#أقلام وأراء

بكر أبو بكر: هل تتدارك حماس السقوط النهائي

بكر أبو بكر 12-6-2023: هل تتدارك حماس السقوط النهائي

وفق ما تناقلته  بعض المواقع الإخبارية عادت فكرة “الهدنة” مع الإسرائيلي الى الصدارة حيث تنطلق من حناجر قادة “حماس” الحريصين على الشعب كما يقولون، الذي أنهكته الصواريخ والبالونات والرصاصات.

وفي إشارة لاستجابات وتصريحات قادة من “حماس” يتم حاليًا تزيين وتجميل فكرة “الهدنة” مع الاحتلال الصهيوني لمدة سنوات سبع أو عشر أو غير ذلك من السنوات ليتم تركيز هذه الفكرة  في الآونة الاخيرة، وبعد عدة حروب وعدوانات مميتة من الاحتلال ضد القطاع الفلسطيني.

تأتي الدعوة للهدنة متأخرة سنوات طويلة عن الدعوات الأولى لها بقلم أحمد ياسين عام 1997، والتي بررها شرعيًا. وتأتي اليوم في إطار الفصل التفاوضي لحكام لقطاع عن محيطه الفلسطيني المتكامل. وفي فكرة نقيضة لما كان من ضرورات الحل و”التسوية” لمنظمة التحرير الفلسطينية مع الإسرائيلي كنهاية لاتفاقيات أوسلو التي دمرها الإسرائيلي بالانتفاضة الكبرى الثانية. 

إن مسلسل الاعتداءات اليومية المتواصلة على القدس والضفة الغربية تثير في النفس عديد الأسئلة وفي القلب غصّة كبيرة بل وذهول مما آلت اليه عقلية السلطة لدى حكام قطاع غزة الحزين، الذين أمسكوا بالرقاب على حساب ما كان من سيادة عقلية النضال أو المقاومة المسلحة التي تلاشت اليوم كالملح بالماء حتى داستها أقدام الكراسي التي استطابت الأقفية الجلوس عليها تحت مبررات جاهزة.

إذا كان قطاع غزة دويلة أو إمارة منفصلة، فهي جنوب شقيق للشمال لا يعيش إلا به، فمن أين يأتي الفصيل المتحكم بأحقيّة القرار بجزء دون غيره؟ ومن أين يأتي ليدوس شعاراته الفاخرة التي أودت بحياة الآلاف؟ والآن؟ وكيف يبرّر تلك الشعارات أيضًا، التي عاشت ردحًا طويلًا من الزمن، ومصالح الشعب التي يتحجّج بها هي كما هي!

ما يرد من معلومات عن مفاوضات أو حوارات مع الفصائل ومع فصيل “حماس” بالأخص (لتحقيق التهدئة الدائمة والأبدية بين إمارة غزة والاحتلال) ومع الإسرائيلي بوساطة ما، يعلن إنفصال القطاع نهائيا عن مجمل الجسد، جغرافيًا ونفسيًا وسياسيًا، لذا فهو يضع ظلالًا كثيفة من الشك على فكر وثقافة وسلوك هذا الفصيل ومآلاته النهائية.

 لقد انتصر الخط السلطوي في “حماس” على الخط المقاوم فيه، فنحن نعتقد بوجود مثل هذا الخط الوطني المقاوم، كما الحال بالنظير بالشمال، ولكن للسلطة وهجها وتجد ما تستظل به من حاجات الناس، وكأنها لا تعلم أن الثورة مقابل السلطة أو الحكم تناقض مثير لن يتستطيع حلّه الا ساحر، أو شخصية مركّبة مثل شخصية الزعيم ياسر عرفات، أو بالوحدة الوطنية لا غير.

حينما كانت منظمة التحرير الفلسطينية تطرح ضرورة الحل السياسي، وتسير على منهج التهدئة   مقابل التوصل لحل، كانت “حماس” تعاكسها وتشاكسها متعمدة فتشن هجماتها تحت عنوان أن الحل لا يكون الا بتحرير حيفا ويافا وطبريا وصفد!

وحينما كانت منظمة التحرير الفلسطينية والراحل الزعيم ياسر عرفات وخلفه الرئيس محمود عباس يفترضان أن الحل يوجب تقديم مرحلة هدوء السلاح لكشف اعتداءات الصهيوني كانت التعبئة الداخلية في “حماس” تتجه بسرعة الصاروخ نحو التكفير والتعهير والتخوين.

استشهد ياسر عرفات تحت ضربات الصديق حينما تُرك وحيدًا دون زعماء أمة العرب الذين استجابوا للامريكي-الإسرائيلي في تمهيد ل”تتبيع” قادم، واستشهد أحمد ياسين رغم دعوته المغايرة لهدنة السنوات العشر مقابل رفضه و”حماس” للحل السياسي.

وما كان للشهداء من كل الفصائل والمجاهدين أن يرفضوا فكرة الثورة أو فكرة المقاومة أبدًا فهي بالشعب الفلسطيني راسخة، حيث يأتي التوقيت وعوامل القوة والمحاور لتضع الأسلوب الأنسب موضع التطبيق: أهو مقاومة شعبية أم مسلحة أم جماهيرية هادئة أو صاخبة؟

إن عودة “حماس” اليوم نحو فكرة “الهدنة” القديمة هو إسقاط لكل شعاراتها التي رفعتها باندفاع وباستعراضية صاخبة ومترافقة مع الصواريخ، ومع دعوتها لإضعاف وإسقاط السلطة الوطنية الفلسطينية في مواضع عدة، الى أن تذوقت طعم السلطة هي ذاتها فتمسكت بسلطتها وبدأت تحس بثقل البندقية على الكتف؟

“حماس” التي افترض المؤدلجون العقديّون فيها أنها نبتت مع نبتة الإسلام ذاته منذ أيام عمر بن الخطاب كما قال أحد قياداتها!؟ هي “حماس” المقدسة بأفكارها وشخوصها حتى لو نقعوا أنفسهم من قمة رأسهم حتى الأرجل في بحيرة النجاسة؟ وهي التي رفعت شعار أن انتخابها للسلطة الوطنية المحدودة تحت الاحتلال هو تحقيق للأمانة التي في أعناق الناس؟! وانتخاب لأصحاب الأيادي المتوضئة التي لا تعني سواهم دون الشعب المسلم!

إن “حماس” التي افترضت أنها تعدّ الجيل من قوى المقاومة والأمن، ومنهم إعداد الشرطة لتولى مراكز الشرطة في مدن فلسطين في الداخل كما صرخ  فتحي حماد في كلمة له بتخريج أحد الدورات الشرطية، أصبحت بهذا الاعلان في مهب الريح.

إن “حماس” التي افترضت أنها قطعت رجل الإسرائيلي عن المسجد الأقصى المبارك فهدّدت بأنفاس لاهثة، وصرخت بما يوازي 85 ديسبل بأنها استطاعت تنظيف المسجد من دنس الصهاينة، صمتت لأكثر من مرة عن تهديداتها، وتركت تنظيم “الجهاد الإسلامي” يعلن بصواريخه هو فقط مفهوم النداء؟ وتنكرت لتهديد السنوارعام 2022م حين قال:”أقول للعالم أجمع و”إسرائيل” أن استباحة الأقصى وقبة الصخرة ممنوع أن يتكرر”!؟، وها هو يتعاظم كل يوم!؟

قال هنية عام 2012: “يعتقد العدو واهمًا ان هذه الاغتيالات يمكن أن تسدّد ضربات مؤلمة للمقاومة (…) صمدنا أكثر من 22 يوما في حرب الفرقان (نهاية 2008) ونحن بعد سنوات نؤكد ان لهذا الشعب القدرة أن يصمد أكثر وأكثر وأن المقاومة قادرة على الصمود أكثر وقادرة على التصدي للعدوان، والانتقام لدماء القادة والشهداء!”.

لكن د.محمود الزهار كان قد قال قبله في رفض لإطلاق الصواريخ من غير فصيله وإرادته عام 2010 أن: “اطلاق الصواريخ من قطاع غزة على “إسرائيل” عمل مشبوه يهدف الى افساح المجال أمام الاحتلال للاستفادة من ذلك إعلاميا وحرف الانظار عن جرائمه”!  

وبعد 8 سنوات تمت مخالفة هنية بوضوح من يحيى السنوار القيادي في حماس عام 2021 والذي توافق مع الزهار، في لقاء له مع أكاديميين في غزة حيث دعى للتخلي عن الكفاح المسلح والتخلي عن الانتقام لصالح المقاومة السلمية قائلًا أن: “هناك فرصة حقيقية لحشد الرأي العام العالمي، وتفجير المقاومة الشعبية للفلسطينيين في كافة أماكن تواجدهم! بشكل يجبر الاحتلال على احترام القانون الدولي”.

وأضاف باستتباع ولحاق متأخر لشعار منظمة التحرير الفلسطينية والرئيس أبومازن أن: “تحقيق هذا الهدف يتيح إما إقامة دولة فلسطينية على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس، أو أن نجعل الاحتلال في حالة تصادم مع الإدارة الدولية، وعزله وإنهاء حالة اندماجه بالمنطقة والعالم”.

ومؤخرًا شهر 6/2023م دعى صالح العاروري الى أنه: “يجب تصعيد المقاومة ضد الاحتلال بكل الوسائل، الميدانية والشعبية والمقاطعة وبالحجارة، ونحن نتعامل مع عصابات مجرمين، ويجب أن ندافع عن أنفسنا”.

أنهم يقولون منفردين وداعًا والى الأبد للكفاح المسلح أو المقاومة المسلحة في ظل هدنة العشر سنوات أو العشرين عامًا؟! أليس كذلك؟ أم أن في ذلك لحاق متأخر كالعادة بمنظمة التحرير الفلسطينية وشعارها بإستقلال الدولة الفلسطينية، والقانون الدولي؟

ما الفرق اليوم بين حكم السلطة الوطنية الفلسطينية وبين حكم “الحسم العسكري” ل”حماس” في غزة؟! لا شيء البتة بما فيه التنسيق الأمني، الا أن هناك سلطة رسمية مقابل فصيل محدد، وما يجوز للسلطة الوطنية كتمثيل للشعب لايجوز لأي فصيل مطلقًا، فهل تراجع وتنتقد “حماس” نفسها وتتدارك السقوط النهائي؟!

“حماس” المقاومة التي رفعت شعار 11/11 ( قال السنوارعام 2022م “أعددنا 1111 صاروخا في الرشقة الصاروخية الأولى (نحو “إسرائيل”)”، حين يلزم أن ندافع عن المسجد الأقصى”! وهددت وصاحت حتى بُحّ صوتها بالمقاومة المسلحة التي لا تتوقف! تترك اليوم فلسطين كما تترك الضفة وتترك القدس بلا 1111 لتحافظ على ملكها الامبراطوري المقدس في  إمارة غزة الضيقة، في تبريرات عديدة من مصالح الناس والحفاظ على السكينة، وما يسمونها “هدنة” قتل فيها الصهيوني حتى الوصول اليها أجيالًا كاملة كان من المتوجب أن تتفرغ للبناء والعمل والعطاء على حساب الدمار، والتعبئة الحاقدة ضد الآخر في أولوية منحرفة خلطت بين العدو والصديق؟

أنه لأمر جلل ومهم أن تعلن “حماس” أخيرًا أن مصلحة الناس أولى؟ وما لها لا تكون أولى؟ ولكن أين كانت هذه الأولوية حين كانت الصواريخ ترسل الرسائل للاخ أكثر منها للعدو!؟ دون اعتبار لا لمصالح الناس ولا للفكر السياسي الوحدوي للإطار الفلسطيني الموحد، الذي يفهم المعركة قرار واحد وليس قرار فصيل أو غرفة مشتركة لفصائل.

إن خروج التمثيل عن الإطار الفلسطيني الجامع-مهما كان الإطار مخلخلًا- هو تكريس فاضح للانشقاق، وتكريس جليّ للانفصال عن الشعب، وإصرار ما بعده إصرار على الذاتي والتعصب الفصائلي والمقعد السلطوي والنزق المتحكم بمن لا يرى أبعد من أنفه. وهو تكريس للهدف الصهيوني العظيم بفصل قطاع غزة الفلسطيني عن الضفة الفلسطينية والى الأبد.

إن السقوط هو المحتم حين تتناقض الفكرة المحمولة كشعارات فوق الرؤوس مع السلوك السياسي اليومي بما فيه من براغماتية مفرطة تأكل الاستراتيجية، وتطيح بالتكتيك.

لا حل ل”حماس” للخروج من أزمة التناقضات البيّنة بين شعاراتها الصاخبة، وبين مسلكها البراغماتي الفاقع، وبعض انحرافاتها الا بتتبع أثر حركة التحرير الوطني الفلسطيني- فتح الأصالة باحترام الجماهير، وعدم الانفصال عنها باعتبار نفسها المنزّهة دون الناس.

ولا حل لمعضلة “حماس” في التوفيق بين فكرة الإمارة المنفصلة وفكرة الدولة الا بترك الإمارة ومفهومها الانفصالي البائس لصالح الوحدة الوطنية.

ولا حل ل”حماس” للتوفيق بين فكرة المقاومة وفكرة السلطة إلا بمد اليد وبقلب مفتوح لمنظمة التحريرالفلسطينية وتفهم التجربة الثرية لفصائلها، وبنقد الذات فيها. ولن يغنيها عن ذلك لوتحالفت مع طوب الأرض، ففلسطين بوحدة جميع أبنائها قوية منيعة، ودونهم سينظر العالم إلينا شزرًا، بل وبها سنقاتل العالم لتحقيق الحرية والاستقلال، وسيكون العرب حينها ملزمين بمركزية التمثيل والقضية، وننتصر على سواد أنفسنا والاحتلال.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى