أقلام وأراء

عاطف الغمري: أمريكا وخطة تمرد فاغنر

عاطف الغمري 12-7-2023: أمريكا وخطة تمرد فاغنر

بافتراض أن أزمة التمرد المسلح في روسيا قد طويت صفحتها، ولو مؤقتاً، فماذا عن صفحة لا تزال مفتوحة بعد أن أُعلن في أمريكا، أن وكالات مخابراتها كانت تعلم مسبقاً، عن خطة بريغوجين قائد «فاغنر»، الزحف عسكرياً نحو موسكو، فيما وصف بمحاولة انقلاب ضد الرئيس بوتين.

والمثير للانتباه، هو: لو أن تلك المعلومات كانت تخص دولة أخرى، لكانت أمريكا نبّهتها إليها. أما وأن المستهدف هو بوتين، فلم يكن يهمها أن تحذره.

هذه المعلومات نشرتها صحيفتا «نيويورك تايمز»، و«واشنطن بوست». وكلتاهما قالت إن الولايات المتحدة وصلتها معلومات مخابراتية عن خطة بريغوجين للتمرد على القيادات العليا العسكرية في روسيا، وبالتالي على بوتين.

«نيويورك تايمز» قالت إن مسؤولين في أجهزة المخابرات الأمريكية أبلغوا عدداً من كبار المسؤولين السياسيين والعسكريين، قبل حدوث التمرد بأيام، أن قائد «فاغنر» يجهز للتحرك عسكرياً ضد كبار القادة العسكريين الروس، خاصة وزير الدفاع، ورئيس هيئة الأركان.

وأضافت أن معرفة المسؤولين الأمريكيين بهذه المعلومات يوضح أن الولايات المتحدة كانت تعرف، بدقة، الأحداث التي وقعت بعد ذلك في روسيا.

المسؤولون الأمريكيون ركزوا أنظارهم على جانب غير معلن في خطة «فاغنر»، وغير معروفة صحته من عدمها، وهو ما تحدثت عنه «نيويورك تايمز»، من أن مسؤولين أمريكيين صرحوا للصحيفة بأن جنرالاً روسياً كانت لديه معلومات عن خطة «فاغنر»، ولهذا فهم يحاولون في الوقت الحالي تحديد ما إذا كان هذا الجنرال – الذي لم يذكروا اسمه – ساعد بريغوجين في إعداد خطة التمرد.

من ناحيتها نشرت صحيفة «واشنطن بوست»، المعلومات التجسسية نفسها. وقالت إن المسؤولين الأمريكيين كانوا ذكروا في مطلع عام 2023، إن الانتقادات العنيفة من جانب بريغوجين ضد القادة العسكريين الروس، واتهامه لهم بالفساد وعدم الكفاءة، تحولت إلى مادة تناقلتها وسائل الإعلام العالمية، وإن مسؤولي أجهزة المخابرات الأمريكية كانوا أول من نبّه إلى ما ينوي بريغوجين فعله. ثم إن مسؤولي أجهزة المخابرات قالوا إنهم لم يكونوا يعرفون ما هي النتائج التي ستترتب على تمرد «فاغنر» ضد بوتين. لكن أكثر ما كان يثير قلقهم هو أن يؤدي التمرد إلى فقدان السيطرة على أسلحة روسيا النووية.

وحتى الآن، لا تزال أجهزة المخابرات في دول الغرب تتابع وتحلل ما حدث في روسيا، مع تركيز خاص على تأثيراته بالنسبة إلى حرب أوكرانيا، خصوصاً أن انقلاب «فاغنر» كان ضمن مخططاته الإطاحة بالرئيس بوتين، واستهداف كل من شويغو وزير الدفاع، وجيراسيموف، رئيس هيئة الأركان ، في وقت انشغال روسيا بعملياتها العسكرية بأوكرانيا.

ومما لفت انتباه أجهزة المخابرات الغربية، دخول قوات «فاغنر» في صدام مسلح ومباشر مع قوات تابعة لوزارة الدفاع في الساعات الأولى من بدء التمرد المسلح. بل إن بريغوجين هدد بالزحف على موسكو إذا لم يتم تسليم وزير الدفاع إليه، وكان ذلك عقب سيطرة قوات «فاغنر» على مدينة روستوف التي تبعد 300 كيلومتر عن موسكو.

وحسب تقييم وسائل الإعلام الغربية فإنها قالت إن الشكوك راحت تحيط بنوايا بريغوجين عندما بدأ بمهاجمة جيش الدولة الروسية، وهو التطور الذي راحت تنقله وسائل الإعلام العالمية، وأجهزة مخابرات في دول تدعم أوكرانيا في حربها. ما جعل البعض من هذه الوسائل الإعلامية، ينظر إلى التمرد على أنه خيانة لدولة في حالة حرب.

وبالطبع لم يفت التحليلات الغربية ملاحظة أن ما فتح الباب أمام بريغوجين للإقدام على هذا التصرف، أنه سبق له امتلاك القدرة على أن ينفذ إلى دائرة صناعة القرار، وهو خطأ وقع فيه بوتين نفسه، وبذلك سمح له هذا النفاذ بالاطلاع على أسرار دولة في حالة حرب.

وطرحت ضمن هذه التحليلات تساؤلات عن احتمال الخيانة. والتساؤل أيضاً عما إذا كان بريغوجين أراد القيام بعملية اختبار للقوة العسكرية للدولة الروسية.

ولم يكن غائباً عن هذه الرؤية سؤال آخر مكمل لما سبقه، لم يبارح أذهان الكثيرين في الغرب وهو: هل كان ما فعله قائد تنظيم «فاغنر»، جزءاً من صفقة مع دول أجنبية، باعتبار أنه رجل يقود تنظيماً من المرتزقة، الذين يقاتلون مقابل ما يتقاضونه من أجر؟

ولحق بمقولاتهم تلك سؤال مكمل لها يقول: وهل كان الأجر الذي سيتقاضونه يستحق الخيانة، أو حتى المغامرة؟ ثم يختمون تساؤلاتهم الحائرة، بالقول إنهم في كل الأحوال مرتزقة، بلا عقيدة وطنية، أو الانتماء للوطن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى