أقلام وأراء

عاطف الغمري: ماذا بعد نهاية التمرد في روسيا؟

عاطف الغمري 6-7-2023: ماذا بعد نهاية التمرد في روسيا؟

ساعات معبأة بالقلق والمخاوف مرت على روسيا، وبقسوتها على الرئيس بوتين، وبجذب أنظار العالم. وبدا خلال الساعات الأولى منها أن الدماء ستراق في روسيا، وعلى الأخص في العاصمة موسكو. وتزايدت التكهنات بما سيكون عليه مصير بوتين والدولة الروسية كذلك.

صحيح أن الأزمة العاتية بكل السيناريوهات الدموية، لم تستغرق سوى يوم واحد، لكن يبقى سؤال يلحّ على الذهن، أفرزته تكهنات كنت أتابعها على مدى عام كامل في مراكز الفكر السياسي في أمريكا وأوروبا. وكلها تتوقع أن تشهد روسيا حدثاً كهذا الذي حدث. وسوف يتمثل في تمرد داخلي ضد الرئيس بوتين ينتهي بإزاحته عن الحكم.

حتى إن بعض المفكرين السياسيين والمحللين في الغرب، وصل تقديرهم إلى الاعتقاد بأن إطالة أمد حرب أوكرانيا يمكن أن ينهى النزاع لطرف واحد، دون الحاجة إلى التسرع في مفاوضات للحل. ولم يكن ذلك بعيداً عن تركيز من المتابعين في الغرب لما يجرى في موسكو، ومعهم أجهزة المخابرات الغربية بمتابعة استثنائية لما يجرى.

الملاحظ أنه قبل أن تنتهي الأزمة بوساطة رئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو، فإن الأحداث اتخذت شكلاً بالغ الإثارة. فمثلاً كان يفغينى بريجوغين قائد تنظيم فاغنر، قد بدأ قبل ذلك بشهور في مهاجمة المؤسسة العسكرية الروسية، وتحديداً وزير الدفاع سيرجى شويغو، ورئيس الأركان فاليرى غيراسيموف، ويتهمهما بعدم الكفاءة في إدارة الحرب في أوكرانيا.

ولكى تتضح كل أبعاد صورة ما جرى، كان مهمّاً معرفة: من هو قائد فاغنر؟

إن مسيرته تدرجت من صاحب مطاعم، وحدث أن كان بوتين يتردد على مطاعمه ويتناول وجباته به. وهناك تعرّف عليه، وتدريجياً راح بريغوجين يطور من نشاطه، وطلب السماح له بتقديم وجبات غذائية للجيش.

ومع اقترابه من المؤسسة العسكرية زادت طموحاته التي وصلت إلى تشكيله لمنظمة فاغنر والتي اتسع نشاطها بأن ضمت إليها أعداداً من المدنيين، ومنهم محاربون قدماء، ثم اتسع نشاطها منذ عام 2010 بمشاركة مقاتليها في عمليات في سوريا، وليبيا، ودول إفريقية.

كانت ذروة الأحداث هي في ساعات زحفه بقواته نحو العاصمة موسكو، وهنا تساءل محللون من دول أخرى، كيف لرجل يقود ما لا يزيد على 50 ألف جندي أن يواجه جيش الدولة الروسية الذي يضم أكثر من مليونين ونصف المليون.

ثم جاءت في مساء نفس يوم السبت مفاجأة إعلان بريغوجين سحب قواته من العاصمة موسكو، تفادياً لإراقة الدماء على حد قوله. قبلها وفى صباح نفس اليوم كان بوتين قد اتهمه بالخيانة، وتعهد بمعاقبة المشاركين في التمرد المسلح.

وفي المساء أعلن الكرملين، أن المرتزقة وافقوا على اتفاق أتمّه رئيس بيلاروسيا، وقال المتحدث إنه سيتم إسقاط العقوبات الجنائية عن بريغوجين، الذي سيذهب إلى بيلاروسيا ليقيم هناك.

وبالعودة إلى الصورة التي كانت تدور في أذهان خبراء في عدد من مراكز البحوث في الغرب، أن هناك انقسامات داخل روسيا حول التصعيد في الحرب، وأن عام 2023 يمكن أن يشهد ذروة صراع سياسي بين العسكريين، وبين سياسيين مثل بريغوجين، كما استخدم تعبير يقول إن الحياة السياسية الروسية ستبقى في قبضة مناخ شرس، تشعر فيه النخبة بالقلق والخوف على المستقبل.

وبعد أن أصبحنا الآن في فترة ما بعد الأزمة، فقد تعددت وجهات النظر في الغرب لما جرى، مثلاً– قال ألكسندر جابوف مدير مركز الدراسات الروسية، إنه رغم ما يبدو من نهاية للتمرد إلا أن مركز بوتين سيضعف وسيواجه تحديات لسلطاته.

وإن كان صمويل شارب من كبار محللي مؤسسة «راند» الأمريكية، قد دعا للحذر في إطلاق هذه النوعية من التوقعات، لأنها لا تستند إلى العلم بكافة جوانب الأحداث التي جرت، ولأن ما يعرف حتى الآن هو قليل من المعلومات.

وأخيراً، حتى ولو كانت توقعات حدوث ما جرى يوم السبت 24-6-2023، مجرد تكهنات أو تمنيات، إلا أن ما فعله قائد فاغنر جاء ترديداً، لما شغلت به كثير من مراكز بحوث في الغرب، حتى إن من المراقبين من اتهمه بالخيانة، لكن ذلك يبقى مجرد ملاحظة على حدث انتهى قبل أن يبدأ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى