أقلام وأراء

علي حمادة: لماذا قرعت طبول الحرب في سوريا والعراق وبحار الخليج العربي؟

علي حمادة 21-08-2023: لماذا قرعت طبول الحرب في سوريا والعراق وبحار الخليج العربي؟

بعدما قُرعت على مدى الأسبوعين الماضيين طبول الحرب في شرق سوريا، راجت معلومات عن انّ القوات الأميركية تحضّر لعمل عسكري كبير في شرق سوريا على الحدود مع العراق لناحية مدينة دير الزور، بهدف قطع طريق “وحدة الساحات” الرابط بين طهران وبيروت مروراً بدمشق عبر معبر البوكمال. انتقل الحديث عن عملية عسكرية أميركية في العراق يجري التحضير لها ضدّ ميليشيات “الحشد الشعبي”، بعدما تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي صوراً ولقطات فيديو لقوافل عسكرية أميركية تنقل عتاداً ثقيلاً تتنقل من موقع إلى موقع في محافظات عراقية عدة.

وبالرغم من أنّ واشنطن، ورداً على الاستفسارات، أعلنت انّها تُجري مناقلات روتينية بين وحدات عسكرية مغادرة وأخرى تحلّ مكانها، فإنّ منسوب التوتر في العراق ارتفع في الأيام القليلة الماضية، وخصوصاً انّ هذه التحرّكات التي ملأت صورها الفضاء الافتراضي، وحجم القوافل الكبيرة، لم تُواجه بأي ردّ فعل من جانب ميليشيات “الحشد الشعبي”، التي عادةً ما ترفع في كل مناسبة شعار إخراج القوات الأميركية من العراق. هذه المرّة اختفت مظاهر فصائل “الحشد الشعبي” المسلّحة في كل مكان، وكأنّ امراً صدر إليها يحظّر أي احتكاك مع الاميركيين.

واللافت انّ قائد “فيلق القدس” اسماعيل قآني زار العراق مرتين في الأسبوع الماضي، وشوهد يتجوّل في النجف بشكل عادي وطبيعي، وقيل إنّه أمر الفصائل “الولائية” بعدم التحرّش بالقوات الأميركية تحت أي ظرف من الظروف.

وبالطبع، ترافقت عملية تبديل القوات الأميركية على الأرض، بحشد واشنطن اسطولاً بحرياً كبيراً في الخليج العربي ومحيط مضيق هرمز وبحر العرب، هدفه المعلن منع التعدّيات والقرصنة الإيرانية في تلك البحار. لكن هدفه غير المعلن الذي تحدثت عنه مصادر عراقية بعث رسالة قوية إلى ايران في العراق وسوريا، بأنّ الردّ على تحرّشات ميليشياتها بالقوات الأميركية سيُقابل بقوة فائقة ومتفوقة تلحق أذى كبيراً بمصالح طهران في البلدين.

والحال أنّ التحركات الأميركية في سوريا، خصوصاً في قاعدة التنف، وبعض القواعد المنتشرة في منطقة عمليات قوات “قسد”، أحدثت بلبلة مماثلة لما حصل في العراق، مع رواج معلومات غير مؤكّدة أنّ الهدف الأبعد من هذه التحرّكات سيكون قطع الطريق على ما يسمّى “وحدة الساحات” بين طهران، بغداد، دمشق وبيروت، عند المعابر الحدودية بين العراق وسوريا.

فما مدى صحة هذه الروايات؟ كل المؤشرات تدلّ إلى أنّ التحركات حقيقية، وأنّه يجري تعزيز القواعد الأميركية المشتركة مع مختلف المعارضات السورية العربية والكردية بعناصر جديدة، ويتمّ تسليحها بشكل شبه معلن، ربما بهدف إخطار العدو أنّ المسألة جدّية، وأنّ مرحلة التفلّت الإيراني المطلق عند الحدود العراقية – السورية تشهد تغييراً على مستوى قواعد اللعبة وحدود الحركة.

فهل يغامر الأميركيون حقاً بمحاولة قطع طريق “وحدة الساحات ” أو التضييق عليها؟

هنا السؤال الذي لا يبدو أنّ أياً من المراقبين يملك إجابات حاسمة بشأنه. ففيما كان مستوى التوتر الذي نتحدث عنه يرتفع في العراق وسوريا، كانت واشنطن تُفرج عن أصول إيرانية مجمّدة قٌدّرت بمليارات عدة، وتتبادل معها عدداً من السجناء. كما أنّ طهران كانت تعيد تحريك اتصالاتها مع المملكة العربية السعودية مع زيارة وزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان للرياض وجدة، مصطحباً معه سفير إيران في الرياض المعيّن أخيراً، ترجمةً للاتفاق السعودي – الإيراني الموقّع في شهر آذار (مارس) الماضي بضمانة الصين، الذي يُفترض أنّه فتح صفحة جديدة في العلاقات بين ايران و الرياض.

إذاً، ماذا تعني طبول الحرب في سوريا العراق وبحار الخليج العربي؟ قد تكون مؤشراً لعودة أميركية حيوية تفاعلية إلى المنطقة، ورسالة إلى روسيا في سوريا، وإيران في سوريا، العراق ولبنان، بأنّ مرحلة التفرّد ببلاد الشام التي حصلت في الأشهر الأخيرة انتهت.

لقد عاد الشريك الأميركي إلى الساحة يحمل في جعبته ملفاً كبيراً يعمل من أجله: التطبيع بين الرياض وتل ابيب تزامناً مع منع بكين من التمدّد بلا ضوابط في منطقة نفوذ أميركية تقليدية.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى