أقلام وأراء

د. دلال صائب عريقات: الدبلوماسية لا تعني النعومة ولا الانهزام !

د. دلال صائب عريقات 9-4-2023: الدبلوماسية لا تعني النعومة ولا الانهزام !

يقول ثيودور روزفيلت ان تعريف الدبلوماسية في العصر الحديث هو عبارة عن استخدام العصا الكبيرة ولكن بشكل رقمي، كما يضيف أن التعريف المستقبلي للدبلوماسية في القرن ٢١ لا تعني الحديث الناعم أبداً.

أما خبير العلاقات الدولية مورجنثاو يتحدث عن الدبلوماسية في العصر الحديث من منطلق الواقعية كأداة مهمة في السياسة الخارجية، اذا تم استخدامها بشكل صحيح فهي تحقق مزايا قوة وأهمية أخلاقية للدول، كما ان سوء استخدام الدبلوماسية والتعامل غير الحكيم معها قد يودي الى إضعاف الدول. الدبلوماسية إذاً هي الأداة والوسيلة في تحقيق المصالح في العلاقات الدولية بأقل تكلفة ودون عنف.

أما هولستي، فعرف الدبلوماسية بأنها أداة الضغط والعقاب والتهديد الذي توظفه الدول لتحقيق مصالحها في المنظومة الدولية.

نتنياهو دبلوماسي شرس تمكن من إقناع العالم ان الإجراءات الاسرائيلية هي جزء من الدفاع عن النفس ! الدبلوماسية التي يوظفها تضم التهديد والعقوبات الاقتصادية واستعمال القوة لمعاقبة الفلسطينيين وهذا ينطبق على فكر نيكولا ميكاڤيللي المتطرف الذي يؤمن أن “الغاية تبرر الوسيلة”، مبررا للعنف والظلم والاستيطان والاحتلال.

أود التوقف عند تعريف ثيودور روزفلت -الرئيس الـ ٢٦ للولايات المتحدة الامريكية 1901-1909- الذي حدد في تعريفه للدبلوماسية انها لا تعني النعومة بل على العكس أكد على ضرورة استخدام الكلام البعيد عن النعومة. البعض يعتقد ان الدبلوماسية تتطلب الانهزام والضعف ولكن الحقيقة هي العكس تماما, فنحن هنا لا نتحدث عن استعمال القوة والسلاح ولكن نتحدث عن القوة الناعمة بعيدا عن العنف، فهي تكمن في فن التواصل والخطاب وضرورة استعمال اللغة البعيدة عن الليونة. من الضروري استخدام الكلام الذي يعكس الحالة حتى لو كان قاسياً, الدبلوماسي الناجح هو من يوظف الكلام المدعوم بالحجة والقانون والمنطق هذا الذي يحقق المكاسب الدبلوماسية لا الصمت ولا التنازل ولا الاكتفاء بلعب دور الضحية!

في هذه الأيام، نتابع البيانات الدبلوماسية والتصريحات التي تصدر عن الدول إزاء الاعتداءات الاسرائيلية على المسجد الأقصى في شهر رمضان، لو نظرنا الى بيان ممثل الأمم المتحدة للسلام في الشرق الاوسط، نرى ان لغة الخطاب ناعمة جداً، البيان لا يسمي الجرائم الاسرائيلية باسمها ولا يطلق لقب “إرهاب” على “عنف” المستوطنين. ولا يتحدث عن حق الفلسطينيين في الدفاع عن أنفسهم. الأدهى من ذلك ان لغة البيان تساوي بين كل الأطراف، فيتعامل مع ردود الفعل الفلسطينية كمسبب في تردي الاوضاع، متناسيين الحق الفلسطيني في الدفاع عن النفس أمام غطرسة الاحتلال. ولا نستثني هنا بيانات الدول الأخرى العربية قبل الأجنبية، ولا بيانات الفصائل الفلسطينية، كلها تصريحات ناعمة جدا لا ترتقي لمستوى وخطورة الموقف الذي تتناوله.

مطلوب من الدبلوماسي الفلسطيني ان يوظف أداة الدبلوماسية بكافة أشكالها وأن يستعمل العصا الالكترونية والرقمية كما قال روزفلت، ضروري ان يستعمل الدبلوماسي الفلسطيني الكلام الموزون في التعبيرعن حقوقه وأولها الدفاع عن النفس أمام الظلم والاضطهاد وجرائم الابارتهايد والاعدامات والقتل والعنصرية الممنهجة تحت الاحتلال. ضروري ان يبتعد الدبلوماسي الفلسطيني عن الكلام الناعم وتكرار الحديث عن دور الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، فهذا لا يعني مقاومة سلمية بل يعكس روح الانهزام.

نريد دبلوماسية مجردة من الكلام الناعم, القضية الفلسطينية تحتاج لقيادة تتحدث لغة الصمود والنضال والتحدي والبقاء والمقاومة بعيدا جدا عن الانهزام, الدبلوماسية هي الأداة السلمية القانونية التي تتيح لنا توظيف القوة الناعمة شديدة اللغة.

 

– دلال عريقات:أستاذة الدبلوماسية والتخطيط الاستراتيجي، كلية الدراسات العليا، الجامعة العربية الأمريكية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى