أقلام وأراء

عماد شقور: إسرائيل حامية السلطة وحماس وحارسة الانقسام

عماد شقور 20-7-2023: إسرائيل حامية السلطة وحماس وحارسة الانقسام

لا يوازي حرص القيادات الإسرائيلية على منع انهيار «السلطة الفلسطينية» إلّا حرصها على منع انهيار سلطة «حماس».

لكن، كلّما صدر تصريح لمسؤول إسرائيلي يؤكّد حرص إسرائيل على حماية أيٍّ من هذين الطّرفين الفلسطينيين الضّالَين، يحتفل ويحتفي مناصرو الطرف المقابل بذلك التصريح، وكأنّه «فضحٌ» لسرٍّ مكتوم، رغم أن ذلك في واقع الحال هو جوهر السياسة الإسرائيلية، وهو حقيقة بديهيّة واضحة، بل و«مفضوحة» على رؤوس الأشهاد.

كشفت وسائل إعلام إسرائيلية، أن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، قال في جلسة مغلقة لأعضاء حزب الليكود الإسرائيلي يوم 11.3.2019: «يجب على كل من يعارض قيام دولة فلسطينية، أن يدعم تحويل الأموال من قطر إلى حماس، هكذا أحبطنا (ونحبط) إقامة دولة فلسطينية». وما يؤكّد صحّة ودقّة هذا التصريح، هو عدم صدور أي نفي له، لا من نتنياهو، ولا من أي مصدر إسرائيلي آخر. وكذلك أيضاً، وبطبيعة الحال، صمتت سلطة حماس، والناطقون بلسانها، في حين احتفت السلطة الفلسطينية، وكل منتقدي سلطة حماس، بهذا التصريح الواضح المُعلن، وكأنه كشفٌ لسرٍ، وفضيحة لفعلة مُشينة لم تكن معروفة من قبل.

ثم جاء، قبل نحو أسبوعين، ما أعلنته قناة الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) التلفزيونية، يوم 26 حزيران/يونيو الماضي، عن نقاش في جلسة مغلقة لـ«لجنة الشؤون الخارجية والأمن» في الكنيست، وقال نتنياهو فيها، ردّاً على أسئلة بعض أعضائها عن علاقة إسرائيل بالسلطة الفلسطينية: «نستعد لليوم التالي لأبو مازن. نحن في حاجة للسلطة الفلسطينية، ولا يمكننا السّماح لها بالإنهيار. كما أننا لا نريدها أن تنهار. نحن مستعدّون لمساعدتها مالياً. لدينا مصلحة في استمرار السلطة الفلسطينية في العمل. وحيث تنجح في العمل فهي تقوم بالمهمّة نيابة عنّا، ولا مصلحة لنا في سقوطها». ولتوضيح هدف هذه السياسة، تابع نتنياهو، كما قالت قناة الكنيست: «يجب سحق (قطع) طموح الفلسطينيين في إقامة دولة». هنا أيضا صمتت السلطة الفلسطينية والناطقون بلسانها، في حين احتفت سلطة حماس، وكل منتقدي السلطة الفسطينية، بهذا التصريح المُعلن، وكأنه كشف لسرٍ، وفضيحة لفعلة مُشينة لم تكن معروفة من قبل.

واضح طبعاً أن التّصريحين المذكورين، لم يتمّ إطلاقهما في خطاب جماهيري، ولا في مؤتمر صحافي مثلاً. تمّ إطلاق الأول، (الخاص بحماس) في «جلسة مغلقة لأعضاء حزب الليكود» حيث يكون الكلام صريحاً ومباشراً، في مثل هذه الجلسات، بعيداً عن اللياقات الدبلوماسية. وكذلك هو التصريح الثاني، (الخاص بالسلطة الفلسطينية) « في جلسة مغلقة للجنة الشّؤون الخارجية والأمن في الكنيست». وهي اللجنة الأهم بين كل لجان الكنيست، ولم ينل العضوية فيها على مدى الـ75 سنة من عمرها، أيّ واحد من الأعضاء الفلسطينيين العرب في الكنيست، مع استثناءٍ واحدٍ فقط، و«شحطة» حيث نال العضوية فيها هاشم محاميد، لدورة كاملة «1999 ـ 2003» وطلب الصّانع، لمدّة شهر واحد فقط، سنة 2006، ثم أُلغيت عضويّته. ولم ينل محاميد ولا الصّانع عضويّة أيٍّ من اللجان الفرعية المنبثقة عن تلك اللجنة، والتي تناقش وتتابع وتراقب نشاطات وأعمال الجيش الإسرائيلي والمخابرات والموساد.

هذه هي صورة الواقع السياسي الفلسطيني: صورة قاتمة، تحرص إسرائيل على مدّها بإكسير الحياة؛ لا حبّاً بالسلطة الفلسطينية، ولا غراماً بحركة حماس؛ وإنّما مَقتاً ورفضاً لمنظمة التحرير الفلسطينية، الممثّل الشّرعي الوحيد للشعب الفلسطيني. انقلبت السلطة الفلسطينية على «أُمّها» منظمة التحرير، فـ»فازت» لذلك برعاية إسرائيل، وحمايتها من السقوط والإندثار؛ وانقلبت حماس على السلطة الفلسطينية، فـ»فازت» لذلك برعاية إسرائيل، وحمايتها من السقوط والإندثار. وخسر الشعب الفلسطيني ممثّله الشّرعي الوحيد. جَسَدان مُعاقان، كلّ واحدٍ منهما بِساقٍ واحدة فقط، يتنافسان مع عدوٍّ محتلٍّ ومستعمرٍ، في مباراة جريٍ لا ترحم.

مقابل هذه الصورة القاتمة للواقع السياسي الفلسطيني الرّاهن، تنتصب صورة العمل النّضالي الفلسطيني المُشرقة. صورة العمل الفدائي الذي يمارسه بثقة واقتدار وإقدامٍ واستعدادٍ للتّضحية لا مثيل له، فتية وشباب، ليسوا من الجيل الأول للنكبة الفلسطينية (1948) ولا هم من الجيل الثاني، ولا الثالث. إنهم من الجيل الرابع، بل ربما أنهم من براعم الجيل الخامس أيضاً.

[لا يضيرني، هنا، التّذكير بما روته كثير من وسائل الإعلام الإسرائيلية والعالمية، قبل أكثر من ستة عقود، عن ردٍّ متعجرفٍ لرئيسة الحكومة الإسرائيلية الأسبق، غولدا مئير، على سؤال حول نظرتها لمستقبل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، من أن «الآباء يموتون، والأبناء ينسون، وينتهي الصراع». لكن ها قد مات غالبية (إن لم يكن كل) آباء سنة النّكبة الكئيبة، ولحقهم كثيرون من أبنائهم، وبعضٌ من أحفادهم، وها هم أبناء أحفادهم يواصلون الصراع ويمارسون العمل النضالي والفدائي ضد الاحتلال والاستعمار الإسرائيلي].

في اللغة العبريّة، رغم أنّها من أفقر لغات العالم، كلمة لا مقابل لها في لغتنا العربيّة، (وربّما في أيٍّ من لغات العالم التي تقارب الـ7000 لغة) رغم أن لغتنا واحدة من أغنى هذه اللغات، بل ربما أغناها وأكثرها اتّساعاً. تلك الكلمة العبريّة هي «نين» التي تعني «إبن الحفيد». وإن جاز لي أن أجتهد، فإنني أقترح على أيٍّ من مجامع اللغة العربية، (وهي 17 مَجْمَعاً لُغوياً عربيّاً، واحد منها هو «مجمع اللغة العربية الفلسطيني») تبنّي نحت كلمة عربية جديدة، هي كلمة «خفيد» حيث أن حرف الخاء، في أبجديّة لغتنا العربية، هو الحرف التّالي لحرف الحاء، ولنتمكن أن نقول لغولدا مئير: ها إن الآباء قد ماتوا، لكن الأبناء لم ينسوا، ولا الأحفاد نسوا، وها هم «الأخفاد» في فلسطين، وفي دول اللجوء، وفي جـِ»نين» عاصمة الفدائيين، يواصلون النضال والفداء، جيلاً بعد جيل بعد جيل، و«الحَبِل على الجرّار» الى حين استعادة شعبنا الفلسطيني كامل حقوقه في التّحرر وتقرير المصير.

تقول القاعدة المعروفة أن «دَور العمل النضالي هو الزراعة، ودَور العمل السياسي هو الحصاد». وأكثر ما يؤلم الشعب الفلسطيني، في هذا الزّمن الرّديء، هو عجز القيادة السياسية الفلسطينية الحالية، في «حصاد» ما «يزرعه» المناضلون الفدائيون من شباب وفتية الشعب الفلسطيني.

نعيش، كشعب فلسطيني، «ظروفاً ذاتيّة» بالغة السّوء. ولكن الواقع العالمي والدولي، قيد التّشكّل، يخلق «ظروفاً موضوعيّة» بالغة الإيجابية. نعيش المراحل الأولى من انطلاق نظام عالمي جديد. فهنيئاً، ومبروك، لكل عربي، بشكل عام، ولكل فلسطيني، بشكل خاص، يعيش هذه الأيام الواعدة بتغيير جذري في واقع العالم، وتحولّه من عالم الظّلم والظّلام، الذي غطّى كل أرض فلسطين وسمائها، على مدى أكثر من قرن من الزّمان، ومنذ «وعد بلفور» تحديداً، الى عالم أكثر عدلاً في تعامله مع حقوق الشعب الفلسطيني، في التّحرر من الاحتلال الصهيوني، ومن الاستعمار الإسرائيلي.

عندما يبدأ هذا الأمل في التّحقق على أرض الواقع، فإنه لن يكون «بفضل» أداء القيادة السياسية الفلسطينية، وإنما «برغم» الأداء الّركيك لهذه القيادة.

 

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى