أقلام وأراء

عماد شقور: عام 2023 فلسطينياً وعربياً وعالمياً… وليس سنة 2023

عماد شقور ٥-١-٢٠٢٣م: عام 2023 فلسطينياً وعربياً وعالمياً… وليس سنة 2023

تقول المراجع اللغوية، التي يمكن الاعتداد بها، أن كلمة «سنة» تستخدم عادة بمعنى محايد وأكثر مَيلاً للسلبية، في حين تستعمل كلمة «عام» في مَيل واضح للإيجابية. ويستدلون على ذلك بما جاء في نَصّ ثلاث آيات في «سورة يوسف»، هي الآيات 47 و48 و49، حيث تأتي كلمة «سنة» بمعنى سلبي وقحط وعجاف، وتأتي كلمة «عام» بمعنى واضح الإيجابية. ويقول نَصّ الآية الكريمة 49: «ثمّ يأتي مِن بعد ذلك عامٌ فيه يُغاث الناس وفيه يَعصُرون»، بمعنى انتهاء سبع سنوات سيّئة متتالية من الجفاف وانحباس المطر، ثم يأتي من بعد هذه السنوات «عامٌ» جيّد، ينزل فيه الغيث، (علامة الخير وسبب الخصب)، فتعطي الأرض ثمارها، وينعم الناس بالمحاصيل، ويصبح لديهم ما يعصرونه من عنب وزيتون وما شابه ذلك.

أسباب كثيرة ومتعدّدة، محليّة فلسطينيّة، وعربيّة وإسرائيليّة وإقليميّة ودوليّة، متداخلة ومتشابكة، تجعلني أعتقد أن 2023 سيكون «عام» بدء النّهوض العربي والفلسطيني. وقد يكون أهم تلك الأسباب:

1ـ فلسطينياً: على صعيد كل أشكال المقاومة والنضال، نشهد نشوء جيل فلسطيني شاب، يرفض، بالفعل والقتال، وليس بالبيانات فقط، تمادي وتطاول الاحتلال والاستعمار الصهيوني العنصري. بدءاً بعمليات فرديّة، ووصولاً الى بدء تبلور تشكيلات نضاليّة متناسقة، على غرار ما هو حاصل في جنين ومخيمها ومحيطها، ونابلس ومخيّم بلاطة ومحيطهما، من «عرين الأسود» وأمثالها، إضافة لما تشهده الخليل، وأحياء القدس العربية وقراها، وطولكرم وقلقيلية وغيرها، من «كتائب» وتشكيلات تنظيمية بعيداً عن انتماءات لـ»فصائل» فلسطينية علنيّة هرِمت.

ـ وعلى الصعيد السياسي، يشكّل النّجاح في استصدار قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة بعقد دورة خاصة لها لإحياء ذكرى «النّكبة الفلسطينية» سنة 1948، بمناسبة مرور 75 سنة على وقوعها؛ واستصدار قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة للتّوجّه الى محكمة العدل الدولية في لاهاي، لتقييم معنى استمرار وتواصل الاحتلال والاستعمار الإسرائيلي للضّفّة الغربية، ومنها القدس العربية، وكيفية مواجهته والتعامل معه؛ وصولاً إلى طلب دولة الإمارات العربية المتّحدة، (رغم «أبراهام» و»اتفاقيات أبراهام»)، وانضمام الصين اليها، في طلب عقد اجتماع خاص لمجلس الأمن الدولي، اليوم (الخميس) لمناقشة اقتحام وزير الأمن الوطني الإسرائيلي الجديد، العنصري والفاشي، إيتمار بن غفير، لباحات المسجد الأقصى في القدس، أمس الأول، والذي أدانته حتى الولايات المتحدة الأمريكية، إضافة لغالبية الدول الفاعلة في العالم.

2ـ عربيّاً: من كان يتوقع قبل سنين قليلة ماضية، ان تحصل كل هذه التطورات الإيجابية المذهلة في السعودية؟
ـ على الصعيد الاجتماعي الدّاخلي: تقييد ما كان يعرف بـ»الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكَر»، وبدء رفع القيود المجحفة بحقوق المرأة، وفتح الصالات والقاعات للفن والترفيه والفرح.

ـ على الصعيد الاقتصادي: طرح رؤية «السعودية 2030»، ورمزها البارز مدينة نيوم البالغة التّقدم والعصرية، والبحث الجدي في تعديد مصادر الدّخل الوطني، وكبح جماح الفساد والإفساد المالي، حتى من قِبَل أفراد وأُمراء في العائلة المالكة.

ـ وعلى الصعيد السياسي: الخروج من تحت عباءة الهيمنة الأمريكية التي سيطرت على مُقدّرات السعودية لأكثر من ثمانية عقود متواصلة، وتوجيه صفعات للإدارة الأمريكية، والتوافق مع روسيا في إطار «أوبك +» في موضوع خفض إمدادات وتصدير النفط، للمحافظة على أسعاره، ولرفعها، لزيادات بالغة في رفد خزاناتها بمليارات الدولارات شهرياً.

كذلك مد الجسور مع الصين، القوة العظمى الفتيّة، واستقبال رئيسها، شي جين بينغ، وعقد ثلاث قمم معه في العاصمة، الرياض، وما في ذلك من إعلان صريح ببدء عصر جديد من تمتين الروابط والتفاهم والتعاون مع القوى العالمية الصاعدة.

ـ يلحق بذلك أيضاً تأجيل/(إلغاء؟) الإمارات العربية المتّحدة أمس، لزيارة كانت مقرّرة لرئيس حكومة إسرائيل، بنيامين نتنياهو، لهذا الأسبوع.

3ـ إسرائيلياً: تمكّن نتنياهو الأسبوع الماضي، (بضربة واحدة)، من تركيب حكومته، وبدء تفكيك أجهزة دولته: من السلك القضائي، مروراً بالشّرطة، وانتهاءً بالجيش.

ـ على أن حدثين هامّين، في الأسبوع الأول لحكومة نتنياهو أخذا حيّزاً كبيراً من الاهتمام. الأقل أهمية استفزاز الفلسطينيين والعرب والعالم، بالسماح للوزير العنصري الفاشي، بن غفير باقتحام باحات المسجد الأقصى؛ لكن الحدث الأكثر أهمية، سياسياً، هو قيام وزير خارجيته، إيلي كوهين، بالمبادرة لإجراء أوّل اتصال هاتفي مع وزير الخارجية الروسي، ديمتري لافروف، منذ بدء «العملية العسكرية الخاصّة» الروسيّة في أوكرانيا، وهي الخطوة التي استدعت انزعاجاً لولي نعمتها، أمريكياً، الى درجة إصدار أحد أعضاء الكونغرس من الحزب الجمهوري، وهو ليندسي غراهام، الذي يُعتبر من أكبر الداعمين لإسرائيل، لبيان علني ينتقد فيه هذه الخطوة. على أن ما يهمّنا حول هذا الموضوع، هو ما إذا كانت إسرائيل، بقيادة نتنياهو تفكّر أو تخطّط لبدء الابتعاد عن أمريكا، وبدء التحرك باتجاه تغيير مسارها، لبناء تحالف مع القوة الصاعدة في العالم، المتمثلة في التحالف الاستراتيجي بين روسيا والصين. ذلك ما يستدعي المتابعة. وهو ليس غريباً على طريقة التفكير الصهيوني، بتغيير التحالفات، والعمل على ترك السفينة مع بدء ترنّحها، والقفز للمركب الواعد.

4ـ على الصعيد الإقليمي: الأبرز بين التطوّرات هما:

أـ التعاون الميداني العسكري الروسي ـ الإيراني، وانعكاساته على مجمل الأوضاع والتطورات في الإقليم، وهي بالتأكيد ذات تأثيرات سلبيّة على إسرائيل.

ب ـ الاندفاع التركي في اتجاه إنهاء النزاع والقطيعة مع سوريا، وكذلك مع مصر، وما لذلك من تأثير بالغ على خريطة الشرق الأوسط السياسية.

5ـ على الصعيد الدولي: يبقى الحدث الأهم هو مجريات الحرب في أوكرانيا، وانعكاسات تطوراتها الأكيدة على مجمل النظام العالمي الحالي الذي يشهد ترنّح الدور الأمريكي، وبدء وضوح صورة عالم جديد، بنظام متعدد الأقطاب. وكل ضعف لدور ومكانة أمريكا، وكل اختلال في هذا النظام العالمي بقيادتها المنفردة هو بدء تراجع لمكانة وقدرات وقوة العدو الإسرائيلي.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى