#أقلام وأراء

اللواء متقاعد أحمد عيسى: معركة بأس جنين إجتثت فكرة نتنياهو الداعية لإعادة إنتاج فتح خانعة مستسلمة..

لكنها بالمقابل رفعت من إحتمالات إقدام إسرائيل على تنفيذ نكبة جديدة

اللواء متقاعد أحمد عيسى* 9-7-2023: معركة بأس جنين إجتثت فكرة نتنياهو الداعية لإعادة إنتاج فتح خانعة مستسلمة

نعم، لقد إجتثت معركة بأس جنين (الإسم الذي لا يخلو من دلالة) وهم نتنياهو رئيس الحكومة الفاشية التي تحكم إسرائيل الآن الداعية إلى إستيلاد حركة فتح خانعة مستسلمة للأمر الواقع الذي تفرضه إسرائيل، ومقابل ذلك تكشف صور النزوح المؤقت لبعض أهالي المخيم في اليوم الثاني للمعركة نتيجة للدمار الذي لحق بالبيوت والمنشآت والبنية التحتية للمخيم، أن خيار ارتكاب جريمة نكبة جديدة بحق الفلسطينيين هو خيار جدي وقائم وربما وشيك.

تلكم هي في ظني الخلاصات الأهم للمعركة، ويمكن للمراقب، لا سيما إذا كان من المراقبين الفلسطينيين، التوصل لهذه الخلاصات من خلال قراءة وربط المعطيات التالية ببعضها البعض،

أولاً: أهداف إسرائيل المتعلقة بمصير الضفة الغربية والقدس ومستقبل الفلسطينيين خاصة الفلسطينيين في الضفة الغربية ومناطق العام 1948 وفقا لخطة سموتريش المعلنة،

وثانياً: أقوال رئيس الوزراء نتنياهو التي أدلى بها خلال جلسة للجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست والتي نقلتها هيئة الإذاعة الرسمية  (كان) قبل ايام معدودة من بدء العدوان على مخيم جنين،

وثالثا: تصاعد إحتمالات مبادرة إسرائيل لحرب إقليمية كبرى.

فمن حيث الأهداف المعلنة للحكومة الإسرائيلية الحالية، فينبغي التأكيد أن هذه الحكومة قد وصلت للحكم في نهاية العام الماضي وغايتها المعلنة هي حسم الصراع مع الفلسطينيين، اي حسم مشروع صناعة إسرائيل في المنطقة، وذلك طبقاً لخطة حزب الصهيونية الدينية بزعامة سموتريش (وزير المالية والوزير الثاني في وزارة الأمن)، التي تزداد الدلالات يومياً منذ تشكيل الحكومة أنها قد اعتمدتها وشرعت فعلاً بتنفيذها.

ويمكن ملاحظة هذه الدلالات في الآتي: سرعة وتيرة الإستيطان منذ صعود الحكومة الحالية للحكم في المناطق المخصصة للدولة الفلسطينية الموعودة، وفي تكرار تنفيذ جرائم حرق القرى والبلدات الفلسطينية من قبل مجموعات كبيرة من المستوطنين بحماية الجيش الإسرائيلي كما حدث في حوارة وترمسعيا وعوريف وكفر قدوم أخيراً وليس اخراً، وفي إحداث تغيرات جوهرية بنيوية إدارية وقانونية في هيكلية وزارة الأمن، بحث أصبح من خلالها سموتريش عراب خطة الحسم مسؤولا مباشرا عن ملف الإستيطان والمستوطنين في الضفة الغربية، علاوة على مسؤوليته المباشرة عن ملف الإدارة المدنية في الضفة الغربية، كما أصبح حليفه بن غفير زعيم حزب القوة اليهودية قائداً مباشرا لقوة حرس الحدود العاملة في الضفة الغربية، وفي الغاء قانون فك الإرتباط لعام 2005 في نهاية شهر مارس/ أذار الماضي، الذي انسحبت إسرائيل بموجبه من جانب واحد من جميع مستوطنات قطاع غزة، واربعة من شمال الضفة الغربية، وفي الإعدامات اليومية للفلسطينيين في كافة محافظات الضفة الغربية، إذ يلامس عدد الشهداء الذين ارتقوا منذ بداية العام الجاري 300 شهيد، وفي ارتفاع وتيرة هدم البيوت خاصة في القدس الشرقية، وفي شروع الحكومة فور تشكلها مباشرة في إحكام سيطرنها على كل مؤسسات الدولة خاصة السلطة القضائية لقناعة مكونات الحكومة أن السلطة القضائية واحكامها شكلت عائق أمام حسم بناء الدولة، وأخيرا في العملية العسكرية الواسعة غير المسبوقة منذ العام 2002 ضد مخيم جنين، والتي اطلق عليها الجيش إسم (البيت والحديقة).   

وتهدف الخطة الموسومة (بخطة الحسم) والتي أعدها سموتريش العام 2017 ونشرت حينها في مجلة (هاشيلوح) العبرية، والتي جرى اعتمادها من قبل الحزب عقب انتخابات العام 2022 حيث تمكن الحزب من احتلال مفاصل مهمة في صناعة القرار في الإئتلاف الحاكم، إلى إنهاء الصراع مع الفلسطينيين، لا الى إدارته، فإدارة الصراع وفقاً للخطة ليست أكثر من هدر للوقت وتشجيع للإرهاب.

وترى الخطة أن معالجة الصراع تتطلب إنهاء الأمل عند الفلسطينيين بإقامة وطن قومي، وأبرز محاورها هي: الإستيطان، وإنكار وجود شعب فلسطيني، ورفض قيام أي كيان وطني فلسطيني، واستخدام القوة والعنف ضدهم، والتهجير، وتحدد الخطة سيناريوهين إثنين للتعامل مع الفلسطينيين، الأول يتحدث عن الإبقاء على السكان الفلسطينيين كأفراد مقيمين في الدولة اليهودية، والثاني يتعلق بالفلسطينيين الذين لا يريدون التخلي عن طموحاتهم وتطلعاتهم الوطنية وهو ينقسم الى قسمين، إما التهجير الطوعي، وإما استخدام القوة اللامتماثلة والحسم العسكري.

 ومن حيث أقوال نتنياهو فكان قد قال في اللقاء المشار اليه أنه “يجب العمل على اجتثات فكرة اقامة الدولة الفلسطينية، وقطع الطريق أمام تطلعات الفلسطينيين لإقامة دولة مستقلة لهم”.

وأضاف وفقاً لما نقلته الإذاعة “أن إسرائيل تستعد لفترة ما بعد الرئيس عباس، موضحاً أن بقاء السلطة الفلسطينية هي مصلحة إسرائيلية، وأن إسرائيل ليست معنية بانهيارها بل أنها مستعدة لدعمها مالياً”.

وفيما تتفق أقوال نتنياهو مع خطة سموتريش، فهي توضح أيما توضوح أن المعيار الأساس للسلطة التي يريدها نتنياهو في اليوم التالي للرئيس عباس، والتي هو لا يسعى لانهيارها بل انه مستعد لدعمها مالياً، هو عدم سعي هذه السلطة بمعنى قيادتها وحكومتها وأجهزتها ومؤسساتها بأن تبقى سلطة للتحول مطلقاً إلى دولة مستقلة، وأن بقائها رهن بمدى خدمتها لمصلحة إسرائيل.

صحيح أن نتنياهو ومن قبله سموتريبش لم يشيرا في أقوالهم وخطتهم لحركة فتح مباشرة، لكن لَما كانت السلطة والدولة المستقلة هما غايات المشروع الوطني الذي تقوده فتح بصفتها كبرى الفصائل الفلسطينية وصاحبة الوطنية الفلسطينية وقائدة منظمة التحرير الفلسطينية، تكون فتح هي الجهة المستهدفة الأولى من أقوال نتنياهو وسموتريتش، الأمر الذي يجعل من قراءة العدوان على جنين بعيداً عن ذلك ينطوي في أحسن الأحوال على سذاجة واضحة.

في الواقع لا تعكس أقوال نتنياهو ومن قبله أفكار سموتريش وبن غفير سوى أوهامهم وعماهم الذي يحجب عنهم رؤية الواقع كما هو، وهذا قول خبرائهم في الأمن القومي داخل إسرائيل وخارجها، إذ بدل الإعتراف بحقيقة فشل المشروع الإستعماري الصهيوني في فلسطين برمته، فهم يواصلون خداع أنفسهم وشعبهم من اليهود في إسرائيل وخارجها من خلال تهيئة الرأي العام اليهودي (الرافض لسياساتهم وإن بدى رفضهم لأسباب أخرى) أن بإمكانهم النجاح في ما فشل فيه المؤسسون الأوائل لمشروع صناعة إسرائيل على مدى أكثر من قرن مضى من خلال تبنيهم لإستراتيجية إدارة الصراع لا معالجته وحسمه.

والأهم أنهم يواصلون خداع الذات بناء على تقديرات لديهم وربما لدى بعض من حلفائهم الإقليميين، بأن حالة الضعف والتشرذم والإنقسام التي يبدو عليها الشعب الفلسطيني وحركتهم فتح، تسمح بترويض هذه الأخيرة وفرض الإستسلام عليها، الأمر الذي إجتثته معركة بأس جنين وخطاب فتح الذي رافقها، سواء كان الرسمي، أم غير غير الرسمي خلال ساعات المعركة وفي أعقابها، الخطابات التي أكدت أن فتح ليست ملك لأحد حتى وإن كان من قيادتها، يمكنه أن يوجهها الإتجاه الذي يريد، فهي ملك شعبها الذي يشبهها وتشبه والذي لا  زالت بوصلته فلسطين.

وفي هذا الإتجاه قالت فتح في بيان صادر عن مفوضية الإعلام والثقافة والتعبئة الفكرية يوم الأربعاء الموافق 5/7/2023 “أن المعركة التي خاضها شعبنا في مخيم جنين ضد عدوان جيش الإحتلال الإسرائيلي هي تحول نوعي في مجرى الصراع مع الإحتلال ورسالة نوعية دونها شعبنا بتضحياته وصموده والتحام قواه”.

نعم هي تحول نوعي في مجرى الصراع، لا سيما وأن إحداثيتها وتطوراتها بينت أن سيناريو التهجير القسري قائماً وفاعلاً، وهنا أجادل أنه ربما تشرع إسرائيل في ظل حكومة (الحسم) الحالية لتنفيذه، خاصة إذا ما نشبت حرب اقليمية كبرى ويقيني أننا أقرب ما يكون من إندلاع هذه الحرب، لا سيما وأن المبادرة للحرب (والإنتصار فيها) وفي هذا شك كبير كما يقول الكثيرين من خبراء الأمن في إسرائيل ودللت عليه مؤخرا معركة جنين أيما تدليل، هي جزء أصيل من العقيدة الأمنية الإسرائيلية التي تسعى من خلالها الى الحفاظ على الردع وعلى اللاتوازن في القوة، إذ أن اي تغيير تحديداً في ميزان الردع الذي أصبح حقيقة اليوم غير قابلة للدحض، يُقرأ كتهديد أمني من الطراز الذي يمس ديمومة الوجود ، الأمر الذي يستوجب الخروج للحرب.

وعلى ذلك يتوجب على حركة فتح قيادة وقواعد إجراء تحولات نوعية سريعة في بنيتها وخطابها وسلوكها وخياراتها استعدادا لهذا السيناريو، وأي انشغال بغير ذلك هو هدر للوقت وصرف للجهد في غير مكانه. 

 

*المدير العام السابق لمعهد فلسطين لأبحاث الأمن القومي

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى