أقلام وأراء

محمد أبو الفضل: الهجرة غير الشرعية بين مصر وأوروبا

محمد أبو الفضل 15-2-2023: الهجرة غير الشرعية بين مصر وأوروبا

من القضايا التي تزعج الدول الأوروبية حاليا تزايد الهجرات غير الشرعية بسبب الحروب والصراعات والأزمات الاقتصادية، حيث تختلط فيها السياسة مع الأمن، وأشد حلقاتها حرجا ما يتعلق بالأمور الاجتماعية والإنسانية التي تجعل العديد من الدول تبتعد عن التعامل معها بقسوة وتبحث عن حلول رضائية لتجنب الوقوع في براثن ابتزاز من دول تحولت إلى ممرات رئيسية للهجرة غير الشرعية.

حاصرت مصر شواطئها جنوب البحر المتوسط في السنوات الماضية، ولم تعد مصدرا لهذا النوع من الهجرات المزعجة للدول الأوروبية الواقعة في شماله، ليس حبّا فيها أو رغبة في تقديم خدمات مجانية، لكن لأن سياستها ربطت بين هذا الملف ومكافحة الإرهاب بعد أن اكتشفت أجهزتها الأمنية العلاقة الوثيقة بينهما.

جنت الدول الأوروبية مكاسب من وراء هذه السياسة، لأن مصر أغلقت تماما الباب، ومع إعلانها طي صفحة الإرهاب والقضاء على فلوله في البر والبحر مؤخرا، عاد السؤال هل تعود المراكب البدائية للهجرة غير الشرعية من مصر إلى أوروبا؟

عندما أزيل السبب الأمني الذي دفع القاهرة لخوض حرب ضروس ظهرت ملامح القلق في تصورات بعض الدول الغربية وساورها قلق من تراخي القبضة المصرية.

تلقت القاهرة إشادات من دول مختلفة في الاتحاد الأوروبي جراء السياسة الرشيدة في مكافحة الهجرة غير الشرعية خلال الفترة الماضية، وحصلت على حزم دعم ومساعدات مادية محدودة لتشجيعها على استمرار خطواتها، غير أن انتفاء الهدف الرئيسي للجهود المصرية التي بذلت لتقويض المهاجرين غير الشرعيين يضع هذا الملف في الواجهة، خوفا من تراخي القبضة الأمنية على الحدود البحرية.

ضمت بعض المدن المصرية المطلة على البحر المتوسط أو القريبة منه عصابات متخصصة في الهجرة، تم القضاء على غالبيتها بعد أن توحشت وأصبحت أشبه بمافيا تدير تجارة رائجة، فهناك قرى عرفت بأنها موطن أساسي في عمليات تهريب البشر إلى إيطاليا واليونان، تغيّرت الحياة الاقتصادية فيها بعد نزوح الآلاف من شبابها.

شجعت معالم الثراء الظاهر على أسرهم شبابا وأطفالا في قرى مجاورة لخوض المغامرة وشق البحر المتوسط، وفقدت أجهزة الأمن المصرية في وقت سابق قدرتها على التحكم في سد منافذ الهجرة التي سلكت طرقا متباينة، بعضها لجأ إلى الأراضي الليبية بعد اندلاع ثورتها وزيادة مستوى الفوضى فيها، وكان يتم العبور منها إلى أوروبا.

تأتي مخاوف بعض الدول الأوروبية من فتور القبضة الأمنية على الحدود البحرية بعد الاطمئنان إلى قطع العلاقة بين الهجرة غير الشرعية ومتطرفين وظفوها في تسلل عناصرهم إلى داخل الأراضي المصرية، حيث تحولت الهجرة للاتجاه المعاكس، ما فرض على القاهرة إحكام السيطرة على منافذها دفاعا عن مصالحها أولا.

وتأتي المخاوف أيضا من وجود نحو تسعة ملايين مهاجر ولاجئ في مصر ذاب معظمهم وسط سكانها البالغ عددهم نحو 105 مليون نسمة، ولا يزال يراود شريحة كبيرة منهم حلم الهجرة الشرعية أو غير الشرعية إلى أوروبا، وهؤلاء جاؤوا إلى مصر واستقروا فيها جريا وراء تحقيق هذا الحلم، وربما يكون بعضهم تخلى عنه في ظل الإجراءات الصارمة، لكن الفكرة لم تغادر عقولهم وتنتظر فرصة مواتية.

تزعج هذه الفكرة دولا مثل إيطاليا واليونان وقبرص وفرنسا، وأخذت تبحث عن وسائل لوأدها قبل أن تتحول إلى قنبلة مع تزايد حدة الأزمة الاقتصادية في مصر، وشرعت حكوماتها في إجراء حوارات مؤخرا لمنع الوصول إلى نقطة تعيد ملف الهجرة غير الشرعية إلى المربع الأول القاتم، مع يقينها بأن نسبة كبيرة من المقيمين من دول أفريقية بمصر يبحثون عن وسيلة لاختراق الحدود والتوجه نحو أوروبا.

لم تسلك الحكومة المصرية طريق الابتزاز الذي سلكته تركيا مع ألمانيا منذ سنوات قليلة عندما تاجرت بملف منع تسلل المهاجرين مقابل الحصول على عوائد مادية، ولم تعلن أنها أدت خدمة جليلة إلى أوروبا بحصارها المهاجرين غير الشرعيين لأن هدفها الدفاع عن أمنها القومي، غير أن المشكلات التي تعاني منها مصر يمكن أن تجبرها على فقدان السيطرة في عملية الحصار.

ظهرت تلميحات في الخطاب الرسمي حذرت من مخاطر تصاعد حدة الأزمة الاقتصادية وانعكاساتها الخارجية، في إشارة تعني أن الدول الأوروبية عليها أن تبادر بتقديم المزيد من الدعم المادي للقاهرة والتخلي عن ممارسة ضغوط سياسية بذريعة التقيد بحقوق الإنسان والثوابت الحاكمة، في وقت لا يلتزم فيه البعض في أوروبا بمعايير إنسانية في التعامل مع المهاجرين عموما.

يبدو هذا الملف هامشيا وشائكا في آن واحد، فهو لم يصل إلى مستوى الأزمة بين مصر والدول المعنية به في أوروبا، وتتفرع منه قضايا جانبية يؤدي الدخول فيها إلى تسويات مرضية أو خلافات حادة، وإذا قام كل طرف بأداء واجباته المادية والمعنوية قد يتسنى تجاوزه بسهولة وخلال فترة وجيزة.

يفضي عدم الوصول إلى تفاهمات قوية إلى خلافات معقدة، يتداخل فيها السياسي والأمني والاقتصادي والإنساني دفعة واحدة، ما يضاعف من الحاجة لإيجاد قواسم مشتركة وحلول مرضية للجميع قبل أن تتحول الهجرة غير الشرعية من مصر مباشرة إلى بركان ينفجر في وجه بعض الدول الأوروبية شمال البحر المتوسط.

تبدأ عملية التفاهم من إدراك حجم الأزمة الاقتصادية التي تمر بها مصر، والخصوصية التي تحظى بها في استقبال الملايين من المهاجرين واللاجئين من دون تحميل الدول الأوروبية مسؤولية كبيرة عنهم، وهي ميزة يجب استثمارها، فاستقرارهم على الأراضي المصرية مرهون باستمرار الهدوء والأمن والتحسن الاقتصادي، وأي خلل في هذه المعادلة تنتقل روافده السلبية إلى دول جنوب أوروبا.

تجاوز الحديث عن الهجرة غير الشرعية بين مصر وأوروبا الأطر التقليدية، فمع ما تواجهه القاهرة من تحديات سكانية واقتصادية لم تعد الرفاهية سبيلا للحوار حولها، فمطلوب مواجهة جادة ومكاشفة كاملة ونقاشات مسؤولة، فإذا انفرط التحكم في هذا الملف من مصر سوف تكون تبعاته غاية في الخطورة على دول أوروبية عديدة.

يمكن التفرقة بين مرحلة مكافحة الإرهاب التي خاضتها مصر ونجحت في تخطيها مؤخرا، وبين المرحلة الراهنة التي تتجه فيها الحكومة نحو ترميم ما خلفته من نتائج سلبية، الأمر الذي يتطلب تقديم مساعدات سخية وإنقاذ ما يمكن إنقاذه ماديا.

يفتح دخول القاهرة مرحلة العجز عن تفكيك الأزمة الاقتصادية المجال لظهور أزمات مركبة لن تنحصر داخل مصر وحدها، فأول جهة يمكن أن ترتد عليها تداعياتها هي الدول القريبة منها برا أو بحرا، وفي مقدمتها الدول الأوروبية الواقعة شمال المتوسط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى