أقلام وأراء

حسام ميرو: الناتو الآسيوي وحصار الصين

حسام ميرو 28-8-2023: الناتو الآسيوي وحصار الصين

رأت الصين في القمة الثلاثية التي عُقدت مؤخراً بين أمريكا واليابان وكوريا الجنوبية، خطوة نحو تشكيل «حلف ناتو» مصغّر، الهدف منه حصارها، وندّدت بهذا المسعى الثلاثي الذي يستهدفها، وذلك، على الرغم من عدم وجود أية اتفاقية بين الأطراف، تنصّ على الدفاع الجماعي المشترك، لكنّ، جزءاً من هواجس الصين ومخاوفها، يقوم على أن هذا الاتفاق، يعبّر عن تجاوز طوكيو وسول للكثير من العقبات التي أعاقت تاريخياً تقدّم العلاقات السياسية بينهما، هذا من جهة، ومن جهة ثانية، أن هذا الاتفاق الثلاثي، هو خطوة جديدة في تحالفات واشنطن الآسيوية، التي أبرمتها في العامين الماضيين، والتي تتمثّل في الاتفاق الثلاثي مع بريطانيا وأستراليا، والاتفاق الرباعي الذي يشمل أستراليا والهند واليابان.

علاقة واشنطن العسكرية/ الدفاعية مع اليابان وكوريا الجنوبية، تعدّ من أهم العلاقات الاستراتيجية لواشنطن، حيث ينتشر نحو 80 ألف جندي أمريكي في البلدين، ويشكّل هذا الرقم نحو 40% من عدد الجنود الأمريكيين المنتشرين في القواعد العسكرية الأمريكية حول العالم، وكان من شأن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان في أغسطس/ آب 2021، أن يتيح لواشنطن التركيز أكثر في منطقة بحر الصين الجنوبي، ليس فقط من ناحية العدد، حيث أنهى ملف أفغانستان، وجود آلاف الجنود في هذا البلد، ما يسمح للجيش الأمريكي، بإعادة انتشار لقواته، ومن بينها في آسيا، لكن أيضاً، على المستويات السياسية والاقتصادية والمالية.

تحضر اليابان وكوريا الجنوبية بقوة في الخريطة الاقتصادية العالمية، خصوصاً في المجالات الدقيقة والحيوية لاقتصاد العولمة المعلوماتية، وتحتل اليابان المركز الثالث في ترتيب الدول، من حيث الناتج القومي، بعائدات تبلغ نحو 5 تريليونات دولار، بينما تأتي كوريا الجنوبية في المركز العاشر، بناتج قومي يبلغ 1.8 تريليون دولار، متقدمة بذلك على دولة ذات حضور سياسي عالمي، مثل روسيا، وتتشارك طوكيو وسول، خلال السنوات الأخيرة، المخاوف ذاتها، من تطوير الصين لقدراتها العسكرية، وسعيها لبناء حضور سياسي في أماكن عديدة من العالم، وتعزيز تحالفاتها مع دول، تعدّ من وجهة نظر اليابان وكوريا الجنوبية، بأنها دول شمولية، ولها طموحات عسكرية خارج حدودها.

في العامين الماضيين، انتهج جو بايدن سياسات معاكسة لسلفه دونالد ترامب (أمريكا أولاً)، وذلك عبر استعادة الثقة بين الحلفاء الأطلسيين، بعد أن شهدت العلاقات بين أمريكا وأوربا توترات كبيرة في ولاية ترامب (2016-2020)، ومن ثم إعادة بناء الشراكات مع الدول المحيطة بالصين، مع فلسفة سياسية جديدة، تقوم هذه المرّة على تعميق الشراكات إلى مستوى بنيوي، هو مستوى المؤسسات الحكومية، وعدم إبقائها في المجال السياسي المباشر، وهو ما ركّزت عليه الاتفاقات الثلاثية مؤخراً بين واشنطن وطوكيو وسول، وهذا الاتجاه في أحد جوانبه العملية، يؤسس لعلاقات ذات مستويات استراتيجية من طابع مركّب من جهة، ويمنح شركاء واشنطن، من جهة ثانية، الثقة بمتانة التحالف.

في سياق حصار الولايات المتحدة للصين، عبر عدد من التحالفات، خصوصاً الاتفاق الثلاثي الأخير، تعمل واشنطن على تعظيم دروس الحرب الروسية الأوكرانية، حيث تظهر الوقائع الميدانية، محدودية الإنجاز العسكري الروسي، قياساً بالأهداف التي أطلقت روسيا من أجلها الحرب، واستنزاف العوائد الريعية لموسكو، وتأخير عمليات النمو الاقتصادي الداخلية، وتريد واشنطن فعلياً دفع بكين إلى فهم خلاصات الدرس الأوكراني، وعدم التعويل على أية مغامرات عسكرية في محيطها، وتحديداً في تايوان.

لقد سمحت جملة من المعطيات في الأعوام الأخيرة، بأن تقدم اليابان على خطوة تاريخية، بتغيير عقيدة جيشها القتالية القديمة، التي فرضت عليها بعد خسارتها في الحرب العالمية الثانية، وأعلنت انتقالها إلى عقيدة قتالية جديدة، تسمح لها بزيادة انخراطها العسكري، والانتقال من الدفاع إلى الهجوم، وهو ما يتقاطع مع تحوّلات مهمّة في الجيش الكوري الجنوبي، الذي زاد في السنوات الأخيرة من مشاركاته في تدريبات عسكرية مشتركة مع القوات الأمريكية، والتي تأتي في سياقها، التدريبات المشتركة القائمة حالياً، لمحاكاة عمليات ردع لهجمات نووية وصاروخية.

زيادة تطويق الصين، من قبل واشنطن وجيران بكين، من شأنها أن تحدّ من خيارات الصين، إذ لا تلوح في الأفق أية مبادرات سياسية لتهدئة الأجواء المتوتّرة، فمثل هكذا مبادرات، تحتاج إلى تقديم تنازلات كبيرة من قبل بكين، تمسّ جوهر مشروعها الاقتصادي العالمي.

 

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى