أقلام وأراء

علي حمادة: ماكرون في إسرائيل

علي حمادة 25-10-2023: ماكرون في إسرائيل

لم يكن سهلاً على الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن يتوجه إلى إسرائيل لـ“التضامن” معها، حتى بعد مرور أكثر من أسبوعين على عملية “طوفان الأقصى” التي نفذتها حركة حماس. فبالرغم من سقوط أكثر من أربعين شخصاً يحملون الجنسية الفرنسية في عداد القتلى، وعدد آخر في عداد المحتجزين، لم يستطع الرئيس الفرنسي أن يكون بين أول الواصلين إلى تل أبيب، نظراً لحراجة الموقف في الداخل الفرنسي، لا سيما أن شريحة فرنسية من أصول عربية أو مسلمة تؤيد القضية الفلسطينية، وتتعاطف مع حركة حماس والعملية التي قامت بها. وهذه الشريحة التي يقدر عددها الإجمالي بحوالي الستة ملايين شخص من أصل ستين مليون فرنسي يمثلون وزناً يُعتدّ به، لا سيما أنهم يقطنون ضواحي المدن الكبرى، وفي مقدمها العاصمة باريس. ومع ذلك كان موقف الرئيس الفرنسي واضحاً لجهة تعاطفه الحاسم مع الإسرائيليين في ما يتعلق بهجوم حماس يوم السابع من تشرين الأول – أكتوبر. لكن من دون أن يجنح كثيراً اتخذ قراراً بمنع التظاهرات المتعاطفة مع العملية وحركة حماس. لكن مع مرور الوقت وبدء الرد الإسرائيلي القوي على قطاع غزة، وانتشار المشاهد والصور المروعة لأطفال ونساء وشيوخ تحت القصف الإسرائيلي أو تحت ركام البيوت، وفي ردهات المستشفيات، ما عاد بإمكان الحكومة الفرنسية أن تحصر التجمعات المتعاطفة مع الفلسطينيين، لا سيما أن الوضع المتردي على مسرح القصف الإسرائيلي خلط الأوراق وشجع المؤيدين على النزول إلى الشارع والتظاهر.

في حسابات الرئيس الفرنسي الأساسية ما صرح به خلال زيارته تل أبيب من أنه يدعو إلى تشكيل تحالف دولي لمحاربة حماس على قدم وساق مع تنظيم “داعش”. بمعنى أنه وضع التنظيمين في مرتبة واحدة تبعاً للقراءة الإسرائيلية. لكن ماكرون احتفظ في مكان آخر بأوراقه السياسية والدبلوماسية لمرحلة مقبلة من خلال زيارته لرام الله ولقائه رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس، إعادة التأكيد للرئيس عباس تأييد فرنسا لضرورة فتح أفق سياسي في الأزمة والعمل على ترجمة لحل الدولتين على أرض الواقع. فالرئيس ماكرون أبدى تعاطفاً مع إسرائيل لكنه أوضح أنه صديق إسرائيل والفلسطينيين في آن معاً.

بناءً على ما تقدم، يأمل الرئيس الفرنسي أن يتمكن بعد تجنب توسيع الحرب إلى جبهات أخرى، وتوقف القتال في غزة، أن يدير محركاته الدبلوماسية مع شركاء دوليين آخرين في اتجاه إعادة تعويم السلطة الوطنية الفلسطينية بناءً على وقع الصدمة الكبيرة التي تلقتها إسرائيل جراء هجوم حماس في 7 تشرين الأول(أكتوبر). الأمر الذي يعزز فرضية أن العواصم الراغبة في العودة إلى عملية سلمية جدية مثل باريس ستكون قادرة على إعادة دفع الحكومة الإسرائيلية التي ستأتي بعد الحالية نحو عملية سلمية، على قاعدة أن إهمال السلام، وإهمال حقوق الفلسطينيين أدى إلى انفجار الموقف. وإن لم تتم معالجة الموضوع فسيحدث انفجار جديد أكثر خطورة.

يخشى الرئيس الفرنسي أنه إذا ما انحاز كثيراً لمدة طويلة إلى الموقف والقراءة الإسرائيلية بشأن ما حدث أن يشعل الضواحي التي تقطنها غالبية من أصول عربية ومسلمة. وفي المقابل، عليه أن يكون حازماً جداً كي يشعر يهود فرنسا البالغ عددهم حوالي 700 ألف شخص أنهم في أمان في بلد باتت الديانة الثانية فيه بعد الكاثوليكية هي الإسلام. وبالتالي فإن أحكام الديموغرافيا ستكون قاسية للفرنسيين اليهود.

خلاصة القول أن الرئيس ماكرون ومن سيخلفونه في الرئاسة سيكونون في موقع لا يُحسدون عليه!

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى