أقلام وأراء

عمرو حمزاوي: انتخابات برلين 2023 عقاب لليسار وميل لليمين

عمرو حمزاوي 14-2-2023: انتخابات برلين 2023 عقاب لليسار وميل لليمين

يوم الأحد الماضي، أجريت انتخابات برلمان مدينة برلين بعد أن كانت المحكمة الدستورية الألمانية قد قررت إعادة الانتخابات التي أجريت في سبتمبر 2021 نظرا لما شابها من خروقات تنظيمية (مثل عدم انتظام مواعيد عمل المقار الانتخابية، ونقصان بطاقات التصويت في بعض المقار، وغيرها).

في سبتمبر 2021 تصدر الحزب الاشتراكي الديمقراطي قائمة الأحزاب السياسية التي تجاوزت حاجز الـ5 بالمائة من أصوات الناخبات والناخبين وحصلت على مقاعد في برلمان برلين، العاصمة الاتحادية والمدينة ذات الوضع الدستوري المشابه للولايات الألمانية. وتمكن الاشتراكيون الديمقراطيون بتحالف يسار-يسار مع حزب الخضر وحزب اليسار من ضمان أغلبية داخل البرلمان ومن تشكيل حكومة المدينة. وكان الاشتراكيون يواصلون بذلك سيطرتهم السياسية على واحد من أهم برلمانات الولايات ويحددون التوجهات الاقتصادية والاجتماعية في المدينة الأكثر تقدمية في الربوع الألمانية.

في فبراير 2023، فقد الاشتراكي الديمقراطي موقعه في صدارة الأحزاب السياسية لصالح الحزب المسيحي الديمقراطي الذي جاء في المركز الأول مستحوذا على 28.2 بالمائة من أصوات الناخبات والناخبين. لم ينجح الاشتراكيون في اقناع سوى 18.4 بالمائة من الهيئة الناخبة في برلين، وتلاهم مباشرة حلفاؤهم في الحكومة الاتحادية الخضر الذين حققوا ذات النسبة وإن بفارق 105 من الأصوات (وفقا لحسابات المقار الانتخابية صبيحة يوم الاثنين 13 فبراير 2023). وبينما فشل الحزب الديمقراطي الحر، شريك الاشتراكيين والخضر في الحكومة الاتحادية، في تجاوز حاجز نسبة الـ5 بالمائة من الأصوات للحضور في برلمان برلين، حصد حزب اليمين المتطرف، البديل لألمانيا، ما يقرب من 9.5 بالمائة من الأصوات وضمن بذلك تمثيله في البرلمان. أما حزب أقصى اليسار، حزب اليسار، فحصل على 12.2 بالمائة من الأصوات ليظل في موقعه «كصانع الملك» أو الحزب القادر على ترجيح حظوظ حزبين من بين المسيحي الديمقراطي والاشتراكي الديمقراطي والخضر لتشكيل الحكومة القادمة إن برضاء اليسار (وهو الأمر الذي يسمى في أدبيات السياسة الألمانية Duldung) أو بمشاركته المباشرة كما كان الحال في الحكومة التي سبقت انتخابات أول أمس.

اللافت في انتخابات برلين 2023 هو النتيجة المتميزة التي حققها المسيحي الديمقراطي بإضافته ما يقرب من 10 بالمائة من الأصوات إلى حصته مقارنة بانتخابات 2021. اللافت أيضا هو نجاح البديل لألمانيا في زيادة حصته من الأصوات من 8 إلى 9.5 بالمائة في مدينة تعد من بين الأكثر ميلا إلى اليسار والتقدمية بين المدن والمراكز الحضرية الألمانية. في المقابل، خسر الاشتراكيون الديمقراطيون في 2023 ما يقرب من 3 بالمائة من حصتهم مقارنة بـ2021، وخسر حزب اليسار 4 بالمائة من أصواته والخضر أقل من واحد بالمائة. خسر أيضا الديمقراطي الحر 3 بالمائة من أصواته لينهار من 7.1 في 2021 إلى 4 بالمائة في 2023 وليخرج من البرلمان. وحين تضاف خسائر الاشتراكي الديمقراطي واليسار والخضر إلى خسارة الديمقراطي الليبرالي، سنكون أمام الـ10 بالمائة التي أضافها المسيحي الديمقراطي إلى حصته.

اللافت أيضا هو أن نجاحات يمين الوسط ممثلا في المسيحي الديمقراطي واليمين المتطرف ممثلا في البديل لألمانيا تحققت في سياق التوظيف المنظم من قبل الحزبين للخوف من الأجانب والخوف على ضياع هوية ألمانيا ونظامها المجتمعي والسياسي. استغل المسيحيون الديمقراطيون عنف بعض المنتمين لمجموعات أجنبية في احتفالات رأس السنة الميلادية 2023 وكذلك مساعي الحكومة الاتحادية لتغيير قوانين التجنيس باتجاه تسهيل الحصول على الجنسية الألمانية لكي يدفعوا بقضايا هوية ألمانيا والمهاجرين واللاجئين إلى واجهة الحملة الانتخابية في 2023.

وسار سيرهم يمينيو البديل لألمانيا الذين تبنوا كعادتهم خطابا راديكاليا ضد التجنيس وضد الأجانب في العموم واللاجئين في الخصوص. وإذا كان مثل هذا الخطاب ليس بغريب على اليمين المتطرف، فإنه شكل خروجا للمسيحي الديمقراطي عن يمينيته الوسطية التي رعتها المستشارة السابقة أنغيلا ميركل ولم يكن من بين مضامينها السياسية والانتخابية التحريض ضد الأجانب. بل أن نجاح المسيحي الديمقراطي في إضافة 10 بالمائة من الأصوات إلى حصته والإضافة المحدودة التي حصدها البديل لألمانيا ستفسر داخل الحزب وخارجه كنجاح لرئيس الحزب فريدريش ميرتس الذي وعد الأعضاء والأنصار بإيقاف تقدم اليمين المتطرف والاستحواذ على أصوات المحبطين من اليسار. وها هو قد فعل.

اللافت، أخيرا، في انتخابات برلين 2023، هو تمكن المسيحي الديمقراطي والبديل لألمانيا في إدارة حملاتهما الانتخابية مركزين أيضا على سوء حكومة الاشتراكي الديمقراطي والخضر واليسار بسياساتها غير الناجعة فيما خص حفظ النظام والأمن وتحسين الأوضاع الاقتصادية وأحوال المدارس والمستشفيات، بل وإخفاقها في تنظيم الانتخابات البرلمانية 2021 على النحو الذي تسبب في إعادتها. ويبدو أن بين التركيز على إخفاقات الحكومة السابقة والخطاب العنيف ضد الأجانب، اقتنع ما يقرب من 40 بالمائة من الهيئة الناخبة في برلين بالتصويت العقابي ضد يسار الوسط (الاشتراكي) واليسار (الخضر وحزب اليسار). وفيما خص الهيئة الناخبة، تجدر الإشارة إلى أن الناخبات والناخبين من كبار السن والعمال وذوي المؤهلات التعليمية المتوسطة اتجهوا إلى التصويت ليمين الوسط واليمين المتطرف عوضا عن الاشتراكي الديمقراطي وحزب اليسار، بينما واصل صغار الناخبات والناخبين وأصحاب المؤهلات العليا التصويت للخضر في المقدمة وهو ما حال دون خسارة الحزب سوى لما يقل عن واحد بالمائة بين 2021 و2023.

إلا أن المفارقة في أمر الانتخابات البرلمانية البرلينية هو أن المسيحي الديمقراطي قد لا يجد من يقبل التحالف معه لتشكيل الحكومة الجديدة، وأن تحالف الاشتراكي الديمقراطي والخضر واليسار قد يتمكن من تشكيل حكومة أقلية بنسبة تقترب من 48 بالمائة من مقاعد البرلمان. على الرغم من ذلك، يظل من الأفضل لبرلين وللسياسة الألمانية أن ينفتح المسيحي الديمقراطي والاشتراكي الديمقراطي والخضر على ائتلاف يمين وسط ويسار وسط ويسار واسع يشكل حكومة قوية وفعالة تواجه أزمات برلين التي تنزلق في مدارسها ومستشفياتها وبعض القطاعات الحيوية الأخرى إلى وضعية الأزمة الدائمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى