أقلام وأراء

عماد شقور: «نعم» كبيرة لأوسلو و «لا» أكبر للأداء الفلسطيني بعدها

عماد شقور 14-9-2023: «نعم» كبيرة لأوسلو و «لا» أكبر للأداء الفلسطيني بعدها

(..) إن الوصول الى تقييم موضوعي لأوسلو، والوصول الى حكم منصف له وعليه، يستدعي، بالضرورة، وضع الأمور في سياقها التاريخي الصحيح. وهذا ما يمكن لنا أن نسجله في نقاط محددة، على النحو التالي:

1ـ لـ«وعد بلفور» الخاص بفلسطين، دور محوري في كل ما تلا صدوره يوم 2.11.1917. وفي نص هذا الوعد: «تنظر حكومة صاحب الجلالة بعين العطف إلى إقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يفهم جليا أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي بلد آخر».

في هذا النص «إقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين» أي أن اليهود «شعب» وسيقيمون «وطنا قوميا» أي دولة «في فلسطين» ولم يحدد ما إذا كان هذا «الوطن القومي» ستتم إقامته في كل فلسطين، أو في جزء منها. وفيه أيضا عدم الانتقاص من «الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين» أي أنه ليس هناك «شعب فلسطيني» وإنما مجرد «طوائف غير يهودية».

كان بالإمكان اعتبار هذا «الوعد» مجرد بيان من وزير خارجية ما، لا يلزم غير حكومته. لكن ما لحق به هو الأخطر، حيث أن الشرعية الدولية، في ذلك الزمن، ممثلة بـ«عصبة الأمم» أعلنت مشروع الانتداب البريطاني على فلسطين يوم 6.7.1921، وتمت المصادقة عليه يوم 24.7.1921، ووضع موضع التنفيذ يوم 29.9.1921، وبهذا أصبح نص وعد بلفور قرارا دوليا شرعيا، على شكل «صك انتداب بريطاني على فلسطين» من 28 مادة، وتقول المادة الثانية منه: «تكون الدولة المنتدبة مسؤولة عن وضع البلاد في أحوال سياسية وإدارية واقتصادية تضمن إنشاء الوطن القومي اليهودي، وفقا لما جاء بيانه في ديباجة هذا الصك، وترقية مؤسسات الحكم الذاتي، وتكون مسؤولة أيضا عن صيانة الحقوق المدنية والدينية لجميع سكان فلسطين، بقطع النظر عن الجنس والدين».

مقابل إنكار الشرعية الدولية هذه، في حينه، بوجود شعب فلسطين، اخترعت هذه الشرعية «شعبا» جديدا.

ثم جاء «أوسلو» وجاء قبل التوقيع عليه بأربعة أيام، اعتراف صريح من إسرائيل بوجود «الشعب الفلسطيني» وما يترتب على ذلك، وعلى أي شعب آخر، من حقوق، وأولها: حق تقرير المصير. تم ذلك من خلال رسالة اسحق رابين:

«9 سبتمبر 1993

ياسر عرفات

الرئيس: منظمة التحرير الفلسطينية.

السيد الرئيس،

ردا على رسالتكم المؤرخة 9 سبتمبر 1993 أود أن أؤكد لكم أن حكومة إسرائيل قررت في ضوء التزامات منظمة التحرير الفلسطينية الواردة في رسالتكم أن تعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية بوصفها ممثلة للشعب الفلسطيني وأن تبدأ المفاوضات مع منظمة التحرير الفلسطينية في إطار عملية السلام في الشرق الأوسط.

إسحاق رابين

رئيس وزراء إسرائيل».

بعد ثلاثين سنة من صدور وعد بلفور، (أي سنة 1947) أصدرت الشرعية الدولية، في النظام الدولي في حينه، ممثلا بـ«هيئة الأمم المتحدة» وريثة «عصبة الأمم» «قرار التقسيم» الذي أعطى اليهود 55٪ من أرض فلسطين، وبعد ذلك بسنة واحدة، تمكن دافيد بن غوريون، من إعلان قيام «دولة إسرائيل» على 78٪ من أرض فلسطين.

نحن الآن، بعد ثلاثين سنة من «أوسلو» نعاني من وضع أسوأ بما لا يقاس، مما كان عليه وضعنا يوم توقيع ذلك الإتفاق. فمن المسؤول؟

تحميل العدو الإسرائيلي مسؤولية هذا الفشل الفلسطيني الذريع هو هروب من تحمل المسؤولية. وهل هناك من يعتقد أن الاسم الحقيقي لبنيامين نتنياهو هو «بنيامين عرفات» أم هناك من يعتقد أن الاسم الحقيقي لأريئيل شارون، مثلا، هو «أريئيل عبد الناصر»؟ إنه العدو الإسرائيلي الذي يعمل ويقاتل ضد المصالح الفلسطينية والعربية، لضمان المصالح الإسرائيلية، وواجب الشعب الفلسطيني أن يعمل ويقاتل لضمان المصالح الفلسطينية والعربية.

2ـ بفضل النضال الفلسطيني، والعمل الفدائي، والكفاح المسلح، والحكمة السياسية، تمكنت منظمة التحرير الفلسطينية من إعادة الشعب الفلسطيني الى خارطة العالم السياسية. لكن بفضل الانتفاضة الأولى، وصلنا الى أوسلو، وبفضل ذلك وصلنا الى إعادة «الشعب الفلسطيني» الى خارطة العالم الجغرافية. صحيح أن البداية كانت «غزة أريحا أولا» لكن لحقت بذلك رام الله وجنين وطولكرم ونابلس و80٪ من الخليل وغيرها، وكل قطاع غزة. كيف أضعنا هذه الإنجازات؟ وكيف انقطع طريق تقدمنا في اتجاه إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة؟ ليس من الحكمة أن نبحث عن الأسباب في دهاليز حكومة العدو. الحكمة أن نبحث عنها في الأداء الفلسطيني الركيك.

3ـ قبل «أوسلو» كان اتجاه انتقال الجماهير الفلسطينية من أرض فلسطين الى مخيمات اللجوء والشتات، بالطرد وبالإرهاب وبالتآمر. بفضل «أوسلو» انعكس الإتجاه، وعاد الى فلسطين، (في السنوات الخمس الأولى) أكثر من 400 ألف لاجئ فلسطيني، وقد يكون عددهم الآن، (بفضل التكاثر الطبيعي) قريبا من المليون.

نعيش أياما قاتمة، حزينة، سوداء.

لكن هناك ملاحظتين، لا يكتمل المقال دون تسجيلهما، واحدة لشعبنا الفلسطيني، والثانية للعدو الإسرائيلي:

1ـ لشعبنا: إن النضال، بكل أشكاله وأدواته وأسلحته، ليس مجرد حق مشروعٍ وشرعي يقره المنطق السليم، والشرعية الدولية. إنه واجب وطني وقومي وإنساني وأخلاقي بديهي.

2ـ لإسرائيل: لم، لا، ولن.

لم يستسلم الشعب الفلسطيني طوال الحرب التي استغرقت معاركها، حتى الآن، أكثر من مئة سنة.

لا يستسلم الشعب الفلسطيني، هذه الأيام، لكل البطش والظلم والتآمر.

لن يستسلم الشعب الفلسطيني، مهما طال زمن الحرب، ومهما تكاثرت معاركها.

 

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى