أقلام وأراء

باسم برهوم يكتب – حماس وسؤال الأجندة

باسم برهوم – 15/12/2020

منذ تأسيسها قبل 33 عاما وحماس تقدم نفسها بطرق متناقضة، بمعنى هي تحاول تسويق نفسها بأنها تنظيم فلسطيني وطني مقاوم، بالمقابل تحاول أن تخفي أجندتها الاسلاموية وانتماءها المباشر لجماعة الاخوان المسلمين، وتنظيمهم الدولي، وأنها عمليا تعمل كل شيء من أجل تحقيق أهداف الجماعة. ومن دون شك فإن حماس حققت نجاحا في مرات كثيرة في اخفاء اجندتها الحقيقية، واستخدامها للقضية الفلسطينية في خدمة هذة الأجندة الاخوانية، فالمقاومة وما تدعيه من وطنية فلسطينية هي في خدمة الجماعة، وحلفائها واهدافهم، وبالمناسبة ان ابرع من استخدم المقولة الميكافيلية الشهيرة “الغاية تبرر الوسيلة” هم تنظيم الاخوان ومن ضمنهم حماس من اجل تحقيق اهدافهم.

قبل اندلاع الانتفاضة الفلسطينية في كانون الاول/ ديسمبر عام 1987 رفضت جماعة الاخوان المشاركة بالثورة  الفلسطينية، وعلى العكس تبادلت في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي مع سلطات الاحتلال المصلحة في الاسهام في التصدي لمنظمة التحرير الفلسطينية، ومواجهة تأثيرها ودورها الوطني. ففي هذه المرحلة كان هناك تناغم بين الجماعة وسلطة الاحتلال، فهذه الاخيرة اعطت للمجمع الاسلامي الذي أسسته الجماعة في غزة عام 1973 ترخيصا رسميا عام   1977 للعمل والنشاط بحرية في اوساط الجماهير، ثم اعطت سلطة الاحتلال تراخيص لمجموعة مؤسسات للاخوان. وتماهيا مع المصلحة  المشتركة، نشطت الجماعة في الجامعات الفلسطينية ليس ضد الاحتلال، وانما ضد منظمة التحرير الفلسطينية، وفصائلها الوطنية واليسارية.

وبعد تأسيس حماس، في الايام الاولى للانتفاضة، قامت حماس بكل فاعلياتها، وأنشطتها بشكل منفصل  بل وفي الاساس كمنافس لمنظمة التحرير وفصائلها، كما رفضت ان تكون جزءا من من القيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة، الامر الذي شق الجهد الوطني، وقدم لسلطة الاحتلال  الاسرائيلي مشهدا سياسيا بدا فيه بأن شعبنا الفلسطيني منقسم على نفسه. وفي المرحلة ذاتها رفضت حماس كل عروض ياسر عرفات السخية على امتداد الاعوام، من عام 1988 وحتى العام 1991 للانضمام لمنظمة التحرير ومجلسها الوطني، وكان من بين شروط حماس الكثيرة والتعجيزية، شرط تعديل الميثاق الوطني الفلسطيني، بحيث يتبنى الفكر الاسلاموي، وبمعنى اخر  اما ان تصبح المنظمة مثل الجماعة وحماس او لا انضمام. وهو الوضع المستمر حتى الآن بغض النظر عم تدعيه حماس من مبررات كاصلاح المنظمة، فحماس كما سبقت الاشارة ماهرة في اخفاء اجندتها الاصلية.

وبعد اتفاقيات اوسلو ساهمت حماس بطريقة مباشرة، او غير مباشرة، في جهد اليمين الإسرائيلي المتطرف في إفشال هذه الاتفاقيات عبر سلسلة من العمليات داخل إسرائيل، والتي ادت في نهاية المطاف الى فوز هذا اليمين عام 1996 برئاسة نتنياهو، وانتهاء مسيرة اوسلو عمليا.

ولاثبات تقلبات حماس وميكافيليتها، فهي رفصت المشاركة في الانتخابات التشريعية والرئاسية والانضمام للنظام السياسي الفلسطيني عام 1996 بحجة ان هذه الانتخابات وهذا النظام من نتاج اتفاقيات اوسلو، فإن هذه الحركة الإخوانية وافقت على المشاركة في انتخابات 2006 التشريعية، وبالتالي الدخول الى نفس النظام السياسى الفلسطيني، الذي  قام على اساس هذه الاتفاقيات.. فما الذي تغير وجعل حماس توافق…؟؟

السبب الرئيس ان السلطة الوطنية كانت تلقت ضربة موجعة من سلطة الاحتلال الاسرائيلي  خلال الانتفاضة الثانية، فاسرائيل دمرت بالكامل مؤسسات السلطة وحاصرت الرئيس ياسر عرفات في مقره في رام الله، ومن ثم قامت باغتياله بالسم…!! لقد وافقت حماس على المشاركة في الانتخابات، بالرغم من انها تتم تحت سقف اوسلو، لأنها كانت ترى انها ستفوز في الانتخابات، وتسيطر على النظام السياسي الفلسطيني، في ظل ازمة السلطة الوطنية، فهي لا يهمها “اوسلو” بل ما يهمها ان تكون هي من يمسك بقرار القضية الفلسطينية خدمة لاجندة الجماعة، وان تكون هي اي حماس البديل لمنظمة التحرير.

وعندما دخلت الساحة الفلسطينية في مأزق سياسي كبير، بعد تشكيل حماس منفردة الحكومة  الفلسطينية، تم تشكيل حكومة وحدة وطنية، بموجب اتفاق مكة في شتاء عام 2007،  انقلبت حماس على هذه الحكومة، وسيطرت على قطاع غزة بالقوة المسلحة في حزيران/ يونيو عام 2007 ما ادى الى اخطر انقسام فلسطيني. ومنذ ذلك التاريخ فشلت كل الجهود الفلسطينية، والعربية، لانهاء هذا الانقسام الذي لا يخدم سوى العدو الاسرائيلي.

ومن اجل ان يتم اعتمادها كبديل عن المنظمة، اصدرت حماس ما اطلق علية وثيقة السياسة الجديدة، والتي وافقت فيها حماس على مبدأ حل الدولتين، واقامة دولة فلسطينية على خطوط الرابع من حزيران/ يونيو عام 1967، اي ان حماس بهذه الوثيقة لم تعد تتناقض مع المنظمة سياسيا، ولكن مع ذلك لم تقبل الانضمام لهذه المنظمة.

تناقضات حماس نابعة اساسا من كونها تخفي اجندتها الاخوانية الخاصة، وتحاول استخدام القضية والوطنية الفلسطينية وشعار المقاومة خدمة لهذه الأجندة، ومن اجل تمكين الجماعة وليس فلسطين وشعبها. واذا راقبنا كل تصرفات حماس قبل وبعد سيطرتها بالقوة على غزة، فان هدفها الأول والأخير هي ان يتم اعتمادها كبديل لمنظمة التحرير في اي صفقة مع سلطة الاحتلال، وانها عندما تتشدد او تكون مرنة، انما ذلك من اجل تحقيق هذا الهدف، وهو هدف لمصلحة الجماعة الام التي يهمها كثيرا جدا ان تمسك بقرار القضية الفلسطينية، لتعزز من دورها ومكانتها في المنطقة والعالم، هذه هي الأجندة الحقيقية التي تحاول حماس إخفاءها تحت شعارات مختلفة. المشكلة ان دولة الاحتلال الاسرائيلي، تعرف اكثر من غيرها اهداف حماس الحقيقة، وتقوم باللعب على خيوط هذه الاهداف من اجل اضعاف الشعب الفلسطيني، وابقائه منقسما على نفسه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى