلى ترجيح ضلوع هيئة تحرير الشام بدور كبير في عملية اغتيال زعيم داعش، من خلال بيان طبيعة علاقتها الحالية بتنظيم داعش، وهو أمر يقتضي تسليط الضوء على طبيعة نشأة الهيئة ومراحل تطورها، حيث نشأت الهيئة من رحم عسكرة الاحتجاجات التي خرجت في سوريا عام 2011، ففي تسجيل صوتي في 24 يناير 2012، بعنوان “شام الجهاد” تم الإعلان عن تأسيس “جبهة النصرة لأهل الشام” بقيادة أبي محمد الفاتح الجولاني، كأحد الأفرع القاعدية في المنطقة، وكانت في ذلك الوقت تعمل جنباً إلى جنب مع الجيوب الأولى والمؤسسة لتنظيم داعش في سوريا، وكانت الولايات المتحدة قد صنفتها في ديسمبر 2012، على أنها تنظيم إرهابي، واعتبرتها امتداداً للفرع العراقي للقاعدة الذي كان معروفاً بـ “دولة العراق الإسلامية”.

ومع التوسع الكبير في نفوذ هيئة تحرير الشام “جبهة النصرة في ذلك الوقت” وتحقيقها نفوذاً ميدانياً كبيراً في مناطق الشمال السوري، وبناءها اقتصاديات وهياكل عسكرية قوية، وجاء ذلك بالتزامن مع توحش “دولة العراق الإسلامية” وإعلانها فيما بعد الانفصال عن القاعدة في عام 2013، وإعلان قيام تنظيم داعش، بدأت الخلافات بين الجانبين في الخروج إلى النور، وقد ظهر هذا الخلاف بشكل علني في أبريل 2013، عندما  ادعى القائد السابق للتنظيم الأخير أبو بكر البغدادي أن “النصرة تأتمر بأمره وأصبحت تابعة له” في كيان جديد اتخذ اسم “الدولة الإسلامية بالعراق والشام” وسُمى اختصاراً “داعش”. بينما رفض أبو محمد الجولاني هذا الإعلان وجدد صلته وولائه لتنظيم “القاعدة” العالمي ورفض التبعية للكيان الجديد أو الانضواء تحت زعامة البغدادي.

ويمكن القول إن هذه الخلافات وتباين الاتجاهات بين النصرة سابقاً من ناحية وداعش من ناحية أخرى، يرجع في أسبابه إلى تباين المرجعيات الفقهية للطرفين، حيث أن داعش بقيادة البغدادي كان يستند إلى مرجعيات فقهية تستند إلى أطروحات أبي عبد الله المهاجر، في الوقت الذي تستند فيه النصرة بقيادة الجولاني إلى أطروحات أبي مصعب السوري، فضلاً عن تباين الاستراتيجيات العملية لكلا الطرفين، إذ أن داعش كانت تتبنى مبدأ “الجهاد العالمي”، في الوقت الذي يرى فيه الجولاني وتتبنى فيه النصرة مبدأ “الجهاد المحلي”.

 وقد دفعت هذه الاعتبارات والمتغيرات في مجملها إلى حدوث صدام كبير بين الجانبين في السنوات اللاحقة، حيث شهدت الأراضي السورية عشرات المواجهات المسلحة بين الألوية التابعة للتنظيمين، ما يعني عملياً أن هيئة تحرير الشام لها مصلحة كبيرة في استهداف قادة داعش في مناطق سيطرتها، لما يمثله حضورهم من تهديد لنفوذها.

2- في يناير 2017، أعلن أبو محمد الجولاني عن تغيير اسم الجبهة إلى “هيئة تحرير الشام” وبدأ في اتخاذ خطوات تركز على البعد عن “القاعدة” على المستوى الخطابي وكذا العملي، حتى أن هذه الفترة شهدت سلسلة من الاغتيالات للجناح المتشدد داخل الهيئة الذي يرفض الابتعاد عن خط “القاعدة”، كما بدأت مجموعات أخرى أشد ارتباطاً بـ”القاعدة” تناصبها العداء وأبرزها “حراس الدين”، وبدأ الجولاني في المراحل اللاحقة في تبني خطابات تحاول بلورة مفهوم وصورة جديدة لتنظيمه تُظهره على أنه “جماعة معارضة مسلحة سورية”، وراح يزيد من انخراطه في القضايا المحلية الخاصة بمناطق الشمال السوري وخصوصاً في إدلب، ويساهم في حل أزمات السكان المحليين، بما يُظهره على أنه “زعيم سياسي”.

وكانت هذه التحركات والتحولات التي حاول الجولاني إحداثها تستهدف بشكل رئيسي تحسين صورة هيئة تحرير الشام ونفي صفة الإرهاب عنها، وفي إطار هذه الجهود يأتي ملف “مكافحة إرهاب تنظيم داعش” كورقة ضغط سياسية تستهدف الهيئة منها ليس فقط الحصول على الاعتراف والتطبيع الدولي، وإنما التعامل معها على أنها شريك موثوق به في منطقة الشمال السوري يمكن التعاون معه، خصوصاً وأن القوات الكردية في الشمال السوري كانت دائماً ما تحاول توظيف ملف مكافحة الإرهاب كأحد أدوات المساومة مع الدول الغربية، وهو اعتبار يعزز من فرضية انخراط الهيئة في عملية اغتيال زعيم داعش الرابع.

3-منذ بسط هيئة تحرير الشام سيطرتها على محافظة إدلب، وتشكيلها “حكومة الإنقاذ السورية” التكنوقراطية التابعة لها، كجزء من مساعيها لإقامة نظام حكم في منطقة الشمال الغربي السورية، أعلن جهاز الأمن العام التابع للهيئة والذي تأسس في 2020، عن تنفيذ عشرات العمليات ضد خلايا داعش في مدينة إدلب، وسرمين، وشرقي محافظة حماة، وسلقين، وحارم، وجسر الشغور، وخان شيخون، وتحتايا، وسرمدا، وأبو دالي، ومصيبين، وزردنا، وكفر ناصح، ومجدليا.

 وقد كان هناك سوابق تعزز من فرضية ضلوع الهيئة بدور كبير في عملية اغتيال الزعيم الرابع لداعش، فعلى سبيل المثال أشارت العديد من التقارير الأمريكية إلى أن الهيئة هي من قدمت المعلومات الاستخباراتية التي ساعدت القوات الأمريكية الخاصة في سوريا على استهداف زعيم داعش الأسبق أبي إبراهيم الهاشمي القرشي، في بلدة أطمة بمحافظة إدلب بالقرب من الحدود مع تركيا، في فبراير 2022.

وما يعزز من فرضية تعاون الهيئة مع الولايات المتحدة في تلك العملية، هو ما ذكره المبعوث الأمريكي الخاص السابق إلى سوريا، جيمس جيفري في 2021، في مقابلة صحفية، ذكر فيها أنه “تواصل مع هيئة تحرير الشام عبر قنوات خلفية أثناء خدمته في وزارة الخارجية خلال رئاسة ترامب”[3]، كما أشار إلى أن واشنطن أوقفت استهداف الجولاني في أغسطس 2018. ومن وجهة نظره، كانت هيئة تحرير الشام بمثابة “أقل الخيارات سوءاً في إدلب، التي هي من أهم الأماكن في سوريا، وأصبحت من أهم الأماكن الآن في الشرق الأوسط” وفق تعبيره.

لماذا نفت الهيئة ضلوعها في العملية؟

تؤكد كافة المؤشرات السابق ذكرها ضلوع هيئة تحرير الشام بدور كبير في عملية اغتيال زعيم تنظيم داعش الرابع، ويبقى السؤال المهم وهو: لماذا نفت الهيئة بدورها ضلوعها في عملية الاغتيال؟.

 ويمكن الإجابة على هذا التساؤل في ضوء اعتبارين رئيسيين، وذلك على النحو التالي:

1- أحد الاعتبارات المهمة التي يمكن في ضوئها تفسير نفي هيئة تحرير الشام ضلوعها في عملية اغتيال زعيم تنظيم داعش الرابع، يتمثل في أنها محاولة من الهيئة لتجنب سيناريو التصعيد من قبل داعش ضدها، خصوصاً وأن محافظة إدلب تضم العشرات من قواعد وقادة تنظيم داعش، حيث وجدوا في المحافظة ملاذاً آمناً لهم، فضلاً عن أن الهيئة تتخوف مما أشارت إليه العديد من التقارير من أن عشرات العناصر التنظيمية في داعش أعلنت مبايعتها وانخراطها في هيئة تحرير الشام، عقب الهزيمة العسكرية لداعش في سوريا، سعياً منهم إلى التأثير على أجندتها.

وتعزز الاعتبارات السابقة من قدرة داعش على تنفيذ عمليات انتقامية ضد الهيئة، وهي العمليات التي قد تأخذ شكل عمليات اغتيال ضد القيادات الأمنية والعسكرية الخاصة بالهيئة، وقد تتجه العناصر الداعشية إلى بناء تفاهمات وتنسيق بشكل أو بآخر مع عناصر تنظيم حراس الدين والاتجاهات الإرهابية الناقمة على الهيئة عموماً، ما يعني أن محافظة إدلب قد تشهد حالة من الأزمات الأمنية في الفترات المقبلة.

2- يمكن تفسير نفي هيئة تحرير الشام انخراطها في عملية اغتيال زعيم تنظيم داعش، على أنه يمثل محاولة من جانب الهيئة لدعم الأدوار التي تقوم بها تركيا، بما يُظهر السلطات التركية على أنها الجهة المنفذة للعملية، في ظل سعي الهيئة للحفاظ على علاقاتها الارتباطية مع أنقرة، وتجنب أي تداعيات سلبية قد تترتب على مسار تطبيع العلاقات التركية-السورية.

وفي الختام يمكن القول إن كافة المؤشرات ترجح ضلوع هيئة تحرير الشام بدور مهم في عملية اغتيال الزعيم الرابع لتنظيم داعش، وهو أمر يمكن تفهمه في ضوء مساعي الهيئة تغيير الصورة الذهنية عنها من “حركة إرهابية” إلى “منظمة سياسية” تقود جهود مكافحة الإرهاب في الشمال السوري، بما يتجاوب مع المتغيرات الإقليمية الراهنة، مع الحرص على تجنب سيناريو المواجهة العسكرية المباشرة مع داعش، تقليلاً للخسائر الميدانية.

 

*باحث مساعد – مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

 

مركز الناطور للدراسات والابحاثFacebook


[1] داعش يعلن بتسجيل غير مؤرخ مقتل زعيمه “أبو الحسين” القرشي، العربية نت، 3 أغسطس 2023، متاح على:https://cutt.us/zz1Q8
[2] جدل حول مسؤولية مقتل زعيم داعش في سوريا، دايلي صباح، 5 أغسطس 2023، متاح على:https://cutt.us/5f9tz
[3] هارون ي. زيلين، مقتل الزعيم الثاني لتنظيم «الدولة الإسلامية» في منطقة «هيئة تحرير الشام»، معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، 3 فبراير 2022، متاح على:https://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/mqtl-alzym-althany-ltnzym-aldwlt-alaslamyt-fy-mntqt-hyyt-thryr-alsham

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى