أقلام وأراء

عماد شقور: فلسطين من «الرقم الصعب» الى «الرقم المستحيل»

عماد شقور 12-10-2023: فلسطين من «الرقم الصعب» الى «الرقم المستحيل»
احتل يوم السبت، السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، بجدارة، بفعل جرأة شباب فلسطين المنتمين الى حركة «حماس» ومعهم شباب فلسطين المنتمين الى حركة «الجهاد الإسلامي» ومعهم، ربما، شباب فلسطين المنتمين الى «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» وغيرهم من شباب فلسطين، موقعين اثنين مُشرّفين في قائمة أيام فارقة في التاريخ الحديث للعالم، من حيث تأثيرهما على كل مجريات وتطورات ما تلاهما من أيام وسنوات وحِقَب.

أول المَوقِعَين الفارقين، هو موقع مفاجأة كاملة الأوصاف للعدو، وإرباكه، وتكبيده خسائر فادحة:

1 ـ موقعة «بيرل هاربر» يوم 7.12.1941، حيث فاجأ الأسطول الياباني الولايات المتحدة الأمريكية بهجوم مباغت، على ميناء بيرل هاربر الأمريكي، شاركت فيه 6 حاملات طائرات يابانية، و353 طائرة، وعدة غوّاصات قزَميّة، ونتج عن هذا الهجوم إغراق 4 بوارج حربية أمريكية، وتدمير 4 بوارج أخرى، و3 طرّادات، و3 مدمِّرات، وزارعة ألغام واحدة، و188 طائرة، و2402 قتيل، و1288 جريحاً. أما خسائر اليابان فكانت: 29 طائرة، و4 غواصات قزمية، و65 قتيلاً.

أدّى هذا الهجوم الياباني المباغت الى دخول أمريكا رسمياً وعلنياً للحرب العالمية الثانية، وتكبيد اليابان خسائر فادحة جداً، وطردها من مستعمراتها في شرق آسيا، وإلحاق ذلك بإلقاء أول قنبلتين ذرّيتين على هيروشيما ونغازاكي.

لكن، وبعد استسلام اليابان، عادت أمريكا لدعمها اقتصادياً وسياسياً وعلمياً، لتحتل بذلك مكاناً متقدّماً جداً اقتصادياً وصناعياً وعلمياً.

2 ـ إنزال «النورماندي» يوم 6.6.1944، حيث نجح «الحلفاء» بمفاجأة «الحلف» وجيش ألمانيا النازية الذي كان يحتل فرنسا، بإنزال 24000 جندي أمريكي وبريطاني وكندي على شاطئ نورماندي الفرنسي، وكان ذلك البداية الحقيقية لتحرير فرنسا من الاحتلال الألماني، والمساهمة في دحر النازيّة والفاشيّة، أي «دول المحوَر: ألمانيا النازية، وايطاليا الفاشية، والإمبراطورية اليابانية» دون أن ننسى الدور الحاسم للاتحاد السوفياتي والجيش الأحمر في تحقيق هذا الانتصار نهائياً.

ثم تلا ذلك إطلاق أمريكا لـ«مشروع مارشال» لإعادة إعمار ألمانيا ودول أوروبا الغربية وإنعاش اقتصادياتها بعد كل الدمار الذي خلّفته الحرب العالمية الثانية.

3 ـ حرب حزيران/يونيو 1967، حيث فاجأت إسرائيل مصر صباح يوم 5.6.1967 بتدمير كامل سلاح طيران الجيش المصري تقريباً، وهو في مرابضه على أرض مطاراتها العسكرية، وهو ما مكّن إسرائيل من إلحاق هزيمة مشينة وغير مسبوقة بمصر وسوريا والأردن، وتوسيع احتلالها لاستعمار ما يعادل أربعة أضعاف مساحتها داخل خطوط الهدنة 1949، شملت الضفة الغربية وقطاع غزة وكل شبه جزيرة سيناء المصرية وهضبة الجولان السورية.

ثم تبعت ذلك قمة الخرطوم و«اللآت الثلاث» واستبدال شعار تحرير فلسطين بشعار «إزالة آثار العدوان» و«ما أُخذ بالقوة لا يُستردّ بغير القوة» وانطلاق «حرب الاستنزاف».

4 ـ حرب أكتوبر/ تشرين الأول، حيث فاجأ الجيشان المصري والسوري، إسرائيل ظهر يوم السبت 6.10.1973، (الذي تصادف مع يوم عيد الغفران اليهودي) وعبَر الجيش المصري قناة السويس، ودمّر «خط بار ليف» وتقدم لكيلومترات عديدة في سيناء، ونجح في تحييد سلاح الطيران الإسرائيلي؛ وهاجم الجيش السوري واقتحم المواقع الإسرائيلية في الجولان وسفوح جبل الشيخ، وارتبكت القيادات الإسرائيلية من هول المفاجأة والخسائر، الى درجة ما رُوي عن انهيار وزير الدفاع الإسرائيلي، موشي ديّان، ومطالبته بالتحضير لاستخدام القوة النووية.

لحق بذلك تطوران هامان: أقامت أمريكا جسراً جويّاً لتزويد إسرائيل بالدبابات وكافة أنواع الأسلحة والذخائر لمنع انهيارها، وأقدمت المملكة العربية السعودية، بقرار من الملك فيصل باستخدام سلاح البترول لأول مرة، دعماً لمصر وسوريا، وهو ما أربك الأسواق والصناعات في دول الغرب المناصرة لإسرائيل.

أما الموقع الثاني الذي يحتله يوم السبت، 7.10.2023، الفلسطيني، فهو موقع خطوط الدفاع في التاريخ الحديث، وهو المساوي لـ:

1 ـ فشل «خط ماجينو» الفرنسي في الحرب العالمية الثانية، وهو الخط الدفاعي الذي بنَته فرنسا على خمس مراحل، بدأت أولاها فور انتهاء الحرب العالمية الأولى، سنة 1919، وانتهت المرحلة الخامسة سنة 1940، وكان الهدف من إقامته حماية فرنسا من أي عدوان مستقبلي ألماني عليها. ولكن عندما حان موعد تقدم جيش المانيا النازية لاحتلال فرنسا، تجاوز الجيش الألماني خط ماجينو يوم 10.5.1940، باقتحام الأراضي الفرنسية من حدودها مع بلجيكا وهولندا، واستكمل احتلال العاصمة باريس يوم 14.6.1940، وارتد لتحطيم ذلك الخط الدفاعي من الجانب الفرنسي.

2 ـ فشل «خط بار ليف» الإسرائيلي الذي أقامته على الضفة الشرقية لقناة السويس، حيث تمكن الجيش المصري من عبور أكبر عائق مائي في أي حرب سابقة، وهو قناة السويس، وتدمير خط بار ليف خلال ساعات قليلة فقط.

هكذا أرى اليوم الفلسطيني التاريخي، يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023: مفاجأة كاملة لجيش الاحتلال والاستعمار الإسرائيلي، «الجيش الرابع من حيث القوة في العالم» وصاحب الاستخبارات ألأقوى، وادّعاء معرفة كل شاردة مهما صغُرت، وكل واردة لا يعرفها غيرها. إنه يوم إذلال الجيش الإسرائيلي واستخباراته وأجهزته الأكثر تطوراً تكنولوجياً.

تداعيات كل واحد من هذه الأيام التاريخية المذكورة، أثّرت، بشكل حاسم، على كل التطورات اللاحقة بين القوى المتصارعة، على مدى كل أيام العقود التي تلتها. وهكذا هي تداعيات اليوم الفلسطيني: يوم السابع من أكتوبر 2023.

لم يقتصر تأثير الهزة التي أحدثها اليوم الفلسطيني على إسرائيل وحدها، بل تعداها لإحداث هزات متلاحقة في العالم العربي، ودول الإقليم، وعلى الصعيد الدولي كاملاً. ولعل أبرز ما في هذه التطورات هو التصرّفات الرعناء والتهويش الذي بادر اليه الرئيس الأمريكي، «جو (ليس بالضرورة أن تكون يهودياً لتكون صهيونياً) بايدن» الذي لم يعد مطمئناً لقدرات «حاملة الطائرات البرية ـ إسرائيل» فأمر بإرسال أكبر حاملة طائرات أمريكية، جيرالد فورد، لحمايتها، ويستعد لإرسال حاملة طائرات ثانية، آيزنهاور، وألحق بذلك بداية جسر جوي لنقل الأسلحة والذخائر من مخازن الجيش الأمريكي الى جيش الاحتلال والاستعمار الإسرائيلي.

ثم، ماذا عن انعكاسات أحداث «اليوم الفلسطيني» على قضية العصر، «قضية فلسطين» قضية شعبنا الفلسطيني العادلة؟

في «معركة الكرامة» الخالدة، يوم 21 آذار/مارس 1968، انتصر ونجح الفدائيون الفلسطينيون من حركة فتح، وبدعم من الجيش العربي الأردني، بشكل عام، ومن قائد سلاح المدفعية فيه، الراحل الكبير، مشهور حديثة الجازي، بشكل خاص، من إعادة الروح لقضية شعبنا الفلسطيني، ولبدء مرحلة تكوّن فلسطين وشعبها لـ« الرقم الصعب» في معادلة الشرق الأوسط والعالم. وبفضل تضحيات ونضالات شباب حركة فتح، وشباب كل الجبهات والتنظيمات والفصائل الفلسطينية في منظمة التحرير الفلسطينية، وبفضل حنكة وحكمة وشجاعة الزعيم الفلسطيني الخالد ياسر عرفات، وتمكّن أبو عمّار، ومن معه، من تثبيت «الرقم الفلسطيني الصعب» عملياً، تمّت إعادة فلسطين الى الخريطة السياسية في العالم، بدايةً، ولحق بذلك بدء إعادة فلسطين الى الخريطة الجغرافية للعالم.

أما الآن، وبفضل «اليوم الفلسطيني» 7 أكتوبر 2023، فقد تمكّن شباب فلسطين المنضوين تحت راية «حركة حماس» ومن معهم من فدائيين من تنظيمات فلسطينية، من رفع قضية فلسطين من موقع «الرقم الصّعب» الى موقع «الرقم المستحيل» تجاوزه.

الى حين تثبيت هذه المعادلة البالغة الإيجابية، معادلة «الرقم الفلسطيني المستحيل تجاوزه «، سيدفع الشعب الفلسطيني، (بسبب سفالة الحركة الصهيونية وغطرستها، ودعم المتصهينين في الإدارات الأمريكية المتعاقبة لها، وبسبب رياء ونفاق دول الغرب الاستعمارية) ثمناً باهظاً، من خلال ما يرتكبه جيش الاحتلال والاستعمار الإسرائيلي من جرائم في قطاع غزة، ومثلها ما يرتكبه جيش هؤلاء المجرمين، وقطعان المستوطنين المتوحشة.

النتيجة النهائية محسومة: دولة فلسطينية مستقلة، عاصمتها القدس الشرقية، كبداية لاستعادة الشعب الفلسطيني لكامل حقوقه المشروعة.

 

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى