منوعات

محمد القاروط أبو رحمة: مفهوم الإستراتيجية وتحديد المشكلات

محمد القاروط أبو رحمة 19-08-2023

نتداول جميعاً مصطلح التخطيط الإستراتيجي، وذلك كلما كان هناك مفترقاً علينا الإختيار ما بين طرقه المختلفة، أو عندما تحدث مشكلة أو أزمة ما، فيكون اللوم غالباً على عدم وجود خطة إستراتيجية تساعد على التنبؤ بالمستقبل، وتكون مستعدة لمواجهته.

غير أن الأكثر أهمية للمؤسسة أياً كانت طبيعة عملها هو الوقوف جيداً على مفهوم الإستراتيجية، حيث أن مفهوم الإستراتيجية الواضح في أذهان المعنيين بالتخطيط، يجعلهم أكثر مقدرة على تحديد الإتجاه الإستراتيجي لمؤسستهم.

تعتبر الإستراتيجية إحدى المجموعات المتعددة القواعد لإتخاذ القرارات اللازمة لإرشاد وتوجيه السلوك التنظيمي لتحقيق رؤية ورسالة المؤسسة.

أما مفهوم الإستراتيجية فإنه يتكون من معايير وقواعد، أما المعايير فإنها معايير نوعية (غايات) ومعايير كمية (أهداف)، أما القواعد فإنها ثلاثة مجموعات الأولى، قواعد لتحديد علاقة المؤسسة ببيئتها الخارجية بمعنى ما هي الخدمات أو المنتجات التي سوف تقدمها المؤسسة للمستفيدين منها، وهل هذه الخدمات هي خدمات جديدة أو خدمات قد تم تطويرها، وهذه القواعد تسمى (إستراتيجية الأعمال).

المجموعة الثانية من القواعد هي قواعد لوضع العلاقات الداخلية والعمليات داخل المؤسسة، مثل الهيكلية، وإتخاذ القرارات والسياسات والتمويل…الخ، ويطلق عليها (الإستراتيجية الإدارية).

أما المجموعة الثالثة من القواعد فهي قواعد لتنفيذ الأعمال اليومية ويُطلق عليها (سياسات التشغيل اليومية) كالتوظيف، وإدارة الأفراد، وتوزيع الموارد المالية على مجموعات عمل المؤسسة…الخ.

يتضح مما سبق أن وضوح مفهوم الإستراتيجية بشكل كاف عند متخذي القرار في المؤسسة يساعدهم على معرفة حاجاتهم لنوعية الإستراتيجية التي يجب أن ينجزوها لتقديم خدمة جديدة، أو تلك الخدمة التي يجب تطويرها.

إن الأمر المهم الآخر الذي يقابل أهمية الوعي والمعرفة بمفهوم الإستراتيجية هو في معرفة المشكلة التي ستتصدى لها الإستراتيجية أو الوضع المرغوب الوصول إليه.

أولى خطوات التصدي لأية مشكلة، أو بناء خطة للوصول إلى وضع مرغوب فيه هو تحديد المشكلة وصياغتها. إن التحديد والصياغة الجيدة للمشكلة هو بمثابة قطع نصف الطريق إلى حلها، لأن المشكلة المحددة تحديداً جيداً تعتبر مشكلة نصف محلولة.

إن التحديد وصياغة المشكلة بشكل جيد يتطلب شرطان، الأول عدم ذكر الأسباب التي قد أدت أو ساهمت في بروز المشكلة عند القيام بتحديدها وصياغتها، والثاني عدم ذكر ما يوحي بحل المشكلة داخل نص صياغتها وتحديدها.

قد يؤدي عدم وضوح مفهوم الإستراتيجية إلى إعتبار أي قاعدة من داخل مجموعة القواعد أكثر أهمية من المعايير النوعية أو الكمية والمعبر عنها بالغايات والأهداف. على أن الغايات (معايير نوعية) تكون ثابتة لفترات طويلة من الزمن، وقد تتأثر المعايير الكمية (الأهداف) بالموارد وبيئة المؤسسة، ومستوى الخدمة، والفئة المستهدفة، وقد يحصل عليها تعديل وتبديل، من هنا كان من المهم الإنتباه إلى أمرين عند صياغة الأهداف، الأول أن تقسم الأهداف على أساس زمني معقول، أهداف قصيرة المدى، متوسطة المدى، طويلة المدى. الأمر الثاني أن الأهداف قصيرة المدى يجب أن تخضع لخمسة مواصفات حتى تكون أهداف جيدة قابلة للتصنيف وهذه المواصفات هي:

أن يكون الهدف محدداً وواضحاً، وقابلاً للتنفيذ، ويمكن قياسه، ومحدداً بوقت، وواقعي. وقد يؤدي عدم تحديد المشكلة وصياغتها بالشكل الصحيح إلى الوقوع في أي من الأخطاء الثمانية التالية:

الاندفاع في الوصول على نتيجة محددة، أو القصور في جمع البيانات الهامة سواء المتعلقة بالمشكلة أو الحل، قيام مجموعة ما أو مؤسسة بالتصدي لمشكلة خارج نطاق صلاحياتها أو سيطرتها أو تأثيرها، أو أن تواجه مشكلة شديدة التعميم، عدم التعرف على أسس الحل، أو إرساء حلول غير واضحة، أو استبعاد أفراد أو مؤسسات من الحل أو الخطة يكون وجودهم ضروري وهام، أو الوصول إلى خطة غير كافية أو مناسبة لحل المشكلة أو الوصول الى الوضع المرغوب فيه، وعدم وجود خطة وآليات تقييم لتنفيذ الحل.

فمثلاً في قطاع الحكم المحلي عندما يذكر أن عدد الهيئات المحلية الحالي مشكلة فإننا نتوقع أن الحل هو تخفيض عدد الهيئات المحلية لأن صياغة المشكلة بهذا النص يوحي بالحل ويوجهه.

أو عندما نتحدث أن الوضع المرغوب فيه هو دمج الهيئات المحلية فإن هذا النص يعني أن السبب هو في العدد الكبير للهيئات المحلية. إن الصياغة الأكثر دقة في تحديد المشكلة المذكورة أعلاه كمثال هي كالتالي:

الهيئات المحلية التي لا يزيد عدد سكانها عن 5000 نسمة لا تقوم بواجباتها بشكل كفئ وفعال.

تحديد المشكلة بهذا النص يثير أسئلة كثيرة أمام المخطط أو المكلفين بالتخطيط والإجابة على هذه الأسئلة ستساعدهم على بناء الإستراتيجيات المناسبة للتصدي لهذه المشكلة. والأسئلة العامة الثلاثة التي يجب الإجابة عليها في صياغة المشكلة السابقة.

السؤال الأول: من هي على وجه الدقة الهيئات المحلية التي لا يبلغ عدد سكانها 5000 نسمة، أسمائها، موقعها الجغرافي، طبيعة السكان، طبيعتهم الإجتماعية، عائلاتهم، مواردهم، الوضع الإقتصادي، مساحة الهيئة المحلية…الخ.

السؤال الثاني: ما هي واجبات كل هيئة محلية، وذلك بناءاً على الخدمات السياحية، الآثار، التعليم، طرق مواصلات، هيئة حدودية، جدار، استيطان…الخ.

والسؤال الثالث: ما هو الحد الأدنى للكفاءة والكفاية الإدارية التي يجب أن تتوفر في هذه الهيئة المحلية لتتمكن من القيام بواجباتها بشكل كفء وفعال. عند جمع البيانات الخاصة للإجابة على الأسئلة التي يحتويها نص تحديد المشكلة سيتبين لنا ما هو المطلوب للتصدي لهذه المشكلة، وسيتبين لنا هل نحن بحاجة إلى إستراتيجية واحدة هي الدمج مثلاً أم أن هناك خصائص قد تفرض نفسها على المخطط لوضع معالجات أخرى مثل الدمج الكلي، الوظيفي لبعض الهيئات المحلية، تحويل جزء من إيرادات الهيئات المحلية للإستثمار لزيادة إيراداتها لتغطية نفقاتها التشغيلية.

إلغاء هيئات محلية وتحويل إدارتها للسلطة المركزية، إجراء انتخابات جزئية…… وعشرات الحلول أو الإستراتيجيات المناسبة.

إن تطبيق مفهوم الإستراتيجية على المثال السابق ذكره، يعطينا فرصة حقيقية لمعرفة أن الغاية التي نرغب في الوصول إليها هي معايير نوعية مثل نظام حكم محلي فلسطيني كفئ وفاعل، يمتلك الكفاءة والكفاية الإدارية، وإن الأهداف هي تلك الخطوات الكمية التي يجب إنجازها للوصول إلى المعايير النوعية، مثل رفع كفاءة العاملين، زيادة الإيرادات، تخفيف النفقات الجارية، دمج الخدمات، دمج الهيئات المحلية….الخ.

أما الجزء الثاني لمفهوم الإستراتيجية (القواعد) فإن قواعد إستراتيجية الأعمال تتطلب، خطة جمع البيانات وتحليلها وتحويلها إلى معلومات صالحة للتخطيط، وإستراتيجية تسويق، وإستراتيجية بناء شراكات مع الإحصاء والمحافظات وباقي المؤسسات ذات العلاقة بما فيها السلطة التشريعية لإصدار القوانين أو تعديل الحالي فيها.

أما قواعد الإستراتيجية الإدارية، فتتطلب إستراتيجية إتخاذ القرارات ومعايير متفق عليها، تدفق الإتصالات وإستراتيجية التمويل …الخ.

وهكذا يتم الأمر مع مجموعة القواعد الثالثة من مفهوم الإستراتيجية، قواعد سياسات التشغيل وتشمل الجداول الزمنية والخطط التفصيل، والسيطرة والاتصال والمواصلات، وتوزيع الموارد البشرية والمادية..الخ.

وأخيراً:-

إن التخطيط الاستراتيجي يتطلب وعياً بمفهوم الاستيراتيجبة، وتداخل وتكامل المعايير والقواعد وتأثيرها المتبادل، كما يتطلب تحديداً دقيقاً للمشكلة المرغوب ان تتصدى لها الاستيراتيجية او الوضع المرغوب الوصول إليه.

pastedGraphic.png

pastedGraphic_1.png

مركز الناطور للدراسات والابحاثFacebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى