أقلام وأراء

سميح صعب: اخضاع كرباخ أين تقف روسيا؟

سميح صعب 22-09-2023: اخضاع كرباخ أين تقف روسيا؟

تى انفجار العمليات العسكرية في إقليم ناغورني كرباخ، ليسلّط الضوء على نزاع آخر لا يزال من دون تسوية منذ تفكّك الاتحاد السوفياتي السابق. حربان في عامي 1994 و 2020، والثلثاء شنّت أذربيجان هجوماً خاطفاً انتهى باتفاق على تسليم المقاتلين الأرمن في الإقليم لسلاحهم، وبدء محادثات مع باكو حول مستقبل هذه المنطقة.

هل أضعفت هذه التطورات روسيا أم أنّها كانت عملية انطوت على موافقة ضمنية منها، رداً على التقارب المتزايد بين جمهورية أرمينيا السوفياتية السابقة والغرب؟ أي جواب يبقى عرضة للتشكيك.

إنّ شبه الفراغ الروسي الممتد في المنطقة منذ الحرب الروسية- الأوكرانية قبل 18 شهراً، أرسى خلفية لهذه التقلّبات. وكان من السهولة بمكان رصد تدهور الأوضاع بين أرمينيا وروسيا في العامين الماضيين، واقتراب يريفان أكثر من الولايات المتحدة.

ما يهمّ واشنطن هو مزاحمة روسيا على النفوذ في جنوب القوقاز، المنطقة الاستراتيجية الواصلة بين آسيا الوسطى وأوروبا، والقابعة على ثروات النفط والغاز. وإذا ما انفصلت أرمينيا عن علاقاتها مع روسيا التي تعود إلى 200 عام، فإنّ هذا يُعدّ مكسباً جيوسياسياً كبيراً لواشنطن، في زمن الحرب الروسية- الأوكرانية.

الدخول الأميركي إلى أرمينيا وإجراء مناورات مشتركة مع القوات الأرمينية بين 11 أيلول (سبتمبر) الجاري و20 منه، كان محطة أساسية في مسار الطلاق بين موسكو ويريفان. لم يخف الكرملين تبرّمه من المناورات المشتركة، واضطر إلى ابتلاع كبريائه وهو يرى جنوداً أميركيين ينزلون في أرمينيا، البلد الذي لا تزال روسيا تحتفظ فيه بقاعدة عسكرية.

المناورات على تواضع القوات المشاركة فيها، شكّلت نصراً رمزياً للولايات المتحدة التي تبحث عن محاصرة روسيا وعزلها في العالم. ومن المؤكّد أنّ الكرملين لم يُسر برؤية زوجة رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان وهي تزور كييف وتلتقي الرئيس فولوديمير زيلينسكي وتعلن عن مساعدة انسانية لأوكرانيا. وهذا مكسب آخر، من المكاسب التي حققتها أميركا.

ومع ذلك، لا يعني الاختراق الذي تحقّقه أميركا في جنوب القوقاز، أنّ الأمور ستسير نحو الاستقرار في هذه المنطقة من العالم. وانفجار الوضع في كرباخ مؤشر خطير إلى أنّ المنطقة لا تزال عرضة لتجدّد النزاعات العسكرية.

إنّ الانتصار الأذري الخاطف يعني خريطة جديدة للمنطقة. مثل هذا التطور لن يُسعد لا موسكو ولا إيران. فهل كان وصول وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو إلى طهران تزامناً مع الهجوم الأذري، مجرد صدفة أم أنّه كان خطوة هدفها التنسيق لمرحلة ما بعد كرباخ؟

العلاقات بين إيران وأذربيجان في أسوأ مستوياتها. وتعزيز موقع باكو الإقليمي من الممكن أن ينكأ جرح التاريخ، ويقود إلى نزاعات جديدة في المنطقة. وتركيا، هي الأخرى التي تُعتبر الحليف الأقرب إلى أذربيجان، معنية مباشرة بتطورات الأحداث، ويهمّها أن يخرج الرئيس إلهام علييف منتصراً من المواجهة الجديدة. خطوة كهذه تعزّز مكانة الرئيس رجب طيب أردوغان في المنطقة. وسيتعيّن تالياً على موسكو وطهران أخذ الوضعية الجديدة لأنقرة في الاعتبار. ومن على منبر الجمعية العمومية للأمم المتحدة، أكّد أردوغان دعمه ومساندته لأذربيجان في عمليتها.

خلط الأوراق ميدانياً وسياسياً في كرباخ يُنذر بإفراز معادلات جديدة، في وقت تنشغل روسيا في حربها في أوكرانيا. وتفتح التطورات باب الأسئلة واسعاً أمام الجهة المستفيدة من جعل روسيا تنهمك بجبهة جديدة غير بعيدة من حدودها. وإذا ما ضعفت روسيا في أرمينيا وأذربيجان وانكمش نفوذها، سينعكس ذلك حتماً على جورجيا، التي هي هدف آخر من أهداف شمال الأطلسي.

إنّ التبعات الجيوسياسية للانتصار الأذربيجاني في كرباخ لن تتأخّر في الظهور. ويبقى العنوان العريض للنزاع هو الصراع على النفوذ بين الولايات المتحدة وروسيا. وتأمل الولايات المتحدة في أن يقود أي تراجع لموسكو في القوقاز، إلى تراجع في أوكرانيا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى