أقلام وأراء

عبدالوهاب بدرخان: السودان: سباق التّسوية والحرب القبليّة الأهليّة

عبدالوهاب بدرخان 29-8-2023: : السودان: سباق التّسوية والحرب القبليّة الأهليّة

ما الذي فرمل هجوم “قوات الدعم السريع” على معسكر سلاح المدرعات التابع للجيش السوداني؟ بكلمة مباشرة: ما أوقف المعركة كان ضغطاً خارجياً، أميركياً – سعودياً من جهة، وأميركياً – أفريقياً مواكباً، بعدما حقّق فيها “الدعم” أول رهاناته، ونجح في اختراق دفاعات المعسكر، الموقع الوحيد الذي لم يسمح قادته لعبد الفتاح البرهان بإدخال “الدعم” إليه، كما فعل بالنسبة إلى مواقع أخرى، بينها القيادة العامة للجيش. وذُكر، من دون تأكيد، أن الجزء الجنوبي – الغربي الذي هوجم كان تحت سيطرة الإسلاميين (كتيبة البراء بن مالك) أو “الكيزان” وفق التسمية السودانية لـ”الإخوان”.

دخل مقاتلو “الدعم” المخازن واستولوا على ذخائر ومعدّات وأصبحت دبابات في متناولهم. ردّ الجيش على الهجوم مستخدماً مقاتلات جوية، واستمرّ القتال نحو أربعة أيام، بدءاً من الأحد 20 آب (أغسطس)، ثم غابت أخبار المواجهة التي وُصفت بـ”الحاسمة” وبأنها “أم المعارك”، ولو استمرّت لأدّت إلى مذبحة بل إلى تدمير أهم الموقع العسكرية بأيدي الجيش و”الدعم” معاً.

رغم الخسائر كان المراقبون في الخرطوم يتوقعون أن تسفر المعركة عن نجاح “الدعم” بإسقاط المعسكر وصعود نجم قائده “حميدتي”، مع كلّ الإدانات الداخلية والدولية التي انهالت على قواته جرّاء الانتهاكات والمجازر المروّعة التي ارتكبتها ضد المدنيين في العاصمة كما في دارفور. لذلك عنى توقف المعركة أن داعمي “حميدتي” أبلغوه أنه يوشك أن يتجاوز “الخط الأحمر”، ومن جانبه تلقّى البرهان إشارة إلى أن الوقت حان للتفاوض على وقف إطلاق النار، وبالتالي على تسوية. حدث ذلك بعد أيام قليلة على اجتماع في أديس أبابا ضمّ القوى السياسية المدنية الموقعة على الاتفاق الإطاري (كانون الأول/ ديسمبر 2022) اتُّفق فيه على أن الحرب ليست الطريق الصحيح لتسوية الصراعات السودانية و”يجب أن تنتهي عبر حل سياسي يؤدّي إلى اتفاق وطني”. وفي السياق دانت القوى المدنية “الجرائم الجسيمة والانتهاكات الواسعة التي نتجت من الحرب، وبخاصّة جرائم القتل واللب والنهب واحتلال البيوت” من جانب قوات “الدعم”، ودانت أيضاً “جرائم القتل والقصف الجوي للمدنيين والاعتقالات التعسّفية وحماية أنشطة فلول النظام السابق”، من جانب الجيش.

فجأة أقلعت طائرة عمودية وعلى متنها قائد الجيش الفريق البرهان، وكانت هذه المرّة الأولى التي يغادر فيها القيادة العامة منذ بداية الحرب. وبعد تفقّد القاعدة الجوية في منطقة وادي سيدنا شمال أم درمان، ذُكر أنه انتقل إلى بورتسودان التي سيجعل منها مقراً يمارس من خلاله مهمات مجلس السيادة وربما يشكّل حكومة لتسيير شؤون الدولة برئاسة مالك عقار نائبه في المجلس، كما أنه سيزور عدداً من الدول بدءاً من مصر للاطلاع على مبادرة دول الجوار، ثم السعودية حيث لا تزال منصة جدّة للتفاوض قائمة ويُفترض أن يتمّ تفعيلها. وهناك تكهّنات بإمكان جمع البرهان مع “حميدتي” للاتفاق على وقف القتال، وهو أمر استبعده الجيش على الدوام، كما أن مالك عقار أكّد أن “خريطة الطريق ستعمل على إنهاء وجود أي تشكيل عسكري خارج القوات المسلحة”.

لكن الدول المعنية بالبحث عن حل سياسي لا ترى مفراً من لقاء الجنرالين للحصول على وقف لإطلاق النار، وعلى تسهيلات جدّية لإيصال المساعدات الإنسانية، بعدما رفعت الأمم المتحدة صوتها محذّرة من أن “الحرب والجوع سيدمّران السودان”.

وتتفق مصادر عدّة داخل السودان على أن البرهان كان محاصراً في القيادة العامة وتحت ضغط عسكريين مصنّفين من “الإخوان” أو من إسلاميي نظام عمر البشير، وكان هؤلاء اتُّهموا بأنهم أطلقوا الشرارة الأولى للحرب، ومن الواضح أنهم قاوموا ويقاومون أي مساعٍ لإنهائها. فعدا أنهم لاموا البرهان على تسليمه “حميدتي” العديد من المواقع المهمة، فإنهم انتقدوه أكثر من مرّة خلال الحرب لأنه رفض عدداً من مطالبهم، ثم إنهم يكثّفون الهجمات عليه بعد مغادرته ويدعونه الآن إلى عدم زيارة جدّة نظراً إلى النتائج المتوقّعة منها. لذلك تخشى هذه المصادر من أن يرتّب الإسلاميون انقلاباً على البرهان، إذ إنهم كانوا ولا يزالون يسيطرون على الاستخبارات العسكرية وعلى وحدات في الجيش. لكن يبدو أنهم يركّزون اهتمامهم على خطة أخرى قيد الإعداد والتجهيز، وهي معلنة من خلال ما سمّي “الاستنفار الإسلامي” الذي استقطب أكثر من مئتي ألف من شباب القبائل الذين دُعوا إلى حمل السلاح دفاعاً عن مدنهم ومناطقهم. ولأجل ذلك يستخدم الإسلاميون مخازن الجيش للتسليح ويقيمون معسكرات تدريب خارج الخرطوم.

هذا الوضع جعل محللين في الداخل والخارج يعتبرون أن الإسلاميين يقدّرون أن الفصل “النظامي” من الحرب انتهى أو يوشك على الانتهاء، من دون أن يحققوا المكاسب التي توخّوها بالعودة إلى الاستيلاء على السلطة، لذا فإنهم يريدون استكماله بحرب “أهلية – قبلية”، وقد ينجحون في ذلك ما لم يحصل “حلّ سريع ومفاجئ”، وإذا حصل فعلاً فإن الإسلاميين – و”الإخوان” تحديداً – مرشحون لأن يبقوا خارجه وقد يكونون أبرز الخاسرين منه، سواء لأن لا “أصدقاء” لهم أو لأنهم منذ “ثورة ديسمبر 2018” لم يعترفوا بالواقع.

لكن من أين سيأتي هذا “الحلّ”؟ يجري العمل حالياً على إنضاج مسارين: الأول في مفاوضات جدّة، والآخر في الجمع بين مبادرات الاتحاد الأفريقي وهيئة “إيغاد” ودول الجوار. وتلعب الولايات المتحدة وإثيوبيا دور التنسيق في ما بينها. في المسار العسكري في جدّة يُراد تكريس مبدأ أن أي مفاوضات عسكرية لا بدّ من أن تُبنى على وجود “جيش” لتكون هناك دولة، وهذا ما يفسّر إحجام “حميدتي” عن/ أو منعه من متابعة معركة معسكر المدرعات لأن الاستيلاء عليه كان سيمهّد للسيطرة على القاعدة الجويّة، كما يفسّر خروج البرهان للتفاوض. ويقول مصدر مطلع إن هذه المفاوضات ترمي إلى هدف صعب وهو إقناع الطرفين، وكذلك الإسلاميين كطرف ثالث، بأنهم جميعاً “خاسرون” إذا واصلوا الحرب. ومن بين الأفكار المطروحة “إخلاء الخرطوم” وحلول قوة أفريقية فيها بإشراف دولي لفترة انتقالية محدّدة. أما المسار المدني في إثيوبيا، الذي تتولّاه مجموعة كبيرة من الكفاءات وبينها عبد الله حمدوك، فبلغ مرحلة متقدّمة، وهو يسعى إلى جمع غالبية الأطراف الحزبية من خارج “الموقّعين على الاتفاق الإطاري” لتكوين “جبهة وطنية لوقف الحري”، ويركّز عمله على إيجاد آلية مدنية جاهزة لإدارة الدولة.

 

 

مركز الناطور للدراسات والابحاثFacebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى