أقلام وأراء

عماد شقور: عن قرار السعودية بسفارة في رام الله وقنصلية في القدس

عماد شقور 17-08-2023: عن قرار السعودية بسفارة في رام الله وقنصلية في القدس

لا يجدر بي أن أُخفي ما انتابني من مشاعر متضاربة، بل ومتناقضة أيضاً، فَرَحَاً واكتئاباً، تفاؤلاً وتشاؤماً، وأنا أُتابع الأنباء عن خبر قرار المملكة العربية السعودية، بملِكِها سلمان بن عبد العزيز، وبحاكمها الفِعلي، الأمير الشّاب، محمد بن سلمان، وليّ العهد، بتعيين السفير السعودي في المملكة الأردنية الهاشمية، نايف بن بندر السّديري، سفيراً، غير مقيم، في «دولة فلسطين» وقنصلاً عامّاً، غير مقيم أيضاً، في القدس.

نبدأ بدراسة وتقييم هذا الخبر الاستثنائي، بما فيه من شكليّات، وأهم من ذلك ما فيه من جوهر:

جاء في نص الخبر كما أوردته وسائل الإعلام السّعودية، نقلاً عن حساب السفارة السعودية في عمّان على منصّة «إكس»: «سلّم سفير خادم الحرمين الشريفين لدى الأردن، نايف بن بندر السديري، نسخةً من أوراق اعتماده سفيراً فوق العادة ومفوضاً (غير مقيم) لدى فلسطين، وقنصلاً عامّاً بمدينة القدس إلى مستشار الرئيس الفلسطيني للشؤون الدبلوماسية الدكتور مجدي الخالدي، ليكون بذلك أول سفير سعودي يعين في فلسطين. جرت مراسم التّسليم في مقر سفارة دولة فلسطين بالأردن». ويمكن لنا الاجتهاد في تفسير كلمات هذا النّص بما قد تعنيه وتشير اليه من دلالات على النحو التالي:

1ـ ما تم تسليمه هو «نسخة» من أوراق اعتماده، وهذا ما يوحي، في اعتقادي، بأن الرئيس الفلسطيني، أبو مازن، يطمح بأن يتسلّم شخصياً أوراق الاعتماد الرسمية، في مقر الرئاسة الفلسطينية في رام الله، وهذا طموح مُبرّر ومعقول.

2ـ في نصّ أوراق الاعتماد: «سفيراً فوق العادة» بما يعني إعطاء المملكة العربية السعودية أهمية خاصة لهذا التعيين. وهذه إشارة سعودية إيجابية تجاه دولة فلسطين.

3ـ يشمل التّعيين أيضاً اعتماد السفير فوق العادة، نايف بن بندر السّديري، «قنصلاً عامّاً بمدينة القدس» وهذا ما يشكّل اعتبار المملكة العربية السعودية أن «مدينة القدس» هي أرض تملك دولة فلسطين «حق السّيادة» عليها، وهي بذلك صاحبة الحق في اعتماد السفراء والقناصل فيها.

4ـ يضاف الى ذلك أن استخدام السعودية لتعبير «مدينة القدس» وليس «القدس الشرقية» يوحي، بشكل واضح، الرّد على قرار الإدارة الأمريكية، في عهد الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، اعتبار «مدينة القدس» وليس «القدس الغربية» عاصمة لإسرائيل، ونقل سفارتها اليها.

استمر ارتباكي في تقييم الخطوة السعودية ساعات طويلة. ثم جاء بعد ذلك الارتباك مساء يوم نشر وانتشار الخبر بعد ظهر يوم السبت الماضي، ما صرّح به السفير المعيّن، بأن «ما يربط السعودية وفلسطين، يفوق ما يدركه الناس» وقال إن تعيينه في هذين المنصبين، يمثّل «دعماً كبيراً للأشقاء في فلسطين، وسيمنح العلاقة أبعاداً أوسع وذات مردود إيجابي على الشعبين الشقيقين». ثم تابع القول إنه في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي العهد رئيس مجلس الوزراء، الأمير محمد بن سلمان، «أصبحت السعودية قوة إقليمية وعالمية فاعلة، وجسّدت هذه المكانة في دعم الأشقاء في فلسطين، بخطوة لها دلالات رمزية كثيرة، والمتمثلة في تعيين سفير وقنصل عام في فلسطين». كما ذكّر السديري وقال «لطالما قدمت السعودية وتقدم الدعم السياسي والمادي والمعنوي، كما قدّمت أيضاً الشهداء في حرب 48».

بعد ساعات من ذلك، نقلت جريدة «معاريف» الإسرائيلية، عن وزير خارجي إسرائيل، إيلي كوهين، ما صرّح به في مقابلة أجرتها معه إحدى محطّات الإذاعة المحلية، وقال فيه: «لا يحتاجون (السعوديون) الى طلب إذن منّا. لم ينسّقوا معنا، ولا يحتاجون للتنسيق معنا. ولن نسمح بفتح أي بعثة دبلوماسية، بشكل أو بآخر. ما وراء الأمور في خلفيّة تقدّم المحادثات (بين السعودية والإدارة الأمريكية) هو أن السعوديين يريدون إيصال رسالة إلى الفلسطينيين، بأنهم لم ينسوهم. نحن لا نسمح للدّول بفتح قنصليات. لم يتم تنسيق هذا الموضوع معنا».

هنا رجحت لديّ نهائياً كفّة التفاؤل والارتياح، على كفّة التشاؤم والانزعاج، ذلك أن العدو نفسه، ممثّلاً بوزير خارجيته، كشف انزعاجه من عدم تنسيق الإدارة الأمريكية معها في هذه الخطوة الكبيرة، ذلك إن كانت تلك الإدارة، أصلاً، على علم مسبق بالخطوة السعودية الإيجابية.

لم أكن الوحيد بين المتابعين، في التفاجؤ بالخطوة السعودية. وها هي الصحافية الإسرائيلية المخضرمة، سِميدار بيري، المتخصصة والمتابعة للشؤون العربية في والمعروفة بعمق واتساع اتصالاتها بالأجهزة وبالقيادات الإسرائيلية، تقول في جريدة «يديعوت أحرونوت» يوم الإثنين الماضي، عن القرار السعودي، أنه «قرار مفاجئ، استثنائي، غير عادي ومثير».

على أن هذا التّطور الإيجابي المعلن، في موقف المملكة العربية السعودية، يستدعي يقظة القيادة الفلسطينية الرسمية والشرعية، من وهم المراهنة على غير القدرات الفلسطينية الذاتية، في ممارسة كافة أنواع النضال والكفاح، في مواجهة الاحتلال والاستعمار الإسرائيلي، مقروناً بالدعم العربي، وقوى العدل في العالم، والفكاك من مواصلة الاعتماد على أمريكا، ووهْم إمكانية ممارستها لأي ضغط حقيقي على إسرائيل، لإرغامها على الانصياع لقرارات الشرعية الدولية.

يجدر بالقيادة الفلسطينية الرسمية والشرعية، الفكاك من مأزق ومصيدة مقولة إن «الطريق الى القدس تمر من واشنطن» ذلك أن «الطريق الى واشنطن تمر من أورشليم».

 

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى