أقلام وأراء

بكر أبو بكر: المولد النبوي: محمد الثائر والأمة وفلسطين

بكر أبو بكر 28-9-2023: المولد النبوي: محمد الثائر والأمة وفلسطين

بمناسبة المولد النبوي الشريف للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، يطيب لنا الحديث العطِر عن الإسلام العظيم، ديننا العظيم، وعن الهدي المصطفوي للرسول الأكرم ومفهوم الثورة، بأبعادها المختلفة.  

إن الثورة تكون في الفكر، فلا تقبل الثبات، وتكون بالمجتمع فترفض الرضوخ، وتكون في الأخلاق. وتكون الثورة في القيم فتؤسس للحرية والعدالة، وتكون في السياسة والسلطة والإدارة والقيادة وشكل الحكم العادل حيث مصلحة الناس هي الأساس. كما تكون الثورة ضد الظلم والجبروت والاستعمار، وضد الطواغيت والمستبدين، وضد التسلط الأجنبي، وضد الهيمنة وضد الاحتلال للأرض أو العقل أو النفس.

 وقف الرسول محمد صلى الله عليه وسلم مناضلًا ثائرًا صلبًا ضد كل ما سبق، وأكثر. إذ وقف ضد الوثنية مُعليًا راية الوحدانية لله عز وجل مربوطة ببناء الذات، والمجتمع وبناء الأمة الواحدة.

لم يقبل صاحب الرسالة الربانية أن يُطرد من بلده (مكة) لسبب دينه أو فكره، ودعوته فأذن الله له بالجهاد حين قال جل وعلا: ({أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج:  39-40]

إن الثورة حقيقة تغيير جذري كلي في الواقع الموسوم أنه فاسد، ويجب اقتلاعه من جذوره واستبداله بأدوات ثورية بواقع ثوري جديد، يَحيى بفكر جديد وقيم نابضة ناهضة تجسد الفكرة الثورية الجديدة، ما يكون بالقضاء على مسببات الثورة.

إن الثورة هي التغيير الشامل للواقع القائم، وكانت بالحالة المحمدية المصطفوية ضد العقائد والأفكار الفاسدة المناهضة للتوحيد، والمرتبط بها عدد من القيم المنبوذة، ويروج وينظّر لها عدد من القادة المدافعين عن تسلطهم وفسادهم وسلطتهم بإرهاق الناس بتبعات الالتزام بالأفكار البائدة.

في الحالة الثورية النضالية ضد الاستعمار الأجنبي العنصري (في القرون الحديثة هو الاستعمار والاحتلال الغربي الأوربي الاستغلالي العنصري)، وضد استبداد وطغيان القادة والولاة والسلاطين المسلمين عبر التاريخ، نستفيد جل الاستفادة من هذا المفهوم المصطفوي الثوري العظيم.

قال محمد صلى الله عليه وسلم فينا نحن: “لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء (لأواء يعني ضيق ومشقة وجهد في الحرب والمعيشة والمرض)، حتى يأتيهم أمر الله. وهم كذلك”، قالوا: يا رسول الله وأين هم؟ قال: “ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس”

نحن المناضلون الظاهرون القاهرون ، ونحن كثوار الرّباط والمصابرة والجهاد المصطفوي كما أسمانا عليه السلام نجرد السيوف والرايات ونتبع الأساليب كلها للقضاء على فساد الأفكار المرتبطة بواقع الطغيان، وواقع الاحتلال (الاحتلال الصهيوني لقلب الأمة فلسطين يمثل حقيقة الطغيان والاحتلال النموذجي)  وما ينشأ عن هذه الأفكار من سرقة للأرض، وقتل ورعب وإرهاب وفساد وإفساد للدين والدنيا، وتغييب للعقل وهيمنة يجب أن تزول، بالاستفادة من الفكرة المصطفوية بالثورة وإعادة البلاد لأصحابها أبناء الأمة العربية والإسلامية وسكانها من الفلسطينيين.

إن الرسالة المحمدية المصطفوية السامية ثورة على التخلف وثورة على الجهالة وثورة ضد الغاصب المحتل كما هو حال الاستفادة الحديثة من هذا الفهم الجليل.

في إطار ذو صلة وفي قراءة لنا لمقال حول الثورة والرسول بعنوان (النبي صلى الله عليه وسلم ..وثورة الإسلام) للكاتب حسن قاطرجي نقول أنه: مع احترامنا للكاتب ورأيه نتفق مع معظم مقاله الجميل كما جاء إلا بما يتعلق بفكرة السياسة (المتغيرة) والحكم (المتغير) ومدى ارتباط ذلك بال(ثابت) العقدي، والفكر المتغير والانسان المقصود…الخ، وعليه لا نتفق مع عبارته التالية فقط القائلة ضمن المقال: ((إذ الإسلام دين ودولة، وعبادة وحُكْم… )).  

أن المؤلف الكريم عن المصطفى والثورة يكتب تحت بند: الميدان الرابع هذه الجملة أعلاه بين قوسين التي لا نتفق معها، ونحن نقول أن هناك خلاف في الفكر الإسلامي المستنير حول هذا الموضوع هل الإسلام دين ودولة؟ أم أنه دين أمة؟ والأصح لدينا أن الإسلام دين أمة كاملة لأن الأمة مستقرة حول مفاهيم أصيلة وقيم، والدول متغيرة متباينة بالحكم والسياسة والنظر بشؤون الناس، والإسلام بعقائده الربانية ثابت، والدولة بفكرها الإنساني وسياساتها متحركة حتى لو استندت لثوابت العقيدة الإسلامية، فالتفسير المستند للفكر الإنساني والسياسات لايتفق دومًا حول كثير من الشؤون ما هو ( أي الاختلاف هنا) متاح ومباح ومطلوب.

إن التعبيرات والتبسيطات ضمن الشعارات، والمقابلات (شيء مقابل آخر) بالأفكار هي التي جعلت الاقتتال داخل الأمة فكريا أو جسديًا لا يتوقف، فلم يكن الإسلام بنصوص القرآن ليقول هكذا أي مثل عبادة مقابل حكم!؟ أو ((الإسلام عبادة وحكم))؟ فلا صلة.

إن العبادة علاقة شخصية بين العبد وربه، بينما الحُكم (السلطان) للناس من المتغيرات وفق الشؤون الإنسانية المتغيرة.

إن الرؤية الإسلامية الثورية التي نراها هي بأن يكون الحُكم نعم مرتبط بالمبادئ والقيم والأخلاق الحضارية الإسلامية، وفي حالتنا العربية الفلسطينية الحضارية العربية الإسلامية بالإسهامات المسيحية المشرقية.

هذا المعنى للرؤية والحضارية واسع جدًا وقابل لاحتواء سيل من الآراء لا يتوقف عند حدود تضييقات التنظيمات الاسلاموية الحديثة التي تقدس فكرها وتنظيمها وآراء قادتها.

 إن الربط الجزافي بين مصطلحي الحُكم والدين يعني هنا إعطاء ميزة التحكم برقاب الناس لمن يدعي أنه يمثل الإسلام، بينما الحقيقة أن الإسلام دين المجتمع كله والمسلم يعيش في دولة أي كانت، ويقيم دينه ومجتمعه وأمته.

 وإن وصل المسلم (المسلم هو ذاته الإسلامي مهما كان مذهبه أو طائفته أو مساحة اقترابه من العبادات) الملتزم للبرلمان فستكون مرجعيته الدينية الأخلاقية القيمية المبدئية محركه بالضرورة مع تفهم اختلاف الآراء وتعددها على ذات النغمة.

 وباتجاه آخر لو تمسكنا بالشعار الجزافي أن: الإسلام دين وحكم! -هكذا- بالقطع، فمَن هو المناط به تفسير معنى الحُكم أو القيادة أو السلطة أو الريادة سواء استمد من القرآن أو السنة، أو غير ذلك؟ إنهم الناس؟ وكيف ذلك؟ والأحزاب الدينية بالعشرات ولكل تفسيرها المختلف عن غيره؟

 لدينا سنة، وشيعة (بتعددياتهم المذهبية والسياسية)، ولدينا في السنة “اخوان”-بانشقاقاتهم المتعددة المرتبطة بالخلافات حول الحُكم والقيادة والسلطة بينهم، وبينهم ومع غيرهم ما يجعل الشعار فاسدًا.

لدينا سلف (سلفيين تقليديين، وحركيين-يدخلون الانتخابات، وسلفيين متطرفين…الخ) ومتطرفون يدعون امتلاك ناصية الدين بأنواع عدة، لذا فإن النزوع الفكري “الاخواني” أو غيره، نحو التبسيط لاحتكار الفكرة الإسلامية في بوتقة الحزب، هو حقيقة السعي، فيصبح قادتهم هم قادة الأمة بالتنظير المسبق، ما لانتفق معه، ولا يتفق سِعة الإسلام العظيم وعظمة رحابة الأفكار المرتبطة به.

بمناسبة مولده الشريف صلى الله عليه وسلم، ومن فكره الثائر ضد الظلم وضد كل فاسد، ومن سيرته وثوريته ورسالته العظيمة ننهل من نبع صافٍ لا ينضب.

والله معنا والنصر قادم بإذن الله تعالى.

بكر أبو بكر، رئيس أكاديمية فتح الفكرية، عضو المجلس الإستشاري لحركة فتح، ولمراجعة كتبه بالموضوع ومنها طريق مغلق: الديمقراطية والتعبئة بالتنظيمات الاسلاموية.

مركز الناطور للدراسات والابحاثFacebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى