ترجمات عبرية

إسرائيل اليوم: سذاجة أميركية؟ نعم ولكن!

إسرائيل اليوم 26-3-2024، ايال زيسر: سذاجة أميركية؟ نعم ولكن!

قرار إسرائيل الخروج الى حرب ضد حماس في اعقاب مذبحة 7 أكتوبر ترافق ليس فقط بانتقاد من جانب خصوم وأعداء، بل وأيضا بتشكيك وحتى بمعارضة من جانب أصدقائنا الأميركيين. وقد بعث هؤلاء الى إسرائيل بخبراء عسكريين “أشاروا” لها الا تخرج الى حرب كونها بتقديرهم لن تفلح في الحاق الهزيمة بحماس. انتم ستتورطون في قتال بلا جدوى، هكذا حذروا، وستغرقون في الوحل الغزي، مثلما غرقتم في الوحل اللبناني قبل أربعة عقود، ومثلما غرقت أميركا نفسها في الوحل في العراق وفي أفغانستان وقبل ذلك في فيتنام.

إسرائيل لم تأخذ بهذه المشورات، وخيرا فعلت. الحرب ضد حماس جلبت إنجازات ذات مغزى: الجيش الإسرائيلي يسيطر اليوم عمليا في معظم أراضي القطاع ولم يحصل فيه شيء – لا حركة مدنيين، لا نقل عتاد وغذاء وبالطبع لا اعمال ترميم واعمار – دون إذن إسرائيل. الحقيقة هي ان مخربين قلائل وحتى خلايا إرهاب لا تزال تعمل في الميدان بالضبط مثلما تعمل في الضفة، لكن حماس، كجيش منظم مع قيادات، معسكرات ومخازن سلاح وكاطار سلطوي يدير الحياة في القطاع – هزمت وانهارت.

غير أن كل حرب تستهدف ليس فقط الحسم العسكري بل وأيضا الانتصار السياسي، وهذا يتلبث في المجيء وذلك بقدر غير قليل بسبب تردد حكومة إسرائيل في اتخاذ قرارات حول مستقبل القطاع في اليوم التالي: هل تقيم فيه حكما عسكريا وربما تنقله الى السلطة الفلسطينية، وربما بعامة تنسحب منه وتترك فيه فوضى تحت رعايتها قد تعود حماس مرة أخرى لتحكم في القطاع.

هذا الواقع، واقع إنجازات عسكرية يصعب على إسرائيل ان تترجمها الى حسم سياسي، يقبع في أساس الادعاء بانه بعد فصل القتال انتقلنا الى مرحلة المراوحة على الطريق الى الوحل الغزي.

غير أن غزة ليست لبنان ولا حتى فيتنام – ليس فقط لان الحديث يدور فقط عن حرب اللا مفر التي فرضت علينا وليس فقط لأن الحديث يدور عن تهديد يقع على حدودنا، وليس عن فيتنام البعيدة مسافة الاف الاميال عن الولايات المتحدة. غزة هي حالة خاصة لان القطاع لا يمنح عمقا للارهاب، بخلاف لبنان مثلا الذي يمكن لحزب الله فيه ان يقاتلنا في ظل الاعتماد على عمق جغرافي في بلاد الأرز نفسها، وأيضا في أراضي سورية، العراق وحتى ايران. غزة تشبه بالتالي منطقة الضفة التي ليس فيها عمق جغرافي للارهاب وتفرض علينا بالتالي تحديا أمنيا جاريا وليس تهديدا استراتيجيا كما شكلت حماس عشية 7 أكتوبر.
كل هذا لا يقنع الأميركيين. الآن هم يعارضون عملية في رفح ويعلقون كل جهدهم على خطة سلام أخرى لهم، هذه المرة في صيغة وقف نار وانهاء الحرب في غزة، لاقامة دولة فلسطينية واحلال السلام على الأرض في الشرق الأوسط.

الشيطان يوجد كما هو معروف في التفاصيل. كيف بالضبط يمكن إحلال السلام او انهاء النزاع بينما تكون حماس لا تزال تحكم في رفح، وحين يتوقف القتال ستحاول العودة للسيطرة على القطاع كله؟ وماذا عن حزب الله وعن ايران؟ من واشنطن البعيدة يبدو كل شيء ورديا ومتفائلا.

غير أنه لا حاجة للمرء لان يكون خبيرا عظيما كي يعرف ان من كل الخطط الأميركية لن يخرج شيء، ونهايتها ان تلقى في سلة مهملات التاريخ، بالضبط مثل خطط سابقة لتسوية النزاع سعت واشنطن لدفعها قدما. هكذا كانت “خطة الفا” في الخمسينيات وكان أساسها نزع النقب من إسرائيل واسكان اللاجئين فيه مقابل السلام، عبر مبادرة روجرز (1969)، خطط جيمي كارتر في السبعينيات، مشروغ ريغان في الثمانينيات وانتهاء برؤيا الرئيس أوباما وخطة دونالد ترامب في العقد الأخير.

للأميركيين توجد نوايا طيبة، لكن توجد أيضا سذاجة وميل لرؤية الأمور عبر نظارات وردية تجعلهم يؤمنون بان نزاعا دمويا دينيا – قوميا يمتد الى اكثر من مئة سنة يمكن حله بتلويحة يد وبنية طيبة.

لكن هذا لا يعني ان إسرائيل يمكنها أن تواصل جر الارجل والتصرف وكأنه يوجد لها كل الزمن الذي في العالم. فالامتناع عن اتخاذ القرارات في المستقبل من شأنه ان يفلت من أيدينا ثمار إنجازات الجيش في ميدان المعركة.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى