ترجمات عبرية

حنان شاي – نحو انتخابات قيمية وليس شخصية

اسرائيل اليوم – مقال – 8/1/2019

بقلم: حنان شاي

أراد القدر وبالتوازي مع قرار تقديم موعد الانتخابات نشر في “مكور ريشون” مقال للبروفيسور عوديد هيلبرون من الجامعة العبرية عن افول اليسار الذي هو “صدى لازمة عامة اكبر تمر على الليبرالية الغربية” (“شرخ يساري” 21/12/2018). فالليبرالية التقدمية تعيش اليوم في “اجواء استسلام، تسليم وبالاساس اكتئاب وحنين للماضي الذي كان فيه اليسار ليس فقط القوة المهيمنة بل وعرض رؤيا طوباوية، عالما جديدا، شجاعا”. في بداية القرن الـ 21 بدا العالم “كعالم جديد، بشع”.

لا يحاول المقال ان يفهم أسباب اخفاقات الليبرالية التقدمية. وهو يتجاهل الدور المركزي الذي أدته الافكار الطوباوية لليبرالية بالتسبب بعدم الاستقرار السياسي، الاجتماعي والاقتصادي، ليس فقط في كل الديمقراطيات الاوروبية بل وفي الديمقراطيات البريطانية والامريكية، المعروفتين باستقرارهما طويل السنين. ومقارنة بوضع الديمقراطيات الغربية الاخرى، تتمتع اسرائيل اليوم، رغم عوامل مؤثرة خاصة بينها قاسية جدا، من استقرار سياسي، اجتماعي، اقتصادي وحتى أمني عال نسبيا.

ان نجاح الديمقراطية الاسرائيلية في الحفاظ على استقرارها، ينبغي ان يعزى لحقيقة أنه بخلاف الديمقراطيات الاخرى، لم تقع في فخ الرؤى الطوباوية لليبرالية التقدمية. وقد يكون تسببت في ذلك الضربة القاسية التي اوقعتها عليها “رؤيا اوسلو”، سفينة العلم الاولى لليبرالية التعددية الغربية. لقد كانت هذه رؤيا مدحوضة، ليس فقط لم تجلب السلام، بل حولت اسرائيل من ضحية للرفض العربي الدائم  للاعتراف بحقها في الوجود، الى المذنبة في عدم تحقيق السلام وبالتالي مذنبة بمشاكل العرب والعالم لدرجة فقدان الشرعية لوجودها. ان نجاح استقرار الديمقراطية الاسرائيلية  يجب أن يعزى الى ثلاثة: نتنياهو، الناخب الاسرائيلي الذي اعطاه ثقته وانتخبه على مدى عقد، وقيم الليبرالية البناءة التي عمل في ضوئها نتنياهو اتخذ قراراته المتوازنة وعميقة الفكر، والتي جعلت اسرائيل احدى الديمقراطيات الاكثر استقرارا وازدهارا.

ان قيم الليبرالية البناءة، التي في ضوئها شق نتنياهو طريق السياسة الاسرائيلية بثقة – دون ان يتحطم على الصخور التي نشرتها له من جهة المعارضة التي استبدلت تراثها البناء بطوباويات الليبرالية التقدمية، ومن جهة اخرى العربدة الصبيانية واحيانا الفظة لاعضاء الائتلاف واعضاء حزبه – هي اليوم الاساس المتين في الدولة. وصياغتها كبرنامج سياسي فكري وعرضها كمعارضة فكرية لقيم الليبرالية التقدمية هي اليوم مهمة اولى.

نتنياهو ملزم بان يتصدى لهذه المهامة بشكل فوري ولا سيما في صالح ضمان استقرار الديمقراطية الاسرائيلية لسنوات طويلة. كما ان هذه مهامة هامة لشق طريق الديمقراطيات الاخرى التي خرجت عن “السبيل الذهبي” البناء ومثلما في القرن العشرين، سقطت في الفخ الطوباوي الذي اعدته لها الليبرالية التقدمية. اذا ما فعل هذا، فسيصرف النقاش السياسي في الانتخابات القادمة عن البحث الذي يتركز كله على الاشخاص الى بحث يتركز على القيم مثلما كان في القرن الماضي.

ان مطالبة الناخب الاسرائيلي في أن يحسم ليس بين الاشخاص فقط – بل بين قيم الليبرالية التعددية التي يعترف حتى واضعوها انها أفلست، وبين قيم الليبرالة البناءة ذات الانجازات المثبتة – كفيلة بان تحدث تغييرا بعيد الاثر في صورة الوضع السياسي في الدولة بل وربما في ديمقراطيات اخرى.

*     *    *

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى