أقلام وأراء

ماجد كيالي: ما الدرس الذي تقدمه القيادة الفلسطينية في علاقاتها مع إسرائيل؟

ماجد كيالي 20-08-2022

لم تكن القوات الإسرائيلية تتهيأ، فجر يوم الخميس 18 آب (أغسطس) الجاري، لعملية عسكرية تداهم فيها مكاناً تختبئ فيه مجموعة فلسطينية مسلحة، كما جرى في جنين ونابلس مثلاً، أو مقراً لجهاز أمن فلسطيني، وإنما كانت تلك عملية مداهمة، ونهب، وإغلاق بأبواب حديدية، لمقار سبع منظمات تشتغل في مجال حقوق الإنسان والمجتمع المدني، في مدينة رام الله، وهي: “الضمير” و”الحق” و”مركز بيسان للأبحاث” و”لجان العمل الزراعي” و”اتحاد لجان المرأة” و”الحركة العالمية للدفاع عن حقوق الأطفال – فلسطين”، و”لجان العمل الصحي”، بحجة هي ما يسمى مكافحة الإرهاب!

معلوم أن تلك المنظمات تأسست بموجب القانون الفلسطيني، أي إنها منظمات مرخصة وشرعية، وهي تعمل في مناطق السلطة الفلسطينية، وتتلقى تمويلاً من دول الاتحاد الأوروبي، وفوق كل ذلك، فمعظم مقراتها تقع على مقربة من مقر الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ومقر رئيس الحكومة محمد اشتية، ومقر قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، ومقرات أجهزة الأمن الفلسطينية، التي يحرّم، أو يمنع، عليها أي تحرك إبان تواجد وحدات عسكرية إسرائيلية في أي شارع في مدينة رام الله، أو أي مدينة أو قرية أخرى، في مناطق السلطة!
طبعاً، لا أحد، باستثناء إسرائيل، كدولة احتلال وتمييز عنصري، يستوعب أن منظمات تشتغل في مجال حقوق الإنسان، وفي خدمة المجتمع الفلسطيني في الإغاثة الصحية، والإرشاد الزراعي، وفي مجال حقوق المرأة وحقوق الإنسان، يمكن أن تشكل تهديداً خطراً عليها، مع امتلاكها الجبروت العسكري وإمكانات السيطرة والتحكم، علماً أن مجال عمل تلك المنظمات يتركز على جمع الحقائق، وكتابة التحقيقات والتقارير، وتقديم الخدمات والعون في المجتمع الفلسطيني، في مجال اختصاصها.
واضح أن إسرائيل في تلك الحملة تواصل سياساتها الرامية لإخضاع الفلسطينيين، من خلال إضعاف المجتمع المدني الفلسطيني، بعد أن أضعفت فصائله وسلطته الرسمية، لا سيما على ضوء تبرمها مما باتت تتعرض له من انتقادات دولية، مع تزايد انكشافها أمام الرأي العام العالمي، كدولة استعمارية وكدولة أبارتهايد، على ما بينت تقارير منظمات مثل “هيومن رايتس ووتش”، ومنظمة العفو الدولية، ومفوضية حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، وحتى منظمة بيتسيلم الإسرائيلية، وكل ذلك نتيجة النشاط الكبير الذي تقوم به تلك منظمات المجتمع المدني الفلسطيني وناشطيه، والتي تكشف انتهاكات إسرائيل لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
من جهة أخرى، فإن إسرائيل في سياساتها تلك تبعث برسالة إلى السلطة الفلسطينية، تفيد بتحجيم طموحها إلى دولة مستقلة، وأن حدودها هي كسلطة حكم ذاتي، على الشعب فقط، رغم وجود رئيس وحكومة وعلم ونشيد وسفارات، وموازنات، وقوى أمنية، وأن كل ما يمكن تقديمه هو مجرد تحسينات في المجال الاقتصادي والمعيشي وفي مجال الحركة والتمويل. أيضاً فإن إسرائيل تتوخى في تلك السياسة الصلفة كشف هشاشة السلطة الفلسطينية، وتعمد إهانتها، والحط من قدرها، وتبخيس دورها، أمام شعبها، إذ إن إسرائيل هي المسيطرة في كل شيء، في الأمن والاقتصاد، وعلى موارد المياه والطاقة والمعابر.
هذا يكشف، أيضاً، أنه ليس لدى إسرائيل ما تقدمه للسلطة، سوى بقاء الوضع على حالة، كسلطة وكيلة، مهمتها فقط ضبط شعبها، كسلطة حكم ذاتي، منزوعة السيادة، بل والسلطة (إزاء سلطة القانون الإسرائيلي). وهذا يضع الفلسطينيين في الأراضي المحتلة في معاناة مع ثلاثة نظم قانونية بشكل مباشر أو غير مباشر: الأول، وهو سلطة القانون الإسرائيلي، والثاني وهو سلطة القانون الإسرائيلي المطبق على المستوطنين، بالمزايا السياسية والأمنية والاقتصادية المتاحة لهم في الضفة الغربية والقدس الشرقية، والذي يغطي على اعتداءاتهم على فلسطينيي الأراضي المحتلة (1967)، والثالث هو سلطة القانون الفلسطيني، في الهامش الضئيل الذي يتبقى له على الفلسطينيين، من دون أي مظهر من مظاهر السيادة على الأرض (فوقها وفي باطنها) أو المعابر أو الأجواء.
المهم الآن أن تلك الحادثة ومثيلاتها، وضمنها اقتحامات مدن القدس وجنين ونابلس والخليل، تلفت الانتباه إلى واقع غريب جداً، وغير مفهوم أو مقبول، مفاده:
أولاً: إصرار السلطة الفلسطينية، المحافظة على علاقات التنسيق الأمني والتبعية الاقتصادية مع إسرائيل، وضمن ذلك التزامها بتأكيد أهليتها للثقة في تلك العلاقة، ولو من موقع دوني عملياً، كسلطة تحت سلطة الاحتلال. ولنلاحظ، مثلاً، أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس لم يمرر قرار المجلس المركزي الفلسطيني، والمجلس الوطني الفلسطيني، القاضي بوقف التنسيق الأمني مع إسرائيل، ومراجعة الاعتراف بها، المتخذ والمكرر منذ العام 2015، وفضلاً عن ذلك فهو لا يعمل أي شيء من أجل تقوية الوضع الفلسطيني (مثل إلغائه الانتخابات، وتهميشه منظمة التحرير، وعدم اهتمامه بإنهاء الانقسام،)، وضمن ذلك إضعاف المجتمع المدني الفلسطيني، إذ لا يبدو أن ثمة مهمة لأجهزة الأمن الفلسطينية، التي تأكل حوالى 40 في المئة من موازنة السلطة، سوى حماية واقع السلطة، وضبط المجتمع الفلسطيني.
ثانياً: عجز، أو استنكاف، السلطة عن كسر قرار الإغلاق الإسرائيلي، وترك الأمر للناشطين في تلك المنظمات، علماً أن ليست لديها قدرة على حمايتهم من طائلة القانون الإسرائيلي، رغم أن لا شرعية قانونية لإسرائيل في ذلك القرار لأنه يحصل في المنطقة (أ) المفترض إنها خاضعة مئة في المئة للسلطة الفلسطينية، بموجب اتفاقات أوسلو. فإذا كانت السلطة، أو القيادة، غير قادرة، أو غير مستعدة، لأخذ زمام المبادرة مثلاً، بالوقوف مع تلك المنظمات، بأخذ القرار من قبل الرئيس الفلسطيني، ورئيس الحكومة بالذهاب الى تلك المقرات وخلع الأبواب الحديدية، وتمزيق قرار الحاكم العسكري الإسرائيلي، فكيف ستلهم شعبها إذاً؟ أو ما هو الدرس الذي تقدمه لشعبها، ثم كيف ستتحول إلى دولة ذات سيادة إذاً؟
ثالثاً: واضح من كل ذلك أن السلطة، أو القيادة الفلسطينية، تواصل خضوعها للإملاءات الإسرائيلية، بتخليها عن حقها في السيادة، الذي لا تتخذ أي مبادرة للدفاع عنه، الأمر الذي يجعلها في مكانة لزوم ما لا يلزم، أو فاقدة الصلة بالواقع لا سيما بالقياس لادعائها، أو توهمها، أنها أضحت في مكانة دولة تحت الاحتلال، وأن ما تبقى هو فقط اعتراف الأمم المتحدة بها كدولة، كأن ذلك سيغير شيئاً، فبفرض تم استصدار قرار كهذا، ما الذي سيجعل إسرائيل تطبقه؟ أم هل تظن السلطة أن أحداً في العالم سيقدمه لها على طبق من ذهب أو فضة، وهي قاعدة تتفرج على ما يجري، من دون أي مبادرة لتغيير الوضع؟.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى