في مطلق الأحوال يجب انتظار التنفيذ إذا تم، من أجل الحكم على موقف البيت الأبيض الذي يبدو أنه يتخذ صفة فرض أمر واقع على إسرائيل، حتى من دون مشاورتها. وإلا فما معنى أن يسارع مكتب نتنياهو إلى رفض وقف القتال؟ إلا إذا كان جزءاً من توزيع وظيفي بين الطرفين من أجل تحسين شروط الاتفاق على هدن إنسانية يمكن أن تقترن بإطلاق سراح عدد من الرهائن الأميركيين وغير الإسرائيليين كمرحلة أولى.
ولعل من المهم أن نشير إلى الاجتماع الشديد الأهمية الذي عقد في الدوحة بدعوة من رئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني، وضم إليه كلاً من مدير “وكالة الاستخبارات المركزية” الأميركية وليم بيرنز، ورئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي “الموساد” دايفيد بارنيع. هدف الاجتماع البحث عن سبل لصفقة تؤدي إلى إطلاق “حماس” والفصائل الأخرى سراح أكبر عدد من الرهائن، في مقابل هدنة قد تصل إلى ثلاثة أيام أو أكثر حسبما قال الرئيس الأميركي في تصريح له يوم أمس. أضف إلى ما تقدم فتح المعابر لإدخال المساعدات بشكل أوسع. وتعرف إسرائيل أن إطلاق الرهائن سيبقى ملفاً عالقاً لمدة طويلة نظراً إلى الأعداد الكبيرة منهم.
الإسرائيليون يعتبرون أن الهدن يجب أن تنتزع منهم بصعوبة بالغة، ولقاء ثمن كبير يتمثل بإطلاق أكبر عدد من الرهائن. لكن المسالة أكثر تعقيداً من ذلك وقضية الرهائن قد تطول لأشهر وربما لسنوات عدة. وما هو أهم من ذلك كله أن الهدن قد تؤدي في نهاية المطاف إلى تفريغ كامل الجزء الشمالي من قطاع غزة من المدنيين، وربما يسبق ذلك نجاح تل أبيب في إقفال آخر المستشفيات التي لا تزال عاملة في مدينة غزة. وتفريغ شمال قطاع غزة من كامل سكانه قد يمهد لحرب شوارع طويل الأمد بين القوات الإسرائيلية والفصائل الفلسطينية، ويسهل على الإسرائيليين مهمة القيام بعملية هدم منهجية للمدينة بحيث إنها ستصبح بعد أسابيع عبارة عن ركام. وستحتاج إعادة البناء إلى أعوام طويلة.
لذلك كله من المهم أن نعرف أن الهدن التي تشكل فرصة للمهاجمين لإطلاق سراح رهائن، وفرصة للمدافعين لالتقاط الأنفاس وإعادة تنظيم صفوفهم، ستكون بلا شك خطوة في اتجاه ترحيل من تبقى من المدنيين في الجزء الشمالي من قطاع غزة. إنها معادلة دقيقة وهوامش المناورة فيها ضيقة للجميع.